تقارير

ماذا سيجني المسلمون من تجديد الصراعات حول مرحلة تاريخية انقضت؟

تتضارب الروايات والآراء والمواقف حول تلك الأحداث المفجعة التي جرت في بواكير التاريخ الإسلامي
تتضارب الروايات والآراء والمواقف حول تلك الأحداث المفجعة التي جرت في بواكير التاريخ الإسلامي
بعد الإعلان عن مسلسل تلفزيوني يتناول سيرة الصحابي معاوية بن أبي سفيان، بلغت كلفة إنتاجه 100 مليون دولار حسب ما أعلنته مواقع صحفية، ثار جدل صاخب حول شخصية معاوية، وعلى الفور تم استدعاء تلك الخلافات والصراعات التي اشتعلت في تاريخ الإسلام المبكر بين الصحابة.

تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي وقعت فيها أحداث مأساوية بين المسلمين، عُرفت فيما بعد بتاريخ الفتنة، اشتعلت شرارتها بمقتل أمير المؤمنين الثالث، عثمان بن عفان سنة 35 هـ، ثم توالت أحداثها الدامية في موقعة الجمل عام 36 هـ، بين علي بن أبي طالب من جهة وعائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام من جهة أخرى، ثم موقعة صفين عام 37هـ بين جيشي الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان، وجيش العراق بقيادة علي بن أبي طالب.

تتضارب الروايات والآراء والمواقف حول تلك الأحداث المفجعة في بواكير التاريخ الإسلامي، بين من ينتصر لمعاوية ويدافع عنه، ويبرر له ما قام به، وبين من ينتصر لعلي بن أبي طالب ويدافع عنه، ويرى أنه كان على الحق، وجمهور علماء المسلمين يرون الكف عن الخوض فيما شجر بين الصحابة من خلافات وقتال، واستحسنوا ما قاله عمر بن عبد العزيز حينما سئل عن ذلك: "تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أُحبُّ أن أخضّب لساني بها".

لكن تلك الأحداث المفجعة، والصراعات الدامية بتداعياتها المؤلمة، ما زالت حاضرة في واقع المسلمين، وأفضت إلى انقسامهم إلى فرقاء متخاصمين، وبين الفينة والأخرى يتجدد الجدل حولها، ومن آخر مشاهد ذلك وفصوله احتدام الجدل حول شخصية معاوية بن أبي سفيان بعد الإعلان عن مسلسل تلفزيوني يتناول حياته وسيرته سيبث في رمضان المقبل.

وفي مواجهة هذه السجالات الساخنة، والاتهامات المتبادلة كاستدعاء مصطلحات من قبيل (روافض ونواصب) والتي يستخدمها كل طرف في سياق الذم والقدح والانتقاص، ما الذي سيجنيه المسلمون على اختلاف توجهاتهم من إشعال هذا اللون من الصراعات حول مرحلة تاريخية انقضت؟ ولماذا لا يتجاوز المسلمون ذلك كله للانشغال بتحديات زمنهم الراهنة، ومواجهة أزمات واقعهم المستعصية ومشكلاته المعقدة؟

يتناقل علماء المسلمين في كتبهم موقف جمهور أهل السنة والجماعة في "الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة من خلاف، وعدم الخوض في ذلك"، وهذا "موقف عقدي عند بعض علماء المسلمين يستلزم ترك ما حصل بين صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام من الاختلاف والقتال، وضرورة ترك الكلام فيما بينهم مطلقا" حسب الداعية الأردني، الدكتور حمد الخوالدة.


                                                 حمد الخوالدة، داعية أردني

وأكد الخوالدة في حديثه لـ"عربي21" أن "الخوض في ذلك يزيد مساحات الشقاق بين أبناء الأمة الإسلامية، ويحرك دواعي الهوى، وتكون ثمرته المزيد من الهوان والذل، وانقسام المسلمين إلى فرق وشيع وأحزاب متناحرة، وهو ما يسعد الأعداء ويحملهم على استثمار ذلك لصالحهم، فلا ثمرة ترتجى من وراء ذلك".

