قضايا وآراء

المعارضة التونسية وغرفة الانقلاب معركة الأشباح

بحري العرفاوي
فيسبوك
فيسبوك
هل هناك من السياسيين والمحللين ومن الحاكمين من يدعي أنه يمتلك رؤية واضحة للمشهد؟ هل هناك من يستطيع تقديم قراءة دقيقة وواضحة لما يحدث؟ هل هناك من يستطيع ذكر الأطراف والجهات المحركة للمشهد والمتدخلة في الساحة التونسية؟

بالتأكيد لا أحد من هؤلاء يمتلك معرفة بما يحدث، وكل طرف يستعمل التعمية ويلقي بالمسؤولية وبالتهم على جهات مجهولة مستعملا كلمات مكرورة ("أطراف"، "جهات"، "غرف")، إضافة إلى أحكام التخوين والاتهام بالفساد والعمالة وغيرها من الاتهامات المهلكة أخلاقيا وسياسيا.

القوى المعارضة وهي كثيرة وواسعة لا تعلم من يقف وراء "فكرة 25 جويلية 2021"، ولا تعرف ما الذي تخطط له "غرفة الانقلاب" ولا من يُعد التهم ويضبط قائمة المستهدفين من المعارضة.

نحن في وضع مبهم وغير معلوم الأعطاب، وهذا يجعل المعالجة صعبة بل مستحيلة، وهو وضع يسمح بالاختراقات وبشيوع الإشاعة واستشراء الكذب والادعاء والتهويل والتزييف والتحريض، وكلها عوامل تنخر جسم المجتمع ومعمار الدولة، وتنخر قبل ذلك ذوات الأفراد تسلبهم الأمان والأمل وتصيبهم باليأس والقلق والخوف

قيس سعيد نفسه باعتباره الجهة الرسمية الوحيدة المتكلمة باسم 25 تموز/ يوليو، لا يقدم خطابا فيه خارطة طريق ومعطيات وأرقام وأسماء، إنما يخبط خبط مقاتل في ظلمة؛ يلقي بسهامه حيث يستشعر حركة مريبة دون رؤية أجسام ولا تحديد مصدر الحركة ولا معرفة جهة الفعل، ولا التأكد من غايات "المتآمرين" و"المتسللين" و"العملاء الخونة".

نحن في وضع مبهم وغير معلوم الأعطاب، وهذا يجعل المعالجة صعبة بل مستحيلة، وهو وضع يسمح بالاختراقات وبشيوع الإشاعة واستشراء الكذب والادعاء والتهويل والتزييف والتحريض، وكلها عوامل تنخر جسم المجتمع ومعمار الدولة، وتنخر قبل ذلك ذوات الأفراد تسلبهم الأمان والأمل وتصيبهم باليأس والقلق والخوف.

من يعمل على منع حوار بين التونسيين؟ من يجد مصلحته في تنافر التونسيين واستمرار عراكهم وتنابزهم؟ من يريد للتونسيين أن يكونوا بلا سيادة ولا وطن ولا دولة ولا شعب؟

في عالم السياسة لا أحد نبي مرسل، ولا أحد يمتلك الحق والحقيقة، ولا أحد يمتلك شهادة ملكية فردية في وطن له تاريخ وجغرافيا وثقافة وحضارة.

من يمتلك اليوم كلمة السر حول الحوار الوطني هو رئيس الدولة، ولكن مع الأسف من يرفض هذا الحوار ويرد بعنف على كل مبادرة هو هذا الرئيس نفسه، وهو ما يجعله في موضع اتهام بالتسلط وبالدكتاتورية، بل ويوصَم بكونه خطرا جاثما قائما داهما يهدد السلم الأهلي بخطاب التحريض والتجريح والتخوين والترذيل.

لن ينجح قيس سعيد لا في محاربة الفساد ولا في تحقيق الرفاه ولا في ضمان استقرار حكمه، لكون الدول لا تدار بالعنجهية والعجرفة ولكون الإصلاح لا يتم بالظلم ولكون الرفاه والتنمية لا يتحققان بإشاعة الخوف والريبة، ولن ينجح معارضوه في استنقاذ البلاد والعباد طالما هم يكررون أنفسهم ويدورون حول نفس البئر المعطلة

محاولات قوى معارضة إيجاد مشروع أدنى لخلاص وطني إنما كانت ملاذا أخيرا بعد يأس من إصغاء قيس سعيد لأي وجهة نظر مخالفة، أيضا بعد هيمنة شكوك بكون البلاد يتم اختطافها، وأن على أي وطني محاولة فعل شيء ما مهما كانت العواقب.

لقد كانت العواقب سيئة على أمن عائلات وسلامة رموز سياسية، وعلى إعلاميين وقضاة وقفوا بوجه جرافة تتقدم بدون أضواء تحصد كل جسم "يقف" على الأرض يقاوم الانحناء.

ليس في الأمر عاطفة ولا مشتهيات سياسية، إنما هي حتميات التاريخ وعلاقاتُ سببية بين المقدمات والمآلات، لن ينجح قيس سعيد لا في محاربة الفساد ولا في تحقيق الرفاه ولا في ضمان استقرار حكمه، لكون الدول لا تدار بالعنجهية والعجرفة ولكون الإصلاح لا يتم بالظلم ولكون الرفاه والتنمية لا يتحققان بإشاعة الخوف والريبة، ولن ينجح معارضوه في استنقاذ البلاد والعباد طالما هم يكررون أنفسهم ويدورون حول نفس البئر المعطلة.

هل ثمة أمل في استنقاذ البلاد؟ هل تنجو بلادنا من مخططات أعداء حقيقيين لا يستهدفوننا لوحدنا؛ إنما يستهدفون المغرب العربي وأفريقيا بعد بسط هيمنتهم على الخليج وإغراق دول حاولت الاستعصاء في الفوضى (العراق وليبيا وسوريا والسودان واليمن ولبنان)؟

يمكننا توقع مزيد من التوغل في العبث والتفاهة تزامنا مع مزيد من البؤس الاجتماعي، ومزيد من ارتفاع منسوب الحقد والكراهية مع تدهور أخلاقي في عوالم السياسة والإعلام والثقافة وفي الشارع

الإجابة ليست في متناول أي متابع، إنما يمكننا توقع مزيد من التوغل في العبث والتفاهة تزامنا مع مزيد من البؤس الاجتماعي، ومزيد من ارتفاع منسوب الحقد والكراهية مع تدهور أخلاقي في عوالم السياسة والإعلام والثقافة وفي الشارع.

هل هو يأس؟ لا، قطعا لا، لقد ظللنا متفائلين دائما، ولكننا لم نمارس الغش ولم نروّج الوهم ولم نساهم في إشاعة الكراهية والحقد وسوء الأدب، ولم ننخرط في طائفية ولا جهوية، ولم نبخل بنصيحة أو تنبيه سواء أمام العموم أو في اتصالات مباشرة بشخصيات فاعلة ومؤثرة، ولكن مع الأسف تيار الأوحال عنيف وجارف وبلا عقل ولا عاطفة.

سنظل نراهن على استفاقة "الإنسان" النائم في هذا الركام البشري، ستكون استفاقته "دامية".

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)