قضايا وآراء

مصر المتعبة بين أنصار الجنرال ومعارضيه

محمد ثابت
يواجه المعتقلون خطر الموت في السجون المصرية- جيتي
يواجه المعتقلون خطر الموت في السجون المصرية- جيتي
توشك أن تهبّ علينا أنفاس الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير بين ركام واقع مؤسف يتمنى مئات الآلاف من المضارين منه لو كان كابوسا يستطيعون الإفاقة منه، ولعل أصعب ما فيه أنه منفتح المدى الزمني على غيب عجزَ البشر عن مجرد تلمسه، فضلا عن رضى معيب مقيت بحالة حكم الجنرال؛ لا من أتباعه فحسب، لكن من أناس مصريين كان من المفترض أن يكونوا مقاوميه سلميا.

تهب أنفاس محاولة ثورة تعبت في الصبا فلم تجد علاجا على يد أنصارها قبل أعدائها لما تقاتلوا على المغانم، تركوها وحيدة شريدة بحسب الراحل الشاعر أمل دنقل عن زرقاء اليمامة، خرجوا جميعا كمقاومين من معطف نظام حسني مبارك الانتهازي الفاسد، أزاحوه، تخيلوا أن الأيام دانت لهم، وما هدمه الرئيس الأخير من مصر على مدار 30 عاما، وما فعلته بها أحداث يوليو 1952م أي منذ قرابة 60 عاما، وما جاء به الألباني محمد علي في 1805م أي منذ أكثر من 200 عام، سوف يلغونه بجرة حماس أو قلم!
رأى أبناء الوطن الواحد أنهم مختلفون بما فيه الكفاية لكي لا يحتوي بعضهم بعضا، تناثرت الكلمات وبقيت المواجهات والصدام.. استصعب الذين وصلوا لسدة الحكم أن يتم العصف بهم، رأى الآخرون أن الفرصة سانحة ليضعوا أقدامهم على رأس الوطن بعد النيل من الديمقراطية الوليدة. دخلت الدبابة على الخط، حيّدت البعض، عصفت بالآخرين، أدركوا وبعد عقد كامل من الزمان أنهم أُكِلا معا

لكن الذين تربوا على يد الدولة العميقة منذ محمد علي، والذين أُبعد المنطق -بدرجات- من أذهانهم بواسطة حكم العسكريين، فتعلموا الاتكالية والفوضى والرغبة في الحياة تحت أي ظروف وملابسات من عهد مبارك، ولو أهدروا الكرامة والمكانة والإنسانية، لكن هؤلاء جميعا وإن تسموا بمعارضين، وأدى ما سبق إلى عدم تدقيقهم بالاسم أو المسمى بعد أن صاروا ثوريين وانتهى الأمر، ظنوا بعد قليل أن الثمرة نضجت وأن حكم البلاد يناديهم.. ربما أبصر الحقيقة البعض القليل منهم وسط هدير مئات الآلاف الجامح، أسرع بعضهم فهادن العسكريين الذين أدمنوا خيانة الراغبين في التحالف معهم، فوقع في الفخ جانب القوى الوطنية في نهاية 2011م وبداية 2012م، وأخيرة قرب منتصف العام التالي. لم تصبح الإشكالية مع مرور الأيام والليالي في المؤسسة المستولية على السلطة التي لم ترد تركها لجمال مبارك؛ فانقلبت على أبيه، ومهدت للانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي -رحمه الله- بل بدأت الفتنة الأكبر تطل برأسها!

رأى أبناء الوطن الواحد أنهم مختلفون بما فيه الكفاية لكي لا يحتوي بعضهم بعضا، تناثرت الكلمات وبقيت المواجهات والصدام.. استصعب الذين وصلوا لسدة الحكم أن يتم العصف بهم، رأى الآخرون أن الفرصة سانحة ليضعوا أقدامهم على رأس الوطن بعد النيل من الديمقراطية الوليدة.

دخلت الدبابة على الخط، حيّدت البعض، عصفت بالآخرين، أدركوا وبعد عقد كامل من الزمان أنهم أُكِلا معا، فهموا معضلة البيضة والدجاجة والثور الأبيض والأسود بعد فوات الأوان.. أكل الذئب الثورين معا لما باع الأول الأخير والفارق مدة زمنية لم تسمن أو تغني من جوع.