وأرجع أسباب انشغال المسلمين بتلك الخلافات والصراعات في الوقت الراهن، وانقسامهم حولها، وتبادل الاتهامات بسببها، وعدم قدرتهم على تجاوزها إلى "ضيق الأفق والانسياق وراء روايات متضاربة، واستثمار جهات معينة لترسيخ المذهبية والطائفية كما يفعل الشيعة، على سبيل المثال، إضافة إلى أمراض وعقد نفسية، والانهماك بجدل أقرب ما يكون إلى الترف الفكري".

وفي ذات الإطار أكد الباحث الشرعي المغربي، يونس العدلاني أن "المنهج الأقوم والأمثل في التعامل مع اختلافات الصحابة رضي الله عنهم هو عدم الخوض فيما شجر بينهم رضي الله عنهم، والكف عن ذلك من طرف أهل العلم والدعوة، خاصة في دروس ومحاضرات الوعظ والإرشاد، لأن غالب حضورهما ممن ليس له أهلية نظرية أو حصانة فكرية تقيه أثر ذلك على فكره وعقيدته وأخلاقه".

وأردف: "وللأسف فإن بعض إخواننا من الدعاة يسقطون في خطأ إيراد ذلك في دروسهم مع العامة بل ويذكرون تفاصيل ذلك مما يفتن العامة من حيث أراد إصلاح عقيدتهم وتهذيب أخلاقهم" مضيفا: "ولا بد من تربية العامة على الترضي على الصحابة جميعا، وأن ذلك من مقتضيات الإيمان الصحيح، وأن القدح فيهم أو الكلام فيهم ليس من شأن المؤمن الصادق، وإذا سمع شيئا عن الصحابة أن يكله إلى العلماء العارفين به، ويتبع رأيهم وإرشادهم في ذلك".

وشدد العدلاني في حواره مع "عربي21" على ضرورة "تربية الشباب والعامة على أن محل خلافهم محل اجتهاد، وكل محل كذلك فطبيعته حدوث الخلاف والاختلاف، ولذلك اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، فمصيبهم له أجران ومخطئهم له أجر، لأنهم مجتهدون في ذلك، فكيف نوجب عليهم مصادفة الحق والصواب، والله لم يتعبدهم في ذلك إلا ببذل الوسع والطاقة في البحث عن الصواب" متسائلا : "ثم كيف نجيز الخلاف ونمنعه عنهم، أليس في ذلك تحكم وعدم موضوعية"؟ وفق قوله.


                                   يونس العدلاني، باحث مغربي في العلوم الشرعية

ونبَّه إلى أننا "حينما نربي الشباب والعامة على عدم الخوض في ذلك الخلاف بين الصحابة، فليس تعطيلا لعقولهم وتحجيرا لهم، أو خوفا من إظهار شيء ما نخاف منه، بل ذلك مقتضى المنهج المتبع في تلقين العلوم كافة، وهو إيراد القضايا وفق أعمار وأهلية المتلقين لذلك".

ولفت إلى أن "المسلمين الواعين بدورهم الحضاري والدعوي واعون كل الوعي بذلك، ولذلك تجدهم منشغلين بواجب الوقت معرضين عن كل ما يشوش عليه، لكن المتربصين لهم وللشريعة ساعون في بعث وإحياء كل ما من شأنه تعطيل عملهم أو تأخيره من خلال استغلال العامة، وجهلة المتفقهة وأصحاب الأطماع، واستنهاضهم لترديد مثل الخلافات الواقعة بين الصحابة التي لا تعد إلا شيئا بشريا طبيعيا شكل مرحلة من مراحل هذه الأمة، وتسخيرهم لنشر ذلك عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي".

وتابع: "وقصدهم الأكبر هو نزع صفة العدالة من الصحابة لإظهارهم في نظر الناس بمظهر عامة الناس، ومن ثم الطعن فيما كانوا يحملونه من الشريعة الإسلامية"، منوها بأنه "دعا إخوانه الدعاة غير ما مرة للعمل على تحصين الناس فكريا وعقديا، خاصة الشباب منهم، فهو السبيل الأمثل لحمايتهم من هذه الشبهات الخطيرة".

