اقتصاد عربي

ماذا يعني تعديل تصنيف مصر الائتماني المستقبلي من مستقر إلى سلبي؟

تعديل التصنيف جاء نتيجة تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي- جيتي
تعديل التصنيف جاء نتيجة تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي- جيتي
يواصل الاقتصاد المصري نزيف النقاط بعد أن عدّلت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية؛ نتيجة تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي فيما أكدت تصنيف الدّين المصري طويل الأجل بالعملات الأجنبية عند (B).

يعكس التصنيف الائتماني، الذي يتراجع بوتيرة متسارعة من قبل وكالات التصنيف الثلاث في العالم، حالة عدم اليقين في قدرة سياسة مصر النقدية والمالية في تجاوز الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وانهيار عملتها، في ظل تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي.

لفتت الوكالة إلى أن تأخير الإصلاحات الهيكلية وتلك المرتبطة بسعر الصرف، ما زال يضغط على الجنيه المصري، الأمر الذي يزيد من مخاطر الخفض الحاد لقيمة العملة المحلية على الحكومة والاقتصاد ككل، فضلا عن ارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة.

يذكر أن وكالة "موديز" صنّفت الدين المصري بالعملات الأجنبية عن (B3)، مع نظرة مستقبلية مستقرة، في حين منحت وكالة "فيتش" الديون المصرية طويلة الأجل بالعملات الأجنبية تصنيف (+B)، مع نظرة مستقبلية سلبية.

وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني سبقت نظيرتها في تعديل نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لمصر من مستقرة إلى سلبية، في أيار/ مايو الماضي، مع إبقائها للتصنيف الائتماني عند "B2"؛ بسبب تزايد مخاطر الاتجاه الهبوطي لقدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية في ضوء التقلص الكبير في احتياطي النقد الأجنبي لتلبية مدفوعات خدمة الدين الخارجي المقبلة.

واستمرارا لمسلسل نزيف النقاط، خفضت وكالة "موديز"، في شباط/ فبراير الماضي، للمرة الأولى منذ 2013، تخفيض تصنيف مصر السيادي درجة واحدة بالعملتين الأجنبية والمحلية إلى "B3" بدلاً من "B2"، وهي درجة منخفضة للغاية على سلم التصنيف الائتماني للدول، وعدلت النظرة المستقبلية إلى "مستقرة" بدلا من "سلبية".

اظهار أخبار متعلقة


حكومة السيسي تبرئ نفسها وتتعهد بالإصلاح

في أول رد فعل على التصنيف الجديد، الذي يؤثر بشكل واسع في قرارات المستثمرين والشركاء الدوليين والمؤسسات المالية العالمية تجاه الاستثمار في مصر، أرجع وزير المالية المصري تثبيت "ستاندرد أند بورز" لتصنيف مصر الائتماني بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو عند مستوى "B" مع تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية نتيجة للضغوط الخاصة بالتعاملات الخارجية، واستثنى وجود أي أخطاء في سياسة البلاد الاقتصادية للوصول إلى تلك المرحلة.

أحد أهم الأسباب التي دفعت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" لتعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلى سلبية، هي ارتفاع الاحتياجات التمويلية الخارجية للاقتصاد المصري التي تبلغ حسب تقديراتها نحو 17 مليار دولار خلال العام المالي الحالي و20 مليار دولار خلال العام المالي المقبل 202-2024.

في محاولة لطمأنة مجتمع المال والأعمال الدولي، أشار الوزير المصري، في بيان، السبت، إن "تطبيق حزمة إجراءات مالية ونقدية وهيكلية للتعامل مع مخاوف الاحتياجات التمويلية الخارجية "، والتأكيد على "تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي".

وجدد الوزير حرص بلاده على "تنفيذ ما أعلنته في ديسمبر 2022، من إصلاحات هيكلية خاصة برنامج الطروحات وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع استكمال سياسات الضبط المالي؛ بما يؤدي - بحسب التقرير - إلى تدفق مستمر للعملة الأجنبية".

مع استمرار هيمنة الدولة على مفاصل الاقتصاد، أشارت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" إلى أهمية دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وزيادة مساهمة القطاع الخاص في جملة الاستثمارات، وهو ما ردت عليه وزارة المالية المصرية بالقول إن"جهود الحكومة لتحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية مستمرة من خلال تطبيق وثيقة ملكية الدولة".

