ببلوغرافيا

غازي الجمل.. شاعر فلسطيني دافع عن الأقصى وأرّخ للانتفاضة وترسيخ الهوية

اهتم غازي الجمل بقصص الانتفاضة وأبطالها وكان ينشغل بتفاصيل الأحداث والأشخاص ويكتب شعراً فيهم.
اهتم غازي الجمل بقصص الانتفاضة وأبطالها وكان ينشغل بتفاصيل الأحداث والأشخاص ويكتب شعراً فيهم.
في العام 2020، وفي المدة التي التزم الناس بيوتهم بسبب وباء كورونا، "انفجر" فجأة مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق انتشاراً كاسحاً لما فيه من شعر وطني وأجواء وجدانية ملهِمة.

هذا المقطع، يضم مجموعة من عُوّاد الشاعر غازي الجمل وأصدقائه، كما أخبرني ابنه الدكتور محمد غازي الجمل، وكان بينهم الشاعر كمال رشيد رحمه الله، وكانوا يحاولون إنعاش ذاكرته بقراءة شيء من أشعاره على مسامعه، فكان يكمل الأبيات التي يقولونها، وقد تأثر وبكى في نهاية المقطع.

هذه الأبيات باتت ناراً على علم في سماء الشعر الوطني الفلسطيني (مع أن القصيدة كانت عن العراق). وهذه بعض أبياتها (الفيديو مرفق):

قف شامخاً مثل المآذن طولاً           ..             وابعث رصاصَك وابلاً سجّيلا    
فليحرقوا كلَّ النَّخيلِ بِساحِنا              ..              سَنُطِلّ من فوق النخيل نخيلا
فَليَهدِموا كُلَّ المَآذِنِ فَوقَنا            ..              نحنُ المآذنُ فاسمعِ التَّهليلا
نحنُ الذين إذا وُلِدنا بُكرةً                   ..              كُنّا على ظَهرِ الخُيولِ أصيلا



القصيدة أُلقيت في مهرجان في الأردن لنصرة مدينة "الفلوجة" عام 2004، والمقطع صُوّر عام 2007 بعد استيقاظ الشاعر من الغيبوبة، ونشر على اليوتيوب عام 2008، وكُتب لها القَبول والانتشار عام 2020، من خلال أحد المغردين السعوديين على منصة تويتر..

سيرة الشاعر

ولد غازي الجمل رحمه الله عام 1950 في غزة، وتعود جذور عائلته لقرية "جمزو" قضاء اللد، غادرت العائلة غزة إلى الأردن عام 1954 حيث درس شاعرنا مدارس الزرقاء من الابتدائية حتى الثانوية، ودرس في يوغوسلافيا، وتزوج خلال تلك الفترة.

وحاز على دبلوم في الهندسة الميكانيكية من يوغسلافيا عام 1977، ثم حصل على ماجستير في الهندسة الميكانيكية في جامعة اليرموك عام 1986، عمل مهندساً في مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية حتى سنة 1989، ثم سافر إلى نيويورك في أمريكا حيث عمل في التجارة مدة خمس سنوات. ثم عاد ليؤسس مؤسسة تجارية في الأردن مع عائلته (ثلاث بنات وأربع أولاد)، حيث عاش حتى وفاته عام 2010.

كان الشاعر ناشطاً في الأوساط الأدبية والاجتماعية، فكان عضو الهيئة الإدارية في رابطة الأدب الإسلامي، وحزب جبهة العمل الإسلامي، وجمعية المركز الإسلامي الخيرية، ومساعد رئيس جمعية جمزو الخيرية، ومساعد رئيس جمعية الكتاب الإسلامي، وعضو جمعية التربية الإسلامية، وعضو في نقابة المهندسين الأردنيين، وعضو رابطة العشّابين الأردنيين.

بداياته

كان والده محمد عيسى الجمل معلماً ومديراً ذا ثقافة واسعة، كتب الشعر وألف المسرحيات المدرسية التي ضمّنها بعض أشعاره، وكان يدرب الطلاب عليها لتأديتها في المناسبات الوطنية والدينية. ومن الوالد استقى شاعرنا بداياته الشعرية، فبدأ ينظم الشعر خلال المرحلة الإعدادية، وكان أحد المعلمين يشجعه ويلقبه بالشاعر. لكن البداية الفعلية الجادّة كانت بعد مرحلة الدراسة الجامعية.

تميّز شاعرنا بشغفه البالغ بقصص الانتفاضة وأبطالها، فكان يهتم بتفاصيل الأحداث والأشخاص، ويكتب شعراً فيهم.. وأحسب أنه أكثر من كتب شعراً عن الانتفاضة وأحداثها ورموزها.. ولا شكّ أن المسجد الأقصى حظي بالقسط الأكبر من قصائده. وكما تقول ابنته الدكتورة عائشة الجمل:

"تجسدت علاقته بفلسطين من خلال أيقونتين، الأولى هي أيقونة المسجد الأقصى الذي كان حاضراً بقوة في كثير من قصائده حتى التي يتكلم فيها عن موضوعات تبدو للوهلة الأولى منقطعة الصلة به، لكنه كان يربطها به لانشغال وجدانه به، ولأنه يراه بوصلة حقيقية للأمة. والثانية هي أيقونة الشهداء والمجاهدين (رموز القضية والانتفاضة).".

