تقارير

نشر الكتاب إلكترونيا.. كيف انعكس على تسويق الكتاب الورقي؟

شيوع الكتب الإلكترونية أثر سلبيا على سوق الكتب الورقية (الأناضول)
شيوع الكتب الإلكترونية أثر سلبيا على سوق الكتب الورقية (الأناضول)
مع ثورة الاتصالات الهائلة، واقتحام الانترنت سائر مناحي حياة الناس، ومنها عالم القراءة والثقافة والفكر، بات الحصول على كثير من الكتب المطبوعة بصيغة الـ (PDF) أمرا سهلا وميسورا بتحميلها مجانا عبر عشرات المواقع العربية والأجنبية في مختلف حقول المعرفة والعلوم والفكر والأدب.

ووفقا لمراقبين فإن النشر الإلكتروني للكتاب يُعد نقلة نوعية هامة في عالم الثقافة والفكر والقراءة، إذ أحدث أنماطا جديدة في تداول الكتاب ونشره وتسويقه، وأزال كثيرا من معوقات الحصول على الكتاب، كارتفاع أسعاره، وعدم توفره في أسواق بعض الدول العربية، وبالجملة سهل سبل الوصول إلى العلم والمعرفة لكل راغب فيها.

ويُشار في هذا السياق إلى أن متاجر إلكترونية لبيع الكتب العربية، كموقع نيل وفرات، تتيح شراء الكتب الإلكترونية من خلال برنامج iKitab، ونظرا لتنامي انتشار الكتاب الإلكتروني عبر المواقع المتخصصة عربيا وعالميا، فإن ذلك يعني توجه العديد من دور النشر والتوزيع لتوسيع دائرة اهتمامها بالنشر الإلكتروني، تلبية لطلبات الراغبين بذلك النوع من الخدمة.

لكن على أهمية ذلك كله فإن للقضية جوانب أخرى، تتعلق بالجهات والمؤسسات والقطاعات المرتبطة بتجارة الكتاب الورقي، بما يشكله نشر الكتاب إلكترونيا لها من تحديات حقيقية تتمثل في استمرارية وجودها، وقدرتها على مواكبة تلك التطورات والتحولات، ما يثير التساؤل عن مدى تأثير ذلك على تجارتها في الكتاب الورقي، وهل باتت تلك التجارة مهددة بالاندثار أم أنها ما زالت قائمة، مع تأثرها إلى حد كبير بالمنافس الجديد؟

من جهته لفت مدير وصاحب دار الفتح للدراسات والنشر، الدكتور إياد الغوج إلى أن "نشر الكتب بصيغة الـ PDF قد أضر في بعض جوانبه بمبيعات الكتاب الورقي، لكن هذا الضرر لم يبلغ حدا تكون معه تجارة الكتب خاسرة، أو أنها في طريقها إلى التوقف، فالكتاب ما زال يُطبع ويوزع، وما زال يُطلب ويُباع".


                                         إياد الغوج، مدير وصاحب دار الفتح للدراسات والنشر

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكن هذه الإشكالات المتعلقة باحترام حقوق الملكية الفكرية تؤثر بنسبة ما على تجارة الكتاب الورقي، لكن ليس بالدرجة التي تهوي معها تجارة الكتب" مؤكدا "بقاء طباعة الكتاب الورقي، وبقاء أسواقه والتجارة به، ولا خوف عليها مع وجود النشر الإلكتروني".

وعن مدى توجه دور النشر والتوزيع لتوفير الكتاب بصيغة الـ PDF لمن يرغب في ذلك، قال الغوج: "يمكن أن يدفعهم ذلك إلى توفير الكتاب إلكترونيا للوصول إلى المناطق النائية التي يصعب الشحن إليها، لكنه لن يكون بديلا عن الكتاب الورقي البتة، لأنه سيستمر وجوده بإذن الله تعالى".

وفي ذات الإطار رأى محمد بسام، أحد العاملين في قطاع تسويق كتب المناهج الدراسية، والكتب المخصصة للأطفال أن نشر الكتاب إلكترونيا بصيغة الـ PDF لم يؤثر كثيرا على مبيعات الكتب الدراسية المنهجية، وكتب الأطفال، وإن كان له تأثير على مبيعات الكتب في الحقول المعرفية الأخرى، كالفكر والسياسة والدين والأدب.


                             محمد بسام، أحد العاملين في تسويق كتب المناهج الدراسية

وأردف لـ"عربي21": "وكما أن للنشر الإلكتروني للكتاب سلبيات، من حيث تقليل مبيعات الكتاب الورقي في كثير من الحقول المعرفية، فإن له إيجابيات كذلك، وهو ما يدفع دور النشر والتوزيع، والعاملين في هذا القطاع للاستثمار فيه، وهي بهذا تجني عائدات مجزية، لأنها تقلل من تكاليف الكتاب، المخصصة للطباعة الورقية، وباقي حلقات التوزيع التقليدية، وتصل إلى دوائر أوسع في التوزيع والنشر".

بدوره قال الشاعر والروائي الأردني، الدكتور أيمن العتوم: "في الحقيقة إن أكثر نظرة متفائلة إلى الكتاب الورقي تقول إنه لن يصمد أكثر من بضعة عقود، وأن النسخة الضوئية أو المرئية الإلكترونية ستحل محله، تماما كما حلّ كل جيل من الهواتف محل الجيل الذي سبقه..".

