قضايا وآراء

رسائل اقتصادية لأردوغان في خطاب النصر

أشرف دوابة
حدد أردوغان تحديات المرحلة القادمة- جيتي
حدد أردوغان تحديات المرحلة القادمة- جيتي
انتهت الجولة الثانية والأخيرة من انتخابات الرئاسة التركية بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة.. تلك الانتخابات التي كانت قِبلة للشرق والغرب.. تلك الانتخابات التي كانت أفئدة وأدعية المسلمين في بقاع الأرض تبتهل إلى الله بالدعاء أن ينصر أردوغان، بينما تتسابق قوى الاستعمار المعاصر في الغرب ومن سار على نهجها في الشرق لإسقاط أردوغان.

إن هذه الانتخابات ما قبلها ليس كما بعدها، لذا تعلقت قلوب المسلمين بها، فلم يقتصر الأمر على ما هو قائم من حماية أردوغان للمظلومين ووقوفه مع قضية الإسلام العادلة، وتوجهه التدريجي للخروج بتركيا من مستنقع العلمانية إلى رحاب الإسلام الذي حكمها أكثر من ستة قرون، وكانت لا تحكم نفسها فقط، بل امتد حكمها في قارات ثلاث بأيدي العثمانيين.

فالأمر يمتد إلى ما بعد ذلك، فقد أراد الله تعالى لأردوغان أن يفوز قبل ليلة واحدة من نفس يوم فوز محمد الفاتح بفتح القسطنطينية في 29 آيار/ مايو 1453م، لتبدأ تركيا مئوية جديدة من الفتح تربط فيه الماضي بالحاضر، وتضع المسلمين على طريق إعادة مجدهم، وهذا المجد لا يعود إلا بقيادة راشدة تمتلك القوة العسكرية والقوة الاقتصادية. وهذا ما يسعى إليه أردوغان، فقد اهتم اهتماما ملحوظا بالقوة العسكرية وتصنيع أسلحة تركيا بنفسها، مقتديا بالدولة العثمانية التي سادت العالم بقوتها العسكرية وأسطولها البحري، وحينما ضعف هذا الأسطول ضعفت وذبلت حتى غربت -للأسف الشديد- شمسها التي ستشرق بإذنه تعالى من جديد.

القوة الاقتصادية فهي التحدي الآن أمام أردوغان، خاصة أن الغرب يعلم جيدا أنه لا يمكنه هزيمته عسكريا، فلجأ منذ سنين لحرب اقتصادية على تركيا ومعه ذيوله من بعض الدول العربية، التي حرص أردوغان قبل الانتخابات على تصفير المشاكل معها
أما القوة الاقتصادية فهي التحدي الآن أمام أردوغان، خاصة أن الغرب يعلم جيدا أنه لا يمكنه هزيمته عسكريا، فلجأ منذ سنين لحرب اقتصادية على تركيا ومعه ذيوله من بعض الدول العربية، التي حرص أردوغان قبل الانتخابات على تصفير المشاكل معها.

لذا لم يغب الاقتصاد عن خطاب النصر الذي ألقاه أردوغان من شرفة المجمع الرئاسي التركي في العاصمة أنقرة، مساء فوزه في الانتخابات، فقد تطرق إلى مشكلة تركيا الكبرى وهي التضخم الذي يكوي الناس بارتفاع الأسعار ويجعل الدخول تتآكل أكلا، وبيّن أردوغان أن هذه المسألة ليست بالأمر الصعب بالنسبة لحكومته، مستشهدا بخفض الفائدة إلى 4.6 في المئة والتضخم إلى 6.2 في المئة عندما كان رئيسا للوزراء، ولفت النظر إلى خفض الفائدة في الوقت الحالي إلى 8.5 في المئة، مؤكدا أن التضخم سيهبط بدوره. وأضاف: "سنواصل سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي يقوم على أساس الاستثمار وخلق فرص العمل". وأوضح أن حكومته تعمل على تأسيس إدارة مالية "تحظى بالاحترام على الصعيد الدولي"، وتخطط لإنشاء اقتصاد إنتاجي "يركز على الاستثمار والتوظيف".

