قضايا وآراء

بين الانتخابات التركية والعربيّة!

وليد الهودلي
يتساءل العربي: ما الذي ينقصنا كي نفعل ما فعله الأتراك؟- جيتي
يتساءل العربي: ما الذي ينقصنا كي نفعل ما فعله الأتراك؟- جيتي
انتشرت كلمة التونسي: "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" وهو يستبشر بما سُمّي في حينها بالربيع العربي، للأسف اغتيل هذا الربيع ولم يعد ربيعا ولا حتى خريفا، ولا ندري إلى أين صار صاحب هذه المقولة الشهيرة، وماذا عساه أن يقول اليوم وهو يرى بأمّ عينه هذه الانتخابات التركية وحالنا نحن العرب لا يخفى على أحد.

تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان وحزبه أعتقد أنها نجحت في تطبيق المقولة التي كانت أساس التقدم الذي تشهده اليابان، والتي قالها إمبراطورها ونقلتها من الهزيمة والتخلّف بعد الحرب العالمية الثانية إلى هذا النجاح الذي تشهده، لم تكن خطبة عصماء ولا شعارات ناريّة إنما هي جملة واحدة: خذوا عن الغرب وتجاوزوه".

اليوم أردوغان يثبت للغرب أنه لم يكن تبعا له، وإنما قد تجاوزه وأصبح النموذج التركي نموذجا عالميا وماركة مسجّلة لا يمكن أن يماري فيها أحد. فالديمقراطية ليست حكرا للغرب ولا هو المعلم فيها ونحن التلاميذ، فبإمكاننا أن نصنع ديمقراطيتنا بأيدينا. بالفعل كان عرسا حقّق فيه الأتراك حكومة وشعبا انتخابات حرّة، واختاروا رئيسهم بالطريقة الديمقراطية الصحيحة.

أمام هذا المشهد التركي الحضاري الجميل يقف العربي في حالة يرثى لها.. ما الذي ينقصنا كي نفعل ما فعله الأتراك؟ فما بين أن يفوز الحاكم العربي بنسبة: 99.99 في المئة وبين فوز الرئيس التركي بنسبة 52 في المئة مسافة طويلة هي بالذات المسافة بين صندوق الاقتراع العربي والصندوق التركي، ما بين الحقيقة والوهم
وأمام هذا المشهد التركي الحضاري الجميل يقف العربي في حالة يرثى لها.. ما الذي ينقصنا كي نفعل ما فعله الأتراك؟ فما بين أن يفوز الحاكم العربي بنسبة: 99.99 في المئة وبين فوز الرئيس التركي بنسبة 52 في المئة مسافة طويلة هي بالذات المسافة بين صندوق الاقتراع العربي والصندوق التركي، ما بين الحقيقة والوهم، ما بين التطبيق الصادق والأمين، وبين اللف والدوران وسرقة خيار الشعب جهارا نهارا.

نحن العرب نغبط ونبارك ونأمل عندما نرى دولة من عالمنا الإسلامي تنجح في التجربة الديمقراطية، خاصة هذا النجاح الباهر، وفي ذات الوقت يرتدّ بصرنا وهو حسير على تجاربنا الفاشلة بامتياز.. ويبقى هذان السؤالان معلقين في سمائنا العربية: متى وكيف نصل إلى ما وصل إليه الأتراك وغيرهم من أصحاب التجارب الديمقراطية الناجحة؟ هل نأخذ بهذه المقولة اليابانية: "خذوا عن الغرب وتجاوزوه" أم أننا مصرّون على التبعية العمياء المطلقة فاقدة السيادة والقرار؟ إذ لا يوجد من معسكر الأعداء من يريد لنا أن نختار حكامنا بحريّة، فعندئذ سوف نحقّق الاستقلال التامّ عنهم، السياسي والاقتصادي، وبالتالي لن تبقى أسواقنا مفتوحة على مصراعيها لهم ولن تبقى سياستنا تدور في أفلاكهم.

