هاجمت وسائل إعلام غربية، بما في ذلك إذاعات حكومية، الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، مع دخول
الانتخابات مرحلتها الحاسمة، ما يطرح التساؤلات بشأن خفايا ودوافع الانتقادات اللاذعة الموجهة لأردوغان.
ويتوجه الناخبون داخل تركيا، الأحد المقبل، إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب برلمان ورئيس جديدين للبلاد، فيما يطمح أردوغان للفوز بولاية جديدة تمكنه من البقاء في الحكم إلى غاية 2027.
وخلال الفترة الماضية، حولت العديد من
الصحف الغربية أقلامها نحو تركيا لانتقاد رئيسها، البالغ من العمر 69 عاما، والدفاع عن منافسه الأبرز في الانتخابات الرئاسية ومرشح كبرى الأحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو.
وأثارت "
إيكونوميست" جدلا واسعا بعد أن كتبت المجلة على غلاف منشورها الأخير عبارة "أهم استحقاق انتخابي في 2023"، واصفة الرئيس التركي بـ"الديكتاتور" وقالت إنه "يجب على أردوغان الرحيل".
وتجادل المجلة، التي سبق أن هاجمت أردوغان، بأن "الانتخابات في تركيا على الهاوية، وإذا خسر أردوغان، فسيكون ذلك انعكاسًا سياسيًا مذهلاً له عواقب عالمية"، زاعمة أن "الشعب التركي سيكون أكثر حرية، وأقل خوفًا - وفي الوقت المناسب - وأكثر ازدهارًا".
وأضافت أن "الحكومة الجديدة ستصلح العلاقات المتصدعة مع الغرب، بما في ذلك مع حلف شمال الأطلسي الناتو"، معتبرة أن "أردوغان كان لاعباً معطلاً في الشرق الأوسط وسعى إلى توثيق العلاقات مع روسيا".
وقالت المجلة: "إن طرد أردوغان سيُظهر للديمقراطيين في كل مكان أنه يمكن هزيمة الرجال الأقوياء".
في المقابل، أعربت عن دعمها صراحة لمرشح المعارضة، الذي يزيد عمره عن أردوغان بـ5 سنوات، وقالت: "إذا فاز كمال كليتشدار أوغلو بالرئاسة، فستكون هذه لحظة عظيمة لتركيا وأوروبا والنضال العالمي من أجل ديمقراطية حقيقية. نحن نؤيد بحرارة مرشح المعارضة".
ولم يتأخر رد الرئيس التركي على المجلة، حيث قال أردوغان إن بلاده لن تسمح بتوجيه سياستها الداخلية عبر أغلفة مجلات، التي اعتبرها أنها "جهاز تنفيذي للقوى العالمية".
وأضاف أردوغان عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: "من خلال قرن تركيا سنرتقي بكل هذه النجاحات الدبلوماسية إلى القمة"، قائلا إن تركيا باتت من خلال تحركاتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية "تضيّق الخناق على التنظيمات الإرهابية"، على حد وصفه.
الإعلام الألماني
وأثارت مجلة "دير شبيغل" الألمانية غضبا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي في تركيا، بسبب صورة غلاف عددها لهذا الأسبوع، الذي ظهر فيه الهلال العثماني ورمز الدولة التركية مكسورا، وعرش محطم يجلس عليه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وهو ما رآه كثيرون إساءة كبيرة إلى تركيا.
وعنونت "دير شبيغل" الصورة المثيرة للجدل في غلاف عددها الأخير بـ"أردوغان، الفوضى أو الانقسام في حال الخسارة"، في إشارة إلى منعطفات خطيرة قد تشهدها تركيا بعد الانتخابات المقررة في 14 أيار/ مايو الجاري.
وتحدّث المقال عما وصفه بـ"تراجع النفوذ التركي في المنطقة وفقدان تركيا مكانتها كقوة إقليمية"، وذكر بعض الأحداث التي قال إنها "تسببت في هذا التراجع" مثل الصراع في سوريا والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كما تطرق التقرير إلى حقوق الإنسان في تركيا، وقال إنها "تواجه انتقادات شديدة في هذا المجال فضلا عن اعتقال صحفيين وناشطين".
اظهار أخبار متعلقة
الإعلام الفرنسي
بدورها، نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية تقريرا للصحفي غيوم بيرييه، قال فيه إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى تحقيق حلمه بالإمبراطورية تماما مثل فلاديمير بوتين"، متسائلا: "هل يمكن أن يخسر أردوغان الانتخابات المقبلة؟".
وبحسب الكاتب، فإن الزعيم التركي لم يقل كلمته الأخيرة، والحملة الانتخابية في تركيا يمكنها أن تشهد العديد من التقلبات والمنعطفات، مضيفا أن نتائج الانتخابات التشريعية ستكون حاسمة في تقرير مصير أردوغان الرئاسي.
