مقابلات

ناشط تونسي لـ"عربي21": أدعو لثورة جديدة تنسف واقعنا المزري (شاهد)

.
.
دعا الناشط التونسي، وديع الجلاصي، والذي نال شهرة واسعة حينما أطلق طائرا من قفصه إبان اندلاع الثورة التونسية عام 2011، إلى انطلاق ثورة جديدة في بلاده من أجل "نسف الواقع المزري للغاية الذي نعيشه"، وقال: "نريد ثورة وعي حقيقية تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتحيي الأمل في نفوسنا من جديد، وتضعنا على الطريق الصحيح".

وأكد الجلاصي، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، أن "النظام الذي يحكم تونس الآن جعل الوضع بائسا للغاية أكثر مما كان عليه أيام النظام السابق؛ فالأوضاع من سيئ إلى أسوأ، بكل أسف لم تتحقق مطالب الثورة، وصُدمنا بالواقع الراهن، وكأني كنت في حلم جميل ثم استيقظت على كابوس".

والجلاصي هو صاحب القفص الذي فُتح يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011 لتطير منه حمامة ترمز للحرية المفقودة في بلاده، وذلك في إشارة إلى تحرر تونس آنذاك من نظام زين العابدين بن علي الديكتاتوري.

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف ترى المشهد في تونس اليوم بعد إجراء الانتخابات؟

المشهد بعد الانتخابات في تونس لا يَسُر، ولم يختلف كثيرا عما كان عليه قبل الانتخابات، بل للأسف الأوضاع من سيء إلى أسوأ ومن أسوأ إلى أكثر بؤسا.

ما أبرز النقاط السلبية التي تسجلها على المشهد في تونس؟

النقاط السلبية كثيرة، لعل أبرزها ما كنّا ننتظره من المسؤولين أن يعملوا على تحقيق المطالب المهمة التي رُفعت في ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وبالرغم من تحركات السياسيين، وتعاقُب الحكومات إلا أن المطالب والشعارات والطموح والأحلام التي حلمنا بها في 2011 لم تتحقق إلى الآن.

كيف ترى ما آلت إليه الثورة التونسية اليوم بعد مرور نحو 12 عاما على اندلاعها؟

الحال يزداد تدهورا يوما بعد يوم، ومطالب الثورة لم يتحقق منها مطلب واحد، حتى في مجال الحريات؛ فالحرية التي اكتسبناها بالثورة لم تعد موجودة الآن، لأن الحريات لا تعني الخروج للشارع للتعبير فقط، وإنما أن يجد الإنسان لقمة العيش الجيدة، وأن يجد العمل المناسب. الحرية تعني مواجهة المشاكل الحياتية مثل مشكلة البطالة، وغيرها من المشاكل والأزمات المتفاقمة، وتعني فتح ملف الوعود التي وُعد بها الشعب التونسي، وضرورة العمل على تحقيق تلك الوعود.

ما أبرز الأخطاء التي وقعت فيها الثورة التونسية برأيك؟

أيام الثورة كانت مثل "يوم عُرس"؛ فالجميع يد واحدة، وطرحنا أفكارا جيدة، وكان الجميع يأمل بغد أفضل، وأن كل أمنياتنا ستتحقق، لكن في اليوم التالي ليوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011 ظهرت شخصيات وأطراف سياسية –وحتى من خارج تونس– استطاعوا "الركوب على الثورة التونسية"، وزعموا أنهم شاركوا في الثورة، وأنهم مناضلو الثورة الحقيقين، وكانت لهم تحركاتهم السياسية حتى قبل يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر.

وبعد نجاح الثورة وفرحتنا بقرب تحقيق المطالب صُدمنا بالواقع فيما بعد، ولم تتحقق المطالب، وكأني كنت في حلم جميل ثم استيقظت على كابوس.

هل تعتقد أن نظام "بن علي" انتهى أم إنه ما زال قائما إلى الآن؟

نظام بن علي انتهى بالتأكيد، لكن النظام الذي يحكم تونس الآن جعل الوضع "مزريا للغاية" أكثر مما كان عليه أيام النظام السابق؛ فالشعب التونسي "جاع أكثر"، فتلاحظ الزيادات الكبيرة في أسعار المعيشة، والقطاع الخاص لا يعطي حقوق العاملين فيه. فالأوضاع تزداد تدهورا ملموسا عما كانت عليه في السابق.