من جهته رأى الباحث في الفكر الإسلامي، والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أحمد جلاجل أن "أهمية البحث تنبع من أن أحداث الفتنة وتحديدا (من مقتل عثمان وحتى استلام يزيد) قد تسببت في انقسام العالم الإسلامي إلى سنة وشيعة، وهذا الانقسام تجاوز الخلاف المذهبي إلى خلاف سياسي نشأ عنه تعصب وعنف وتجييش طائفي نعاني منه حاليا في اليمن والعراق ولبنان وسوريا".


      أحمد جلاجل، باحث في الفكر الإسلامي وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي

وأضاف: "ويحول ذلك دون اجتماع الأمة، ويرسخ العداوة بين الناس، كما أنه ينغي الرجوع لفكرة عدم وجود عصمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كل من هم دون ذلك من الناس بشر، لهم أخطاؤهم، وأن فضائلهم محفوظة دون مبالغة وتقديس، وأرى بتقديري الشخصي وجود ما يتعارض مع روح الدين الإسلامي في تمييز آل البيت عن باقي الناس (على الرغم من كل ما ورد في فضائلهم).. بل هم بشر لهم وعليهم كسائر المسلمين" حسب رأيه.

وعن المنهج الأقوم في التعامل مع تلك المرحلة التاريخية بمقدماتها وأحداثها ومآلاتها، قال جلاجل لـ"عربي21": "من ضروريات البحث ابتداء تجريد جميع الأشخاص من القدسية، ثم فتح الكتب (التاريخية) لا كتب (الفضائل والمناقب)، ومقارنة الروايات الموجودة فيها لإخراج سردية موحدة يتم نشرها بين عموم المسلمين".

ولفت الانتباه إلى أن "جزءا من تحدياتنا الحالية ناشئ عن وجود جهات تستخدم الاختلافات التاريخية بين الصحابة لأهداف سياسية تبرر لنفسها احتلال عواصم عربية والسيطرة على شعوبها، فإيران تحتل دمشق بحجة حماية المراقد.. وتسيطر على شيعة العراق والبحرين ولبنان واليمن باختراع مفهوم المرجع والفقه والإمام الولي".

وختم حديثه بالتأكيد على أهمية "تقديم قصة تاريخية موحدة، وهو ما سيفيد الأمة من ناحية إغلاق هذه الأبواب التي يتسرب منها دعاة التقسيم، الذين لا يفتأون يصرخون (يا لثارات الحسين)، وكشف ضحالة ما يقفون عليه بتقديم رواية متوازنة لا تقدس أحدا من شخوص تلك المرحلة، ولا تجامل أي واحد منهم كائنا من كان".
التعليقات (2)
أبو فهمي
الإثنين، 13-03-2023 05:30 م
هذا موضوع هام جدا ويجب البحث فيه بحثا مكثفا لوضع حد نهائي لتلك الفترة من التاريخ الاسلامي التي أحدثت انشقاق """ رهيب """ بين المسلمين الذين تداعوا على اتباع من يرونه """ أهلا للخلافة """ كل من وجهة نظره ولا أحد يريد """ الخوض """ في هذا الموضوع الهام الذي """" شرخ """" المسلمين الى أهل السنة وأهل ابن سبأ. الاسلام واحد شاء من شاء وأبى من أبى والمصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ذكر قول الحق جل جلاله في خطبة الوداع """"""""" اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الاسلام دينا """"""""". فكل من يلحق فلانا أو علتانا أو علاك البان !!!!! هو خارج عن الدين فلا مذاهب في الدين ولا طائفية ولا غيرها ولكن!!!!!!!!!!!!!!!!!! أمر الله قائم على الجميع وكل شيء "" بأمره "" جل جلاله وما نحن الا """ ضيوف """ لوقت محدود في هذه الأرض التي سنعود لها.
عبدالحق صداح
الإثنين، 13-03-2023 05:23 م
رضي الله عن أمير المؤمنين معاوية وعن أبيه أبي سفيان وعن إبنه أمير المؤمنين يزيد رحمه الله . أرجو أن تستمعوا لما قاله الشيخ طه الدليمي والأستاذ صابر مشهور على اليوتوب .