وزعم حاميت بوزرسلان الباحث في العلوم السياسية أنه في حال إعادة انتخاب أردوغان في 14 من الشهر الجاري سيعود الزعيم التركي إلى مواصلة لعبته وتقربه من روسيا والصين ودول الخليج، التي تساعده استثماراتها بتخفيف الصدمة الاقتصادية، كما أنه سيقترب أكثر من إيران وسوريا، موضحا أن أردوغان يمكن أن يجعل من الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان، هذا الصيف، فرصة لإعادة مناقشة جميع الحدود من البحر الأبيض المتوسط إلى القوقاز.
ملف كامل خصصته مجلة "ليكسبرس" الفرنسية للانتخابات التركية ومستقبل أردوغان السياسي على المستوى الداخلي والدولي.
وشبهت المجلة كمال كليتشدار أوغلو بالرئيس الأمريكي جو بايدن، فيما شهبت أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي مقال آخر، عنونت ليكسبرس "أردوغان - بوتين، ميثاق الحكام المستبدين"، واعتبر كاتب المقال أن الكرملين يناور من أجل إنقاذ الرئيس التركي قبل الانتخابات المقبلة، أما الدول الغربية، فاختارت الصمت وأظهرت عجزها أمام الوضع السياسي التركي.
وزعمت المجلة أنه "منذ بداية الغزو الروسي على أوكرانيا، قام الثنائي بوتين –أردوغان بتنظيم رقصات خفية: القيصر يقصف المدنيين، والسلطان يتظاهر بأنه صانع سلام. لتصبح تركيا ممرا مفضلا للأموال الروسية القذرة ولاعبًا رئيسيًا في التحايل على العقوبات الغربية ضد موسكو".
اظهار أخبار متعلقة
الإعلام الرسمي
ولم تخل بعض وسائل الإعلام الغربية الحكومية من الحملات التي تستهدف بكل وضوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي ذلك مثال "راديو فرانس"، الذي تديره الدولة الفرنسية عبر مجموعة "فرانس ميديا موند" التي تديرها وزارة الخارجية ضمن سياسة التوجه للجمهور الذي يتواجد خارج فرنسا، بما في ذلك العرب عبر "فرانس24 عربي" وإذاعة "مونت كارلو الدولية" الناطقة باللغة العربية.
ومنذ فاجعة الزلزال، الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 شباط/ فبراير الماضي مخلفا أكثر من 50 مليون قتيل، بدأت الإذاعة الفرنسية ببث ريبورتاجات صوتية تهاجم فيها سياسات الرئيس أردوغان.
وخصصت الإذاعة الحكومية ركنا كاملا في قسم "بودكاست" باسم "أردوغان، فتنة الإمبراطورية" لمهاجمته، حيث تم وصفه في التعريف بالحلقات بأنه "حيوان سياسي لا يصدق" و"قادر على أي شيء لهدف واحد: أن يبقى سيد تركيا المطلق".
وقال معد الحلقات، الصحفي، كلود جيبال، إن "أردوغان، جسم غامض سياسي، تم تكريمه في جميع أنحاء العالم العربي الإسلامي، فيما لاحظه العالم الغربي باهتمام وذهول، وهو الرجل الذي بدا قادراً على إثبات توافق الإسلام السياسي مع الديمقراطية".
ورغم ذلك، زعم الصحفي أن "تركيا تحولت إلى دولة قمعية من خلال الهجمات على الأكراد، وتخويف أوروبا بملف اللاجئين، ورقصة التانغو المزعجة التي لعبها أردوغان مع روسيا فلاديمير بوتين".
"أردوغان رقم صعب"
وفي تعليق، اعتبرت الدكتورة سيلين إلهام جريزي، الأكاديمية والمحللة السياسية من باريس، أن هناك تغطية غربية واسعة للانتخابات التركية، على الأقل من قبل الصحافة المكتوبة.
وعن أسباب الاهتمام المكثف بالانتخابات، قالت المحللة السياسية إن "الرئيس التركي جعل من نفسه رقما صعبا في مجموعة من الملفات بما في ذلك الملف الروسي- الأوكراني، ومرور الحبوب وعدد من السلع عبر مضيق البوسفور، ما جعل عديد الدول تتفق مع رأي أردوغان تجاه هذا الملف".
وأضافت جريزي في حديث لها مع "
عربي21"، أنه "على الرغم من حلحلة عديد الملفات بين الغرب والرئيس التركي، إلا أنه توجد عدم ثقة بين الطرفين باعتبار التقارب الأخير لأردوغان مع روسيا والصين وإيران".
واستدركت بالقول: "رغم ذلك، لا يزال الغرب يحتاج لرجب طيب أردوغان رغم الدعم الكبير الذي يلقاه منافسه كمال كليتشدار أوغلو من قبل 6 أحزاب معارضة".
وتابعت: "هناك ملفات مرتبطة ببقاء أردوغان في الحكم، فالرجل معروف بالنسبة للغرب، في حين أن مرور شخص آخر قد يكون سلاحا ذا حدّين".
ورأت سيلين إلهام جريزي أنه "بشأن وسائل الإعلام الفرنسية، يوجد في فرنسا حساسية تجاه تركيا، خصوصا وأن باريس من الدول الرافضة لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، فيما تمثل تركيا قوة لا بأس بها خصوصا فيما يتعلق بعضوية السويد في الناتو".