جرت الجولة
الثانية من انتخابات الإعادة الرئاسية في
تركيا يوم 28 أيار/ مايو 2023، وفاز فيها
الرئيس رجب طيب
أردوغان بولاية جديدة لمدة خمس سنوات، بعد معركة طاحنة مع تكتل
المعارضة. وقد لاحظنا في هذه الانتخابات ما يلي:
أولا: إن
الانتخابات أدارتها الحكومة التابعة للحزب الحاكم بطريقة ديمقراطية أزعجت الدوائر
الغربية، لدرجة أن الرئيس نفسه أشار في الكلمة الثانية التي شكر فيها الشعب التركي
وقدّم تقييما للانتخابات وبرامجه للمرحلة القادمة؛ إلى أن أكد أن الإعلام الغربي كان
يبث سموما إعلامية ضده شخصيا، وكان يدفع المعارضة العلمانية لاقتلاع التيار الإسلامي
من تركيا. وذكر ذلك الموقف أردوغان بأنه عندما تقدم بطلب عضوية الاتحاد الأوروبي
قال له الرئيس الفرنسي جاك شيراك إن أوروبا المسيحية لن تقبل في عضويتها دولة
إسلامية لها ماض مزعج بالنسبة لأوروبا، وأن الجالية التركية الكبيرة في أوروبا مع
الجاليات الإسلامية الأخرى تهدد الهوية المسيحية في أوروبا وتوشك أن تفرض المسلمين
بهدوء على كراسي الحكم في أوروبا، خاصة عندما تم انتخاب باكستاني مسلم عمدة لمدينة
لندن ثم أعقبه هندي آخر رئيسا للوزراء وإن كان من غير المسلمين.
تركيا أثبتت في عهد أردوغان أنها نموذج حقق التوازن بين العلمانية والإسلام، وحقق الفعالية المطلوبة أوروبيا مع الحضارة العثمانية القديمة، ولذلك فإن تركيا مع ماليزيا هما نموذجان إسلاميان وحيدان في العالم الإسلامي، ونتمنى أن تكون الديمقراطية التركية مُعدية للمنطقة العربية، وأن تكسر هذا الاستعصاء الديمقراطي للعرب، ولكنني أعتقد أن الديمقراطية والخيارات الحرة داخليا وخارجيا تحتاج إلى استقلال من سيطرة الغرب
ثانيا: إن تركيا
أثبتت في عهد أردوغان أنها نموذج حقق التوازن بين العلمانية والإسلام، وحقق
الفعالية المطلوبة أوروبيا مع الحضارة العثمانية القديمة، ولذلك فإن تركيا مع ماليزيا
هما نموذجان إسلاميان وحيدان في العالم الإسلامي، ونتمنى أن تكون
الديمقراطية
التركية مُعدية للمنطقة العربية، وأن تكسر هذا الاستعصاء الديمقراطي للعرب، ولكنني
أعتقد أن الديمقراطية والخيارات الحرة داخليا وخارجيا تحتاج إلى استقلال من سيطرة
الغرب. ولكن ما دام الغرب مُسيطرا على مقدرات العرب ويعتبر إسرائيل موقعا متقدما
للغرب فلن تشهد المنطقة أي أثر للديمقراطية مهما كانت الديمقراطية التركية قريبة
من أبواب العرب.
ثالثا: إن
الديمقراطية التركية كسرت الاحتكار الغربي للديمقراطية الإسرائيلية، فقد عاشت
إسرائيل طويلا على أنها النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، فكانت
الديمقراطية التركية منافسا صلبا للديمقراطية الإسرائيلية مع فارق هام هو أن
الديمقراطية التركية تهدف إلى حشد الشعب التركي على أرضه نحو السلام والرخاء
واحترام القانون.
أما الديمقراطية
الإسرائيلية فإنها ديمقراطية اليهود الذين استولوا بالمؤامرة
على المنطقة العربية، ومن حسن الحظ أن المشروع التركي المنافس للمشروع الصهيوني في
المنطقة قد نضج وعرف حدود التنافس مع هذا المشروع منذ حادثة مافي مرمرة عام 2010،
وخصوصا بعد التقرير الذي قدّمه القاضي الأممي منحازا لإسرائيل وأدان تركيا، ومع
ذلك لم تتوقف تركيا عن تأييد القضية الفلسطينية وانتقاد السياسات الإسرائيلية.
رابعا: إن
السياسة التركية على ضوء هذا العرس الديمقراطي سوف تتجه إلى التوازن وعدم الاحتكاك
مع الأطراف المختلفة الإقليمية والعالمية؛ فتركيا تسير على خط رفيع بين الشرق
والغرب وتوازن على أساس مصالحها بين روسيا والغرب، بل وقدمت مبادرة للقاء الرئيسين
الروسي والأوكراني في أنقرة، كما أن تركيا في المرحلة القادمة سوف تعزز علاقاتها
بإيران وكذلك الأطراف العربية الأخرى، وخاصة مصر وسوريا والعراق بعد هزيمة ممثل الأكراد
الذين أسماهم أردوغان بالإرهابيين، ونتمنى أن
تعود العلاقات إلى طبيعتها بين تركيا وكل من مصر (خلال كتابة المقال تم إعادة
العلاقات) وسوريا والعراق، حتى يمكن أن تنضم تركيا إلى التكتل العربي لمعالجة
مشاكل سوريا واليمن وليبيا والسودان.