كيف تقارن بين نظام بن علي ونظام قيس سعيّد اليوم؟

بعض الرؤساء يعملون من أجل الوطن، والبعض يعمل من أجل الحفاظ على "كرسي الرئاسة". "بن علي" عمل من أجل ثلاثة أشياء: من أجل "الكرسي"، ومن أجل النظام، ومن أجل عائلته، والتي كانت أهم عنده من الشعب التونسي ومن تونس، ثم جاء بعده عدد من الرؤساء كانوا يعملون من أجل "الكرسي" ومن أجل مصالحهم الشخصية، ثم جاء قيس سعيّد الذي اختاره الشعب التونسي بإرادته، وبانتخابات نزيهة، وهو ابن حي شعبي من وسط تونس، ويعرف ما يدور داخل الأحياء الشعبية، كما أنه لم يكوّن ثروة، ولم يتلقِ رشوة، وغير مشارك في أحزاب.

اظهار أخبار متعلقة


نظام قيس سعيّد اختاره الشعب التونسي، والشباب التونسي مقتنع به، لكن المشكلة فيمن هم في الحكومة، الذين نعتبرهم "سرقوا" الشعب التونسي –مع احترامي للجميع– هم مَن يريدون ألا يؤدي سعيّد مهام عمله، ولا يريدونه أن يكون مع شعبه، ولا يرحبون بالقوانين التي أصدرها، ويصفونه بالديكتاتور، وأنه سيُعيد نظام "بن علي" مرة أخرى، بل أسوأ منه.

وقد أرسلنا رسائل لقيس سعيّد قبل الانتخابات، وبعدها، تفيد بأننا واعون تماما لأي خطأ أو تجاوز، وحتما سنقف له بالمرصاد.

هل أنت نادم على المشاركة في الثورة؟

لست بنادم على المشاركة في الثورة؛ فهل من المعقول أن يذهب جيشٌ للحرب ويعود منتصرا ثم يندم على تلك الحرب، بل على العكس، نحن كسبنا الحرب، وخرجنا ببعض المكتسبات من الثورة والحمد لله، وما زلنا نناضل من أجل المزيد والمزيد.

السياسة مثل البحر العميق جدا، ويتحتم علينا النضال دوما، وهذه أرض أجدادنا، التي سالت عليها دماء شهدائنا، ولن نتركها للعدو أبدا، وهذا لا يمنعنا من التصدي لقيس سعيّد حتى يعمل على تحسين البلاد كرئيس دولة، ويهتم بالطبقات الفقيرة، وعلى الأطراف الأخرى أن تتركه يعمل حتى نستطيع محاسبته بعد ذلك.

كيف يمكن إنقاذ الثورة واستعادتها برأيكم؟

في البداية علينا أن نترحم على شبابنا الذين ماتوا في البحر أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية، خاصة من أهالي جرجيس وغيرها من الولايات في تونس.

وعندما يشاهد السياسيون في وسائل الإعلام، ويروا كيف تحترق قلوب الأمهات على أبنائهم الذين يحاولون السعي من أجل لقمة العيش خارج بلاده، ويعرض نفسه للموت -وبالطبع نحن لا نشجع هذه الهجرات- فعلى السياسيين في هذه المرحلة أن يكونوا لُحمة واحدة، ويد واحدة معا، وأن يعملوا على تحسين أوضاع بلادهم، وعلى كل الأطراف الحزبية في البلاد أن تتوحد كما كنّا في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، حتى نواجه الأزمات الحالية وخاصة في المجال الاقتصادي.

الأوضاع الاقتصادية الحالية لا ترضي أحدا، ومعظم السلع الغذائية أصبحت مفقودة؛ فترى رب الأسرة يذهب لشراء زجاجة لبن لأبنائه فلا يجدها، يذهب ليشتري بيضا لا يجده، وكذلك السكر وغيره من السلع الأخرى، حتى أبسط السلع أصبحت مفقودة، بالإضافة لزيادة أسعار كل السلع تقريبا، حتى الرواتب الشهرية للعاملين في القطاع الخاص لا تصل لأصحابها؛ فقد أصبح الوضع الاقتصادي مزري جدا وينذر بتداعيات خطيرة.

