تقارير

"المفكر الإسلامي".. ما مجالات اشتغاله وبماذا يمتاز عن العالم الشرعي؟

ما هي حقول إنتاج المفكر الإسلامي وميادين مساهماته؟ وبماذا يمتاز عن العالم الشرعي؟
ما هي حقول إنتاج المفكر الإسلامي وميادين مساهماته؟ وبماذا يمتاز عن العالم الشرعي؟
بات استخدام وصف "المفكر الإسلامي" شائعا ومتداولا في كثير من وسائل الإعلام، وعادة ما يتم إطلاق هذا الوصف على باحثين ودارسين اشتغلوا بقضايا فكرية وثقافية ومعرفية بمرجعية إسلامية، وهو ما يعني أن أولئك الأشخاص امتازوا عن العلماء الشرعيين التقليديين في مجالات إنتاجهم، وحقول مساهماتهم.

يشتغل العلماء وطلبة العلم الشرعي، بالعلوم الشرعية تعلما وتعليما وبحثا وتأليفا، وتنقضي سنوات طويلة من عمر العالم وطالب العلم في دراسة تلك العلوم وتعلمها، ومن ثم الاشتغال بتعليمها ونشرها من خلال أنظمة الدراسات الأكاديمية في الجامعات والمعاهد الشرعية، أو في الحلقات المسجدية والمشيخية المعروفة.

فإذا كانت مناهج وطرق طلب العلم الشرعي معروفة، ومجالات اشتغال العلماء وطلبة العلم الشرعي ظاهرة ومحددة، فما هي مجالات اشتغال من يوصف بـ "المفكر الإسلامي"؟ وما هي حقول إنتاجه وميادين مساهماته؟ وبماذا يمتاز عن العالم الشرعي، سواء المتخصص في علم شرعي بعينه، أو العالم الشمولي؟.

في هذا الإطار يبدي علماء شرعيون تحفظات على مصطلح "مفكر إسلامي"، وعلى من يستحق أن يوصف به، وما قد يقدمه بعض من يحملون تلك الصفة، من أفكار ورؤى لا تستوفي متطلبات النظر الشرعي بأصوله وقواعده ومناهجه المقررة،  فهو "مصطلح معاصر، غير منضبط، ويطلق على المهتم بالقضايا المعاصرة المختلفة ومعالجتها ومقاربتها بربطها بالرؤية الإسلامية" وفق الباحث اليمني المتخصص في العلوم الشرعية، الدكتور عبد الفتاح اليافعي.


                         عبد الفتاح اليافعي، باحث يمني متخصص في العلوم الشرعية

وردا على سؤال "عربي21" إن كان ثمة حاجة لوجود "مفكرين إسلاميين" كنسق فكري وديني زائد عن العلماء الشرعيين، رأى اليافعي أنه "ليس هناك كبير حاجة لذلك ما دام هناك علماء يهتمون بهذا الحقل" لافتا إلى أن "بعض الجهال استغلوا هذا اللقب للخوض في دين الله بغير علم".

ونبّه على "أهمية وضرورة ايلاء هذا الجانب المزيد من الاهتمام، بأن تهتم مجموعات من أهل العلم الشرعي، بتلك القضايا والموضوعات التي يخوض فيها من يطلق عليهم ذلك الوصف، لأن العلماء هم الأقدر على مقاربة تلك القضايا وفق معيار العلم، منعا للجهلة من الخوض في ذلك بحجة أنهم مفكرون".

من جهته عرَّف الباحث المصري المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، الدكتور كريم نفادي المفكر الإسلامي "بأنه وصف مكون من جزئين: الأول منه ينصرف إلى التفكير وإعمال العقل، والثاني ينصرف إلى كل المجالات التي تتناول علوم الإسلام وتاريخه، والمفكر الإسلامي يلتقي مع المتخصص في العلوم الشرعية والمؤرخ الإسلامي في أمور، ويمتاز عنهما في أمور".

وأضاف في حواره مع "عربي21": "الأمور التي يمتاز بها المفكر الإسلامي عن العالم الشرعي والمؤرخ، يمكن توضيحها بالآتي: فإذا كان العالم الشرعي في الفقه يُعنى بمعرفة الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها الكلية، فإن المفكر الإسلامي يحاول الوصول إلى عللها ومقاصدها ومدى حاجة المجتمع لها، وهو في هذه الخطوة يشارك الأصولي الذي يتفكر في علل الأحكام ليقيس عليها، غير أن المفكر الإسلامي يظهرها ليبين حكمة التشريع وفلسفة الأحكام الشرعية".


                           كريم نفادي، باحث مصري متخصص في الحديث النبوي وعلومه

وتابع نفادي: "وإذا كان هم المؤرخ جمع الوقائع التاريخية جمعا استقرائيا واستقصائيا، فإن عمل المفكر الإسلامي يبدأ من حيث ينتهي عمل المؤرخ؛ فيتفكر في تلك الأحداث ممحصا لها تارة، ومحققا لها أخرى، لينطلق منها لفلسفة التاريخ، ومدى تأثير صانعيه في مجريات الأحداث، لتقييم أدوارهم سلبا وإيجابا".

أما الأمور التي يلتقي بها المفكر الإسلامي مع العالم الشرعي والمؤرخ الإسلامي، فطبقا لنفادي فإن "المفكر الإسلامي يلتقي بالفقيه الشرعي عند الإلمام بالأحكام الشرعية، ويتفوق عليه الفقيه بالتوسع وسعة الاطلاع والإلمام بمختلف الأقوال الفقهية، ويلتقي المفكر الإسلامي بالأصولي في البحث عن علل الأحكام ومقاصدها، ويمتاز عنه الأصولي بسعة الاطلاع على جهود الأصوليين في ذلك، وعمليات السبر والتقسيم التي يقوم بها الأصولي".