السياسة التركية على ضوء هذا العرس الديمقراطي سوف تتجه إلى التوازن وعدم الاحتكاك مع الأطراف المختلفة الإقليمية والعالمية؛ فتركيا تسير على خط رفيع بين الشرق والغرب وتوازن على أساس مصالحها بين روسيا والغرب
خامسا: سوف تنطلق
تركيا في المرحلة القادمة بشكل أسرع وبثبات نحو أفريقيا وآسيا، وسوف تتمكن من
اتباع سياسة متوازنة تجاه الصين، ولن تفرّط في قضية مسلمي الإيغور الذين دافعت
عنهم تركيا لسببين؛ الأول لأنهم مسلمون مضطهدون، وتركيا نموذج لنصرة المسلمين،
والسبب الثاني أنهم ينحدرون من أصول تركية دون أن تنحرف تركيا نحو الصين في خلافها
مع الهند، وبعبارة أخرى سوف تصوغ تركيا علاقاتها الخارجية بما يحقق الوجود التركي
والمصالح التركية.
سادسا: أعتقد أن
تركيا في المرحلة الجديدة لا تستعلي على أوروبا بسبب دعم أوروبا للمعارضة ضد أردوغان
الذي يتمتع بعقلية مرنة تؤهله لطلب العضوية مرة أخرى في الاتحاد الأوروبي؛ فقد
استفادت تركيا كثيرا من متطلبات الاتحاد الاقتصادية وأهّلت نفسها لذلك اقتصاديا.
سابعا: إن تركيا احتوت الآثار السلبية لحرب أوكرانيا التي تذرعت بها الحكومة المصرية لتبرير الضائقة
الاقتصادية في مصر دون أن تعرف أو يكون لديها الشجاعة في مواجهة الأسباب الحقيقية
لهذه الكارثة، ومنها سلوك الحكومة الضريبي الذي أثقل كاهل المصريين.
ويلاحظ أن أهم
نقد وُجه لأردوغان من المعارضة هو الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة الليرة أمام
الدولار، وتراجع السياحة، والاحتكاك بواشنطن على خلفيات متعددة. وقد أشار الرئيس في
كلمته إلى كل أوجه النقص وتعهد بمعالجتها، وأشار إلى أن هناك فرقا بين برامج
المعارضة لطرد السوريين من تركيا وبين خطة حكومته للعودة الطوعية للمهاجرين
السوريين في منطقة داخل الأراضي السورية بمعونة قطرية.
وغني عن البيان
أن أردوغان ينبغي أن يوجد حلا للمشكلة الكردية، لأن بعض الأكراد الساخطين ارتكبوا سابقا
عددا من الأعمال الإرهابية في كبرى المدن التركية ثم إنهم يقيمون في منطقة شرق الأناضول،
وهي المنطقة الزراعية الرئيسية لتركيا، كما أنهم يمثلون خُمس سكان تركيا، والرغبة في
حل المشكلة الكردية في ضوء ظروف تركيا يريح نظام أردوغان كثيرا.
طول فترة بقائه في السلطة مدة طويلة منذ عام 2002 رغم ازدهار تركيا بعث الملل بشكل أو بآخر عند بعض القطاعات خاصة الشباب الذين نشأوا وولدوا ولم يعرفوا كيف كان الفقر والتخلف في تركيا قبل أردوغان، وكيف كانت الانقلابات العسكرية تدمر الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي
بقيت نقطتان لم
يتطرق إليهما الرئيس التركي في خطبه، وهما الأولى إذا سلمنا بالإنجازات فإن طول
فترة بقائه في السلطة مدة طويلة منذ عام 2002 رغم ازدهار تركيا بعث الملل بشكل أو
بآخر عند بعض القطاعات خاصة الشباب الذين نشأوا وولدوا ولم يعرفوا كيف كان الفقر
والتخلف في تركيا قبل أردوغان، وكيف كانت الانقلابات العسكرية تدمر الاستقرار السياسي
والاجتماعي والاقتصادي، وكانت تركيا تحت النظم العسكرية محرومة من فرص العيش
الكريم فنقلها أردوغان إلى الدولة الثامنة من الدول الصناعية الكبرى يُضاف إلى ذلك
أن الرئيس أردوغان أعلن عن كشوف الغاز والبترول الجديدة مما سيدعم خطته في ضبط
الوضع الاقتصادي الذي كان يؤرق الكثير من المواطنين.
النقطة الثانية
لم يوضح الرئيس معنى مئوية تركيا، وهو يعني أن تركيا هذا العام سوف تصبح حرة في
التصرف في مضايق البوسفور والدردنيل، وأن اتفاقية لوزان التي تقيد تركيا سوف تنتهي هذا العام بمضي قرن كامل على هذه الاتفاقية، ومعنى ذلك أن الرئيس أردوغان احترم
اتفاقية لوزان مع الأطراف الأوروبية مع أن الذي وقعها هو الدولة العثمانية، وأن
الدولة العثمانية انتهت مع انتهاء الخلافة العثمانية على يد الجنرال أتاتورك عام
1924، ولكن أتاتورك التزم بتنفيذ المعاهدة، وعندما جاء أردوغان إلى السلطة لم يفسخ
المعاهدة أو يتخلى عنها، وإنما طبقها بصبر طويل، وذلك خلافا لسلوك هتلر الذي نفض
يده بمجرد توليه السلطة عام 1933 من اتفاقية فرساي التي صممت خصيصا لإذلال
ألمانيا.