تبدأ الخيانة من حيث تنتشر المهانة ونقبلها للآخرين، ولا أزمة بين البيضة والدجاجة، كلاهما خُلِقَ معا؛ كلاهما يتلاشى لما يقبل على الآخر المهانة، يضعه الجنرال في قعر جلباب الظلم ويغلقه عليه، يدعه يغمض عينيه حتى يفرغ من ذبح الأول ثم يخرجه بلطف ليتحسس مكانه ومكانته تمهيدا لإطلاق النيران عليه -هو الآخر- أو تركه يفر هاربا للخارج، فإن كان صاحب عقل ومهابة لا تقبل بغيرهما أوصى به للسجن، وبالطبع هناك فروق فردية واستنتاجات تخيب بين الدرجات الثلاث لكنها تبقى محصورة بحيز مخنوق.
تواجه مصر مخاطر أخرى، فشل على مستويات شتى في معالجة الأزمات، تردي البنية التحتية لحساب بناء كباري غير معروفة الأهداف، تكرر الاعتداء على الأحياء ومقابر الأموات بلا هدف منطقي سوى ترويع الجميع وإخافتهم

هل حدث من قبل أن تعرضت مصر لكل هذا الحد من المخاطر؟ تضاعف حجم ديونها الخارجية من 46.1 مليار دولار في 2014م لما تولاها الجنرال إلى نحو 155.7 مليار دولار، صارت عاجزة عن أداء فوائد الدين فحسب، فما بالها بالأصول! ومشاركتها بحرب الخليج الأولى 1991م لتسقط جزءا من هذه الديون لتتضاعف بعدها أكثر من ثلاثة أضعاف في مدى ثماني سنوات؛ وتستدين مجددا لسداد فوائد الديون.. يتلاعب صندوق النقد الدولي بها، يغرق المواطن البسيط الممثل لغالبيه الشعب في همّ توفير الوجبات الضرورية.

تهدد إثيوبيا بمنع جزء كبير من مياه النيل خلال فترة وجيزة فلا تتحرك الجيوش وتستكين لأحلام ببدائل غير موجودة أصلا.. تواجه مصر مخاطر أخرى، فشل على مستويات شتى في معالجة الأزمات، تردي البنية التحتية لحساب بناء كباري غير معروفة الأهداف، تكرر الاعتداء على الأحياء ومقابر الأموات بلا هدف منطقي سوى ترويع الجميع وإخافتهم.

وعلى الجانب الآخر هناك المقاومون السلميون الذين لا يجب أن يستسلموا للقب المعارضة؛ لأن الأخيرة تساوي أن أصحابها جزء من النظام لكنهم يريدون السيطرة عليه. ينطوي السلميون على أنفسهم، يتوافق أغلبهم مع أنهم فعلوا كل ما يمكنهم الفعل، بقي أن تحدث معجزة سماوية تعيدهم لأرضهم وبلادهم، يخرجون رفاقهم من السجون والمنافي، لم يعودوا يهتمون بمجرد معرفة عدد الذين يلاقون ربهم في السجون والمعتقلات حتى ليتوفى منهم ثلاثة في حيز زمني بسيط في أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يتجاوز إجمالي المتوفين في الأسر ألفا منذ تموز/ يوليو 2013م، لكن هل هناك سجل واحد بهم؟ هل هناك عدد للمأسورين خلف الأسوار؟ هل هناك إجابة عن تساؤلات مريرة عن كيفية إنفاق أبنائهم وزوجاتهم وآبائهم وأمهاتهم؟ ماذا عن الذين لقوا الله.. كيف يعيش أهلهم؟
إن "ألف باء مقاومة سلمية" إدراك لعظم الدور والمسئولية، وإنكار الذات لأجل أن يسعد الآخرون ويتعافوا، ووضع مخطط للانتقال من مرحلة لأخرى، ووقف التصرفات التي تصب في مصلحة النظام الغاشم، والبحث عن الحلول التكتيكية المرحلية وصولا للاستراتيجية النهائية

إن "ألف باء مقاومة سلمية" إدراك لعظم الدور والمسئولية، وإنكار الذات لأجل أن يسعد الآخرون ويتعافوا، ووضع مخطط للانتقال من مرحلة لأخرى، ووقف التصرفات التي تصب في مصلحة النظام الغاشم، والبحث عن الحلول التكتيكية المرحلية وصولا للاستراتيجية النهائية.

ترى هل جاءت على مصر فترة عظمت فيها التحديات، حتى أن النيل الذي كان الفراعنة يكتبون على مقياسه وأن يتحرك كل عساكر الحاكم إن تعرض ماؤه للنقصان؛ صار يُهدَد اليوم فلا يرمش للنظام جفن، ويواصل ذبح أخلص رجال الوطن، فيما يقف مقاوموه السلميين محتفظين بأهمية أبجدية بقاء مصالحهم الخاصة آمنة، ولا يستنكرون أحيانا استهداف بعض منهم للذين يحاولون إفاقتهم. وصدقت الطرفة القائلة رغم قتامتها بأن سائرا في الصحراء بليل أمسك البعض به، سألوه عن هويته: أهو معهم أم مع الآخرين؟ أجاب بفطنة: بل معكم! كادوا يقتلونه ضربا، فلما سألهم عن السبب قالوا بخيلاء: لأننا الآخرون!
التعليقات (1)
القاعدون
الثلاثاء، 03-01-2023 05:08 م
هؤلاء و كأنهم يريدون إضافة كلمة "السلمية" لأركان الإسلام فتصبح ستة بدل خمسة، كلمة حق أريد بها باطل ما أتى بها الله و لا رسوله صلى الله عليه وسلم، هل نحن أفضل من المصطفى (ص) في ثورته و الله لو إستعملها لوحدها ما خرج دين الإسلام من بقاع مكة