قضايا وآراء

الانسداد السياسي في مصر.. إلى أين؟

قطب العربي
استدعاء حسين عبد الهادي بعد انتقاده الانتخابات ومطالبته بإطلاق سراح المعتقلين- فيسبوك
استدعاء حسين عبد الهادي بعد انتقاده الانتخابات ومطالبته بإطلاق سراح المعتقلين- فيسبوك
حالة الانسداد السياسي التي تعيشها مصر منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 انعكست سلبا على كل المجالات الأخرى، فالأزمة الاقتصادية تتفاقم، والديون الخارجية تتصاعد، والأخلاق تتراجع، والصناعة تنتكس، والتطور العلمي ينكمش، والقوة العسكرية تتعرض لاختبارات قاسية آخرها ما حدث في السودان، وقبلها في معركة سد النهضة الإثيوبي، وجزيرتي تيران وصنافير، وليس هناك سوى بعض مشروعات طرق وجسور، ومدن جديدة يتباهى بها النظام ويركز عليها الأضواء باعتبارها معجزة الدنيا الجديدة!!

مع بدء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة العام المقبل 2024 سرت موجة توقعات بأن يخفف النظام تلك الحالة من الانسداد، عبر بدء جلسات الحوار الوطني، ومنحها سقفا معقولا للنقاشات، وتغطيتها إعلاميا، وعبر توسيع عمليات العفو عن سجناء الرأي، ووقف الاعتقالات الجديدة، وتخفيف القبضة على وسائل الإعلام، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. فالحوار الوطني لا يزال يراوح محطته الأولى، وحتى التاريخ المعلن لبدء الجلسات في 3 أيار/ مايو المقبل مشكوك فيه بناء على تجارب سابقة، والإفراج عن السجناء تم بالتنقيط خلال الفترة الماضية ثم توقف، مع استمرار الاعتقالات، والتي طالت مؤخرا نشطاء معروفين مثل الدكتور هاني سليمان، وكوادر أحزاب سياسية مشاركة في الحوار الوطني مثل الدستور والكرامة.

الحوار الوطني لا يزال يراوح محطته الأولى، وحتى التاريخ المعلن لبدء الجلسات في 3 أيار/ مايو المقبل مشكوك فيه بناء على تجارب سابقة، والإفراج عن السجناء تم بالتنقيط خلال الفترة الماضية ثم توقف، مع استمرار الاعتقالات، والتي طالت مؤخرا نشطاء معروفين مثل الدكتور هاني سليمان، وكوادر أحزاب سياسية مشاركة في الحوار الوطني مثل الدستور والكرامة
أحدث الإشارات السلبية هي استدعاء المهندس يحيي حسين عبد الهادي، المتحدث السابق باسم الحركة المدنية، للتحقيق بتهمة حيازة منشورات!! والمقصود هي كتاباته على فيسبوك، التي انتقد في بعضها مسرحية الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري في ظل حالة الانسداد السياسي التام، وحبس وحرمان المرشحين المحتملين، كما دعا في بعضها للإفراج عن كل السجناء السياسيين بمن فيهم سجناء الإخوان، بدءا من المرشد العام ونوابه وقيادات الجماعة ونوابها في البرلمان.. الخ. ومن الواضح أن النية كانت منعقدة لإعادة حبس يحيي حسين، ولكن ربما ساهمت حملة التضامن الواسعة معه في وقف الحبس.

يعيش النظام المصري في طوفان من المشاكل والتحديات الداخلية والخارجية، فالديون الخارجية تجاوزت 160 مليار دولار، وهناك أزمات في سداد أقساطها وفوائدها، والمشروعات الكبرى التي يفخر بها تعاني عجوزات كبيرة تحول دون استكمالها، وصندوق النقد يواصل ضغطه عليه لوقف بعض تلك المشروعات عديمة الجدوى من ناحية، وإقرار تعويم جديد للجنيه عقب عطلة عيد الفطر من ناحية ثانية، والمسارعة بخصخصة شركات عامة بينها مشروعات تابعة للجيش.