هل فقدت الأمل تماما في تحسن الأوضاع؟

الوضع الذي نعيش فيه الآن يجعلك تفقد أملك، ومعظم التونسيين لديهم نفس الشعور؛ فهناك موقف أتعرض له كثيرا عندما يقابلني شخص لأول مرة ويعرف أني "وديع الجلاصي"، وأني من نشطاء الثورة؛ فيقول مستنكرا: "ماذا كسبنا من الثورة، فلتذهب أنت وثورتك إلى...".

ثورة تونس من أحسن الثورات العربية، وأعداء الثورة يريدون أن يحطموا الثورة في نفوس التونسيين؛ حتى تظل سيرة الثورة غير طيبة، ثم زراعة فكرة كراهية الثورة في النفوس، بل وزراعة كراهيتها في عقول الشباب والأطفال الصغار، كنوع من غسل الأدمغة للجميع.

أضف إلى ذلك انتشار ظواهر خطيرة في المجتمع، نسمع عنها يوميا في الأخبار، كانتشار المخدرات، وحمل السلاح، وكأنه أمر مقصود لتغييب الشباب عن الواقع السياسي، لكن الحمد لله هناك شباب واعٍ، ولا يخاف الرصاص، وسيتصدى بصدور عارية لأي خطر.

متى سيطلق وديع الجلاصي طائرا جديدا من قفص الحرية؟

الرئيس قيس سعيّد قال ذات يوم: "ذلك الفتي الذي أخرج العصفور من القفص لن يعود إليه ولو به الفتات (بقايا الطعام)"، وقد عبّرت في عدة مناسبات في ذكرى 14 كانون الثاني/ يناير التي يطلق عليها احتفالات الثورة، ولا اعتبرها احتفالات؛ فاحتفالي الوحيد عندما أرى فرحة الشعب بارتفاع مستوى المعيشة.

لكن متى سيحرر وديع عصفوره، عندما يستطيع الشعب التونسي أن يحرر بلاده، لأن هناك العديد من الأطراف في تونس تقف خلف الإجرام في تونس؛ فعندما يقف التونسي كجندي يدافع عن أرضه وبلاده سيجد نفسه وعائلته وكل شعبه في خير وسلامة، وهذه هي الحرية التي يجب أن تكون، ولا ينتظر "وديع" ليخرج مرة تانية ويصنع له ثورة.

الشعب التونسي هو نفسه الثورة، وعليه أن يقود الثورة هذه المرة، لكن يجب أن تكون ثورة فكرية، ثورة بالعقل، لأن ثورتنا الأولى كانت فرصة كبيرة للشعب التونسي، لكن المشكلة في عدم استغلالها، والمشكلة أيضا في الفقير الذي أغروه بالمال حتى يحصلوا على مكاسب سياسية، وعندما جاء وقت الحساب قالوا لم نفعل شيئا، وهم قد فعلوا كل شيء من الأفعال المُدانة.

وأترحم دوما على قدوتي وصديقي شكري بلعيد ومحمد البراهمي؛ فهما من أكبر المناضلين، ولو كان شكري حيّا لضمن الشعب له الجلوس على الكرسي الرئاسي، لكن عندما رأوا أن الشعب التونسي يتجه نحوه، وأن قلبه على بلاده وعلى شعب بلاده قاموا باغتياله.

وهناك قضية أخرى نعاني منها الآن في تونس، ونناضل من أجلها هي العمل في القطاع الخاص، والظلم الكبير الواقع على العاملين في القطاع الخاص، فيما يتعلق بالرواتب وحقوق العمال، والحرية في المطالبة بزيادة الأجور، لأن الأجور الآن لا تكفي على الإطلاق متطلبات المعيشة، والأسعار في زيادة مستمرة حتى زادت 10 أضعاف والراتب لا يزيد.

هل تونس بحاجة لثورة جديدة؟

نعم بكل تأكيد، نحن ندعو هذه المرة لثورة فكرية تنسف هذا الواقع المزري للغاية. نريد ثورة وعي حقيقية تنقد ما يمكن إنقاذه، وتحيي الأمل في نفوسنا من جديد، وتضعنا على الطريق الصحيح.

التعليقات (0)