وعن مجال التقاء المفكر الإسلامي بالمؤرخ ذكر أنه "يلتقي معه بالاطلاع على أحداث الماضي، لكن المؤرخ يتفوق عليه بمعرفة دقائق الأحداث وتفاصيلها، التي قد لا يقف عليها المفكر الإسلامي إلا القليل منهم، كما أنه يلتقي مع الفيلسوف (الإسلامي) بفهم الآراء المتباينة في العقيدة، لكن الفيلسوف يمتاز عنه بصياغة رؤى فلسفية تجتمع فيها الأدلة العقلية والنقلية الخاصة به".

بدوره قال الباحث في الفكر الإسلامي، المتبني لفكر المعتزلة، معتز شطا: "المفكر الإسلامي شخص يفكر في قضايا إسلامية، سواء قضايا تتصل بالاعتقاد أو التشريع أو الآداب، ويمكننا تجاوزا أن نطلق عليه اسم "فيلسوف"، إلا أن للفيلسوف نسقا معرفيا متكاملا يصل إليه عن طريق النظر العقلي المجرد في الكليات والماهيات، بينما لا ينطلق المفكر بالضرورة من العقل بمفرده، ولا ينظر بالضرورة في الكليات فقط".


                                          معتز شطا.. باحث في الفكر الإسلامي

وأردف: "فالمفكر إذن أقل درجة من الفيلسوف، كما أن المفكر أقل درجة من المُنظِّر، لأن هذا الأخير يضع فرضيات ويدلل عليها، ثم يقدمها في صورة نظرية متكاملة، أما المفكر فليس شرطا أن يقدم نظريات، فقد يكتفي بإثارة الانتباه إلى فرضيات معينة، وقد يضع عليها دلائل أولية، وعليه فالترتيب من حيث النسق العقلي والكلي: الفيلسوف، ثم المُنظِّر، ثم المفكر، وقد يتصف شخص ما بوصف منها أو أكثر".

وعن الصفات التي يجب أن تتوافر في المفكر الإسلامي، ذكر شطا لـ"عربي21" منها أنه "ينبغي للمفكر أن يكون قادرا على التفكير، وقادرا على الربط بين المقدمات والنتائج، فأساس العمل العقلي هو الربط والتقييد، ربط شيء بشيء، كربط نتيجة معينة بمقدماتها عن طريق سلسلة من الترتيبات الذهنية الناتجة عن النظر والتفكير وتقليب الذهن، ثم يتصف بعد ذلك بأن موضوعات أفكاره تتعلق بالإسلام، وإلا فهو مفكر عام، وليس مفكرا إسلاميا بالضرورة".

واعتبر المفكر "بما أنه يمارس التفلسف على وجه من الوجوه، فهو بالتالي أكثر حرية في النظر من العالم، لأن العالم يتقيد بقواعد صارمة ومنضبطة تجعله يسير في مسارات محددة، قد لا يستطيع الخروج عليها، ونتائج عمل العالم هي: العلم، فالعالم يقدم للناس علما منضبطا، أما المفكر فقد يكتفي بأن يقدم لهم أفكارا أو معارف كلية أو جزئية خام، تحتاج إلى تنقية ومعالجة وبحث واختبار حتى تتقولب في قالب علمي منضبط".

وختم كلامه بالقول: "كلاهما يحتاج الآخر، فقد يطرح مفكر ما فكرة معينة، فيتلقفها العالم، ويخضعها لأدواته المنهجية، ويجري أبحاثه عليها، وفق المنهج الملائم، والخلاصة: هناك مجموعتان، الأولى تضم الفلاسفة والمفكرين والكتّاب، والثانية تضم العلماء والمُنظِّرين، يجمعهم الفكر، وتختلف درجاته، كما تختلف موضوعات ومناهج كل منهم، والعلاقة بينهم تكاملية، وقد يشترك شخص ما في اتصافه بأكثر من صفة منها، كأن يكون مفكرا وعالما، أو فيلسوفا وعالما، وهكذا"، وفق تعبيره.
التعليقات (2)
أبو فهمي
الإثنين، 10-04-2023 07:12 ص
من يسمون أنفسهم بعلماء المسلمين أو المفكرين!!!!!!!!!!! هم عبارة عن أشخاص متفلسفين قنعوا أنفسهم بأنهم """" فهمانين """" ووجدوا حاضنة لهم - الصليبيين ومن تبعهم - لينشروا فلسفتهم على """" غثاء سيل """" وكل واحد فيهم يتبجح بمعرفته وخاصة لتطوير وتحديث وتمدن هذا الاسلام الرجعي منذ 14 قرنا ونيف ولذلك سيبقى """ غثاء السيل """ غثاء سيل ولو وضعوا العمامات على رؤوسهم الفارغة وحملوا شهادات """ الدكترة """ فغثاء السيل لا يريدون فلسفات لا يفهمةنها وانما يريدون من ينفذ لهم قرآنهم ليحيوا حياتهم الطبيعية وتكون لهم مكانتهم السايقة بين الأمم.
معقب لايحكم
الجمعة، 07-04-2023 03:12 م
ان لم تخن الذاكرة ، اذكر ان الدكتور عبد الكريم بكار قد تناول هذا "المصطلح" من سنين خلت، وله فيه كلام جميل، لو كنتم استظفتموه هنا او بحثم في افادته هاهنا واوردتموها للاثراء والاستفادة, ولما لا للمناقشة. وبارك الله في جهودكم!