كلمة "تجاوزوه" فيها يكمن السرّ، إذ تعني التنافسية ودخول السباق من منطلق الاعتداد بالذات وصناعة نجاحاتنا بأيدينا وفي سياقاتنا الصحيحة، وهذا يعني الخلاص من التبعية وتحقيق الاستقلال الحقيقي والحرية لشعوبنا وبالتالي القدرة على إجراء انتخابات حرّة ونزيهة.
شعوبنا العربية تريد ذلك وتتمنى أن يأتي هذا اليوم، ولكنها ما زالت لا تفعل الفعل المطلوب ولا تجد من يقودها في هذا المسار الذي ينقذنا من سطوة الحكم الشمولي والديكتاتوريات الفاشلة

والحضارة الإنسانية هي امتداد طبيعي وتأتي بناء على من سبقنا، فهم أخذوا منّا وبنوا على ما وصلت عليه الحضارة العربية الإسلامية وقت ازدهارها، واليوم أن نأخذ ما وصلوا إليه هذا أمر لا بدّ منه وفيه استمرار للصعود الحضاري الإنساني المطلوب، ولكن يبقى: كيف نأخذ وماذا؟ ومن منطلق التبعية أم من موقع السيادة والحريّة والاستقلال؟

شعوبنا العربية تريد ذلك وتتمنى أن يأتي هذا اليوم، ولكنها ما زالت لا تفعل الفعل المطلوب ولا تجد من يقودها في هذا المسار الذي ينقذنا من سطوة الحكم الشمولي والديكتاتوريات الفاشلة.
التعليقات (2)
رائد عبيدو
الأربعاء، 31-05-2023 02:35 م
الديمقراطية بهذه الطريقة أصبحت في معظم الدول سوقا للنفاق والكذب ومدح النفس وتشويه الخصوم وإقصائهم، ومزرعة للعداوة والبغضاء. في الوضع التركي يتصالح النظام مع أنظمة إجرامية واستبدادية لكنه مثلها يعادي نسبة كبيرة من شعبه، إذ يصف الرئيس التركي حزبا رسميا بالإرهاب ويجعل من يحاول التقرب منه مساندا للإرهاب وكذلك يصف جماعة دعوية بالإرهاب ويعتقل من يشتبه في انتسابه إليها في حين أنه لا يتورع عن استقبال رئيس العصابات الإرهابية الصهيونية، وتلك جريمة تفقد أي حاكم شرعيته ومنصبه في أي نظام يحترم الإنسان وحقوقه ويحارب الإجرام والفساد. الديمقراطية بهذه الطريقة هي إحدى طرق الانحطاط بالمجتمع، إذ يتردى كل حزب في قاع تلو آخر ليحصل على حصة من أنصار خصومه، فتصبح الأحزاب الكبرى شديدة التشابه والتنافر، يحاول كل منها التسويق لنفسه بتعداد مساوئ غيره، ويجعل انتخابه الوسيلة الوحيدة لمنع وصول من يراهم أسوأ منه، وترتفع نسبة الانتخاب بهذه الفزاعات. ولو كانت ديمقراطية حقيقية تترجم آراء الشعب وتهتم بالوعي وتحترم المنطق لما خاف الشعب من بعضه، ولكان اهتمام المرشحين بكيفية خدمة الشعب وتحسين مستواه وتقوية روابطه أكثر من اهتمامهم بالحط من أقوال منافسيهم وأفعالهم وبرامجهم، ولكان الحاكم قادرا على ترك المجال لغيره دون خوف ودون تخويف ودون تعديل دستوري يستغل هذه الفزاعة للتشبث بالمنصب وتقوية الحكم الفردي دون تداول أو تجديد للدماء. وفي الحالة التركية لو كانت ديمقراطية حقيقية تعبر عن الشعب لما كان يحكمها موتى وضعوا مواد دستورية لا يحق للأحياء تغييرها ولا مخالفتها. وفي المحصلة فالانتخابات الديمقراطية الآن توهم الشعوب أنهم يختارون حكامهم بحرية، لكن ما تمنحهم هو حق رفض أسوأ البدائل.
الحل بين أيديكم
الثلاثاء، 30-05-2023 12:12 م
لا يوجد ما ناخذه من الغرب وغير الغرب سوى بعض العلوم، وهل يعقل لأمة أنار دربها عالم الغيب والشهادة وخالق كل شيء و بينا لها سبيل النجاح والفوز في الدنيا والآخرة، أن تترك هذا الطريق وتبحث في الضلال وتتوه في ضلمات الشرق والغرب. فالحل بين أيديكم ولا تبحثوا عن الصراب. وهل في المجتمعات الديمقراطية، هناك فعلا حكم للشعب، فالسياسين المنتخبين يقومون بالتصديق على قوانين شرعها أناس لا علاقة لهم بالشعوب ويعيشون في عالم آخر وما على الشعوب إلى الاحتجاج. وهنا بيت القصيد، لماذا يحاربون حكم الله، فلا حيلة مع الله فالحق واضح والباطل واضح ولا يستطيع أين كان علمه التلاعب على شرعية الله وتشريع وإصدار قوانين على قياسه .....إن كانت الشمس تأتي من الشرق فكيف لعاقل انتظارها من الغرب.