وواصل: "إنني في حيرة، عشرات الآلاف من الأوراق التي كتبتها أو حبّرتُها، وحجزت جدارا كاملا في مكتبتي، سوف ينتهي بها الأمر إلى أن توضع على (فلاشة) لا وزن لها"؟! مضيفا: "وليكن، هذا يحدث دائما، البشرية في تطور، فإن أهم نقطة في النجاح في النشر أو غيره هو تقبل التغيير والإفادة منه".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "إن البشر لن يتغيروا، أعني لن يصبحوا ذوي بشرة زرقاء، ولن تكون قاماتهم أطول من أطول الأشجار في الغابات، ولن يعيش الواحد منهم مليون سنة، والعقل الذي مُنح لهم، لا حدود لما يفكر به، ولكنه لن يخرج عن المحيط الذي وضعه الخالق فيه.. فإذا أراد أن يقرأ، فالمعول عليه القراءة لا الوسيلة، وإذا عزم على القراءة فالمعول عليه الكتاب، لا الصورة التي ظهر عليها الكتاب".


                                         أيمن العتوم.. شاعر وروائي أردني

وطبقا للروائي العتوم "فإن الأمر لم يتغير كثيرا، بل لم يتغير البتة، إن على الإنسان في النهاية أن يقرأ، والقراءة لا تكون إلا من كتاب، لكن وسيلة الكتاب تختلف، وصورة الكتاب كذلك تختلف، أما الذي لن يختلف أبدا، فهو أن حضاراته وتقدمه وتطور وسائله لن يكون إلا عبر هذين الممرين الحتميين، وهما: القراءة والكتاب".

وعن تجربته الشخصية في عالم الكتابة والنشر، ذكر الشاعر والروائي العتوم أنه "واحد من الذين عاشوا في الكتب وبين الكتب ومن أجل الكتب لأكثر من أربعين عاما، ولم أشهد خلال هذه العقود الأربعة في تحول الكتاب إلى النسخة الضوئية مثلما شهدته في العامين الأخيرين منها".

وأردف: "ولا أريد مثلي مثل محبي القديم أن يختفي الكتاب الورقي، وأجاهد مع كثيرين آخرين كي يُناضل الورقي ويبقى على قيد الحياة، ولكنني في المقابل لن أجلس باكيا إذا انتهت حقبته، ومضى إلى وديان الأحافير التاريخية، سأتكيف مع الوضع الجديد، وأبحث عن أفضل السبل لاستثمارها والإفادة منها".

من جانبه وصف الباحث السوري، المهتم بالكتاب قراءة ومراجعة وتقويما، أسامة باكير "ظاهرة الكتب المصورة بالثورة الحقيقية في الساحة العلمية العامة؛ فقد غيّرت العالم كله تغييرا جذريا بغير مبالغة، فلم تكن ظاهرة عادية ليمر عليها مرور الكرام، بل لا بد للباحثين من الوقوف عليها وإذاعة محاسنها لتنبيه الناس إليها ليدركوا أي نعمة أنعم الله بها عليهم".

وأضاف: "فمن تلك المحاسن: أولا: سهولة تحصيل العلم والمعرفة، ثانيا: تشجيع القراءة وتذليل مصاعب التعلم في المجتمع، ثالثا: توفير المال والرفق بحال الطلبة، رابعا: كسر احتكار أسباب العلم والمعرفة، خامسا: الرقي العلمي المعرفي بالمجتمع، سادسا: فضح الكهنوت الديني والثقافي.. بناء جسور التواصل العلمي والمعرفي والثقافي بين الشعوب وردم الهوة بينهم".


                                                        أسامة باكير، باحث سوري

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولا شك أن لظاهرة شيوع الكتب الإلكترونية أثرا سلبيا على سوق الكتب الورقية، وعلى الوراقين ومهنتهم، لكن لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة التطور البشري العام التي ما تزال تغير كثيرا من معالم عالمنا وما استقر فيه لقرون، إذ إن كثيرا من المهن والأشغال التي كانت شائعة في المجتمعات قد اندثرت أو تغيرت أو فقدت أهميتها ومكانتها لعدم الحاجة إليها، وإمكانية الاستغناء عنها بما هو أفضل وأيسر وأقل تكلفة وعناء، وهذا أمر طبيعي..".

وعن تأثير نشر الكتاب إلكترونيا على سوق الكتب الورقية، لفت باكير إلى أنه "لم يتأثر تأثرا بالغا بذلك كما تأثرت أسواق أخرى كثيرة بما نافسها وضيق عليها من منتوجات هذا العصر، ولم تتضرر مهنة الوراقين كالضرر الذي أصاب غيرها، فما تزال مسألة الكتب المصورة غير شائعة بما يكفي لإقناع الناس بالتخلي عن الكتب الورقية، ولا مستقرة في الوسط الثقافي".

وختم حديثه بالإشارة إلى أن "المقارنات ما زالت قائمة بين محاسن ومساوئ الورقي والإلكتروني، وما يزال كثير من الناس يفضلون الكتب الورقية على ما سواها، وهذا أمر يختلف باختلاف الطبائع والأذواق والعادات ووجهات النظر وغير ذلك؛ وقد قامت الحكومات بسن ما يلزم من قوانين لفض الاشتباك بين الورقي والإلكتروني وأسواقهما؛ وما أراه أن سوق الكتاب الورقي مستمر في الانكماش والخسارة أمام منافسه الإلكتروني، وما المسألة إلا مسألة وقت". 
التعليقات (0)