اظهار أخبار متعلقة


لماذا تم تعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري؟

اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، مصطفى شاهين، أن التقارير الدولية المتتالية بخصوص خفض أو تعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، "تعكس حالة من عدم اليقين لدى تلك المؤسسات فيما يتعلق بجدية الإصلاحات الاقتصادية في ظل هيمنة الدولة على مفاصل الاقتصاد، ونبذ القطاع الخاص وتكبيله بقيود كبيرة، وعرقلته لصالح مؤسسات وأشخاص بعينهم".

وأكد، في تصريحات لـ"عربي21"، أن "هذا التقرير الجديد يأتي متطابقا مع نظرة باقي مؤسسات التصنيف الدولية الكبرى في أمريكا، والتي تحذر منذ أكثر من عام من الاقتصاد المصري على وشك الانهيار، وقدمت مفاتيح حل تلك الأزمة في أكثر من مرة دون أي استجابة حقيقية من الحكومة المصرية؛ لذلك قامت بتعديل نظرتها المستقبلية من إيجابية إلى سلبية؛ لأنها لم تر أي نتائج إيجابية".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "مصر تحتاج بشكل ملح وعاجل إلى إصلاحات سياسية واقتصادية ونقدية ومالية، إلى جانب تحييد دور الدولة والجيش، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للعب دوره الطبيعي في المرحلة المقبلة، وتشجيع المناخ العام للاستثمار المحلي والأجنبي".

اظهار أخبار متعلقة


خفض مرتقب للجنيه المصري

في مؤشر على قرب خفض العملة المحلية وزيادة الضغوط عليها، بحسب مراقبين وخبراء اقتصاد، ترجمها ارتفاع العقود الآجلة للجنيه المصري لأجل 12 شهرا، لمستوى قياسي جديد عند 44.4 للدولار، بحسب بيانات السوق.

وكانت العقود الآجلة المستحقة بعد 12 شهرا، ارتفعت إلى مستوى 40 جنيها للدولار لأول مرة في تاريخها في آذار/ مارس الماضي.

وذكرت وكالة "بلومبيرغ"، أن التجار يراهنون على أن الضغوط المتزايدة على الجنيه المصري، قد تجبر البنك المركزي قريبا على السماح بتخفيض آخر لقيمة العملة.

اظهار أخبار متعلقة


كيف تتأثر مصر بالتصنيف الجديد

بشأن أهمية تصنيف وكالات الائتمان الدولية وأثرها على الاقتصادي المصري، قال الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، إن "تقارير تلك الوكالات الدولية تكتسب أهمية ومصداقية لدى المؤسسات المالية العالمية وصناديق الاستثمار السيادية والمستثمرين بشكل عام؛ لأنها تؤثر على قراراتهم الخاصة بالاستثمار في تلك البلاد التي تصدر تقاريرها الخاصة بها".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "تقارير تلك الوكالات الثلاث يساعد على تدفق الاستثمارات الأجنبية في بلد ما مثل مصر، وبالتالي رفع قيمة عملتها، أو العكس فقد تساعد على خروج الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة الأموال الساخنة التي يستثمرها المستثمرون في ادوات الدين المحلية، التي يمكنها الخروج بسرعة من الأسواق الناشئة التي تواجه مخاطر ائتمانية عالية".

وتوقع أن "يساهم التقرير الأخير، الذي جاء كجرس إنذار، في تسريع وتيرة تنفيذ التزامات مصر التي تتعلق باتخاذ قرارات سريعة ومؤلمة، وأسرع قرار يمكن اتخاذه هو خفض قيمة الجنيه أو السماح له بالانخفاض مجددا، والتعجيل ببرنامج الخصخصة، لكن في نهاية المطاف فإن تكلفة مصر للحصول على قروض باتت الآن مرتفعة بسبب ضعف جدارتها الائتمانية، وبالتالي زيادة حجم الدين العام".

النقطة الأخرى المهمة في التصنيف، بحسب الصاوي، هو أنه إلى جانب رصده للوضع الاقتصادي وجدارة البلاد الائتمانية فإنه يعكس أيضا حالة الاستقرار السياسي والأمني، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي، وكذلك القدرة على سداد الديون المتراكمة والتي وصلت لمستويات قياسية، وتناوله للبعد الزمني لوضع الاقتصاد المصري عند نظرة مستقبلية سلبية بدلا من إيجابية أو مستقرة يحمل مخاطر عديدة.
التعليقات (0)