ورغم التزام النظام بهذه المطالب مبدئيا إلا أنه يواجه مشكلة في بيع المشروعات المطروحة للخصخصة بسبب فقدان المستثمرين الأجانب (حكومات أو شركات) الثقة في الاقتصاد المصري، وفي العملة المحلية التي ينتظرها المزيد من التخفيض.

وعلى الصعيد الأمني لم تنته معركة الإرهاب في سيناء رغم ادعاء السيسي بانتهائها، كما تزايدت المخاطر الأمنية من الغرب (ليبيا) ومن الجنوب (السودان). ولعل أحدث التحديات هنا هي أسر عسكريين مصريين في مطار مروي بيد قوات الدعم السريع، ورغم تعهد تلك القوات بتأمين هؤلاء الجنود، والتعهد بإعادتهم سالمين إلى مصر إلا أن حرصها على بث فيديوهات للحظة أسرهم مثّل جرحا كبيرا للكرامة الوطنية المصرية، ورفع منسوب الغضب لدى الكثير من المصريين الذين شاهدوا تلك اللقطات.

مع تزايد التحديات والضغوط على النظام توقع الكثيرون أن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة 2024 مختلفة عن سابقتيها في 2014 و2018، لكن المؤشرات حتى الآن تسير في الاتجاه الخاطئ تماما، وإن بدا النظام حريصا هذه المرة على تقديم مسرحية أكثر إحكاما، عبر مفاوضات سرية مع بعض قادة الحركة المدنية (تضم عدة أحزاب ليبرالية ويسارية من معسكر 30 يونيو) لإقناعها بتقديم مرشحين رئاسيين مع ضمان حصولها على نسب تصويتية بحدود 30 في المئة.

العديد من القوى السياسية في الداخل والخارج بدت حتى الآن أكثر تصميما على استثمار الانتخابات الرئاسية لكسر هذا الانسداد السياسي ولو جزئيا، ولذا فقد طرحت الحركة المدنية نفسها جملة من المطالب تسبق إجراء الانتخابات، وتوفر بيئة ملائمة لها
لكن العديد من القوى السياسية في الداخل والخارج بدت حتى الآن أكثر تصميما على استثمار الانتخابات الرئاسية لكسر هذا الانسداد السياسي ولو جزئيا، ولذا فقد طرحت الحركة المدنية نفسها جملة من المطالب تسبق إجراء الانتخابات، وتوفر بيئة ملائمة لها، ومن ذلك ضمان حرية وسلامة المرشحين، وحرية وسائل الإعلام، وحياد مؤسسات الدولة، والقبول برقابة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإجراء الفرز وإعلان النتيجة داخل اللجان الفرعية.. الخ، فيما أصدرت رموز سياسية في الداخل بيانا حمل عنوان "افتحوا المجال العام" تضمن تحذيرا من انفجار شعبي لا يُبقي ولا يذر نتيجة هذا الانسداد، كما يؤكد أن لا ضمان حقيقيا لانتخابات نزيهة إلا بعدم ترشح السيسي شخصيا. وقد طالب البيان بفتح المجال العام، والإفراج عن سجناء الرأي، مع قبول إشراف الأمم المتحدة، وهي المطالب ذاتها التي تتبناها المعارضة المصرية في الخارج إضافة إلى بنود أخرى تتمثل في إزالة القيود الدستورية والتشريعية أمام ترشح بعض الأشخاص، ورفع القيود المفروضة على الإعلام والأحزاب والجمعيات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.. الخ.

تدرك المعارضة الجادة أن الانتخابات المقبلة لن تختلف كثيرا عن سابقتيها، ولكنها تدرك أيضا ضرورة استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية، وإحداث اختراق ولو قليل في المشهد السياسي. وعلى الأرجح فإن هذه المعارضة ستلجأ إلى خيار المقاطعة في حال تجاهل النظام لمطالبها كما هو متوقع، وفي هذه الحالة فإن البديل سيكون انفجارا شعبيا لا يبقي ولا يذر كما حذر بيان الرموز السياسية.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)