تلك القصائد كتبها وألقاها في المهرجانات الخطابية والأمسيات الشعرية والمسيرات الوطنية، وتفاعل الناس مع معانيها التي تعبّر عنهم وعن هويتهم وأصالتهم وتمسكهم بفلسطين والقدس والأقصى.

تعرض شاعرنا عام 2007 لحادث سير أثناء عودته من عمان إلى الزرقاء، حيث فوجئ بسيارة مسرعة انتقلت من الجهة الأخرى للطريق واصطدمت بسيارته وجهاً لوجه. جرى تخديره كلياً لمدة أسبوعين، وكان أشبه بغيبوبة كاملة، وعندما استيقظ عانى من فقدان مؤقت للذاكرة، وخضع لعلاج طويل بعد خروجه من المستشفى.

بعد انتعاش ذاكرته تفرغ للقراءة والكتابة، فاستعاد صفاء ذهنه ونشاطه، واستثمر وقته بشكل مكثف، فطبع دواوينه السبعة وأبحاثه بنفسه فكان يقضي ساعات طويلة في عمله على الكمبيوتر، وتعلم مهارات الإنترنت، وأسس مدونته الخاصة التي نشر فيها إنتاجه.

شعره

له مجموعة دواوين شعرية منها: دمع اليراع، قف شامخاً، نفح الطيب، قناديل العرش، درة العشاق، هندسة الكلمات..

توفي الشاعر غازي محمد عيسى الجمل في عمان عام 2010 إثر إصابته بنزيف في أحد شرايين القلب.



قصيدة "قف شامخاً"

بالطائرات المرسلات عويلا                       ..              ترمي بأطنان الردى تنكيلا
بالراجمات القاذفات قنابلا                      ..              فوق الرؤوس تدفقا موصولا
بقذائف (النابالم) تحرق أرضنا                  ..              وتحيل أرض الرافدين طلولا
(بأبي رغال) اليعربي أمامهم                 ..              مستوجب اللعنات سار دليلا
بالكاذبين المفترين بأنهم                      ..             قد طبقوا (التوراة) و (الإنجيلا)
بالمُجهزين على الجراح بِخِسة               ..             إذ يمعنون بشعبنا تقتيلا
بالمانعين من الإغاثة أهلها                 ..             ودماؤهم تجري هناك سيولا
بالجاعلين من المساجد ويحهم            ..             سقفاً يهدّ على الرؤوس مهيلا
ما فت في عضد الفلوجة كيدهم       ..             وارتد جيش الأصغرين ذليلا
فالله أقوى من هدير سلاحهم          ..             أنعم برب العالمين وكيلا
وسيعلم الباغي مغَبّة مكرِهِ              ..             ولسوف يعلم من أضل سبيلا
يا ابن الفلوجة يا بقية عزنا                  ..             يا من رأوا بك صارماً مسلولا
قِف شامخاً مثل المآذن طولا          ..            وإبعث رصاصك وابلا سجّيلا
مزّق به زمر الغزاة أذقهمُ                  ..             طعم المنون على يدي عزريلا
جاءوا على قدر يسوق لحتفهم         ..            من بعد نأي عن مداك طويلا
أحرق جثامين البغاة ورجسها             ..            وانثر على أشلائهم (بترولا)
طهر به ماء المحيط منظّفا                ..            خطراً على ماء المحيط وبيلا
سطّر على هام الزمان بأننا                  ..            أهل الكرامة والأعز قبيلا
فليحرقوا كل النخيل بساحنا                ..             سنطلّ من فوق النخيل نخيلا
فليهدموا كل المآذن فوقنا               ..             نحن المآذن فاسمع التهليلا
إن يبتروا الأطراف تسعى قبلنا             ..         قدماً لجنات النعيم وصولا
نحن الذين إذا ولدنا بكرة                        ..          كنّا على ظهر الخيول أصيلا
نحن الشهادة والشهيد وشاهد           ..         ولأسدنا قد فصلت تفصيلا
في عالم الصمت المهيمن حولنا         ..         حتى غدا مستبكماً مشلولا
نطقت فصاحتنا بلحن كفاحنا                ..          أعلى البيان صواعقاً و قتيلا
صوت الرصاص أبو البيان بلاغة             ..          وأشد إفصاحاً وأقوم قيلا
سندكّ جيش البغي من عزماتنا           ..          ونرده خلف الحدود ذليلا
فالعيش تحت الاحتلال جهنم              ..          زقومها غسلينها المرذولا
و العز جنتنا وروح حياتنا                        ..          من دونه أضحى العراق قتيلا
أهل الفلوجة يا طلائع زحفنا             ..           يا من رضيتم بالإله وكيلا
ورفعتم القرآن فوق جباهكم          ..          ورضيتم الهادي الحبيب رسولا
سرتم على درب الجهاد بعزة             ..            سعياً لجنات الخلود مقيلا
يا من صبرتم للحصار طويلاً               ..            في عزة تعلو المجرة طولا
تحت القذائف والحريق جهنم         ..             لم تقطعوا التكبير والتهليلا
لقنتم الدنيا الدروس صريحة           ..              لا تقبل التزييف والتدجيلا
أن الأعز محمد و جنوده                     ..             والله أكبر ناصراً و وكيلا
التعليقات (0)