وواضح توجه أردوغان في علاج التضخم من خلال زيادة الكتلة الإنتاجية الحقيقية أمام الكتلة النقدية المفرطة، بعيدا عن مسكّنات السياسة النقدية القائمة على رفع سعر الفائدة لعلاج وقتي للتضخم يعيش معه الاقتصاد في لولب الأسعار الأجور. وهو بذلك يتخذ علاجا هيكليا شاملا وإن احتاج بعض الوقت، ولكن له ثماره الجيدة، ومع ذلك فإنه في الوقت نفسه يجب حصار الارتفاعات المتوالية في الأسعار بدون مقتضى، لا سيما أسعار العقارات تملّكا وإيجارا، وأسعار المواد الغذائية، مع تعزيز فرص الصادرات بغزو قارة أفريقيا بالمنتجات التركية، والاستفادة من خبرات المهاجرين الذين توطنوا في تركيا لحل المشاكل الآنية ورسم السياسات المستقبلية، وتيسير سبل الاستثمار لهم.
واضح توجه أردوغان في علاج التضخم من خلال زيادة الكتلة الإنتاجية الحقيقية أمام الكتلة النقدية المفرطة، بعيدا عن مسكّنات السياسة النقدية القائمة على رفع سعر الفائدة لعلاج وقتي للتضخم يعيش معه الاقتصاد في لولب الأسعار الأجور. وهو بذلك يتخذ علاجا هيكليا شاملا وإن احتاج بعض الوقت، ولكن له ثماره الجيدة

كما ركز أردوغان في خطابه على غلق باب التعامل مع صندوق النقد والدولي بلا عودة منذ عام 2013م، وهذا من أهم القرارات الصائبة التي اتخذها أردوغان، ونجاحه حمى تركيا من الوقوع في مصيدة صندوق النقد الدولي وقروضه التي كانت تريد المعارضة الرجوع إليها، فهذا الصندوق لم يُسهم في استقرار بلد أو يحفّز إنتاجه واستقراره، بل يزيد اقتصاد البلاد التي تخضع له انكماشا ومجتمعاتها فقرا، وعلى يده تتبخر الأصول الإنتاجية الحكومية.

كما ركّز أردوغان في خطابه على تضميد جراح منكوبي زلزال 6 شباط/ فبراير وإعادة بناء المدن المدمرة مع إنجاز المشاريع وتقديم الخدمات، وهذا يعكس المسؤولية الاجتماعية للرئيس أردوغان تجاه شعبه، حيث رأى منذ حدوث الزلزال أن بناء مساكنهم وتوفير الاستقرار لهم حق لهم وواجب عليه، وهو مفهوم نادر وجوده، في ظل ما يحيط به من دول كل همها نهب ما في جيوب شعوبها. وقد كان من نعم الله عليه أن تلك المناطق التي أضيرت من الزلزال هي من دفعت أصواتها لنجاحه.

وبشّر أردوغان شعبه بنفط البحر الأبيض المتوسط وغاز البحر الأسود، وإنشاء مركز دولي لتوزيع الغاز الطبيعي في منطقة تراقيا شمال غربي تركيا، بناء على مقترح للرئيس الروسي بوتين. وما من شك أن هذا سيكون له تأثير إيجابي على ميزان المدفوعات الذي يعاني عجزه من فاتورة استيراد الطاقة، وهو حتما سيصب في صالح تحسين سعر صرف الليرة.

إن تركيا سفينة نوح التي أراد الله لها النجاة والانطلاق نحو بناء دولة يظللها الإيمان، ولها حضورها واستقلالها في قرارها اعتمادا على الذات، في ظل عالم جديد يتشكل ولا مكان فيه للضعيف.. مبروك للرئيس أردوغان وللشعب التركي والمسلمين في ربوع الأرض هذا الفوز الممزوج بدعوات الصالحين وعمل المصلحين.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)