ملفات وتقارير

تفاقم الديون على القاهرة.. هل يدفع بكين للانسحاب من العاصمة الإدارية؟

تحاول الصين كسب موطئ قدم لها في الخليج ومصر وأفريقيا لتنافس أمريكا في المنطقة -CNN
تحاول الصين كسب موطئ قدم لها في الخليج ومصر وأفريقيا لتنافس أمريكا في المنطقة -CNN
كشف مقال بصحيفة أمريكية، الثلاثاء، عن تأزم محتمل بعلاقات مصر والصين التي تشارك في بناء البرج الأيقوني، والكثير من المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بفعل ديون بكين المستحقة على القاهرة، كونها رابع أكبر دائن للبلد العربي الأفريقي.

"المونيتور"، المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، أشارت إلى أن الديون المصرية المتفاقمة وخاصة المستحقة للصين والبالغة نحو 7.8 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2022، قد تكون سببا في توقف أعمال الصينيين بعاصمة السيسي، مع ما تعانيه بكين من أزمات وصراعات وحروب تجارية مع الولايات المتحدة.

"تعهد واختبار"

المقال، أكد أن هذا السيناريو قائم رغم تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ، التزام بلاده باستكمال المشروع خلال لقاء رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بالقمة الصينية العربية في العاصمة السعودية، الرياض، 10 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

وفيما تستعد مصر حاليا للحصول على 500 مليون دولار من سندات "باندا" الصينية التي يهيمن عليها اليوان للمساعدة في سد ثغرة مواردها المالية، إلا أن الصحيفة أكدت أن "الصين أصبحت هذا العام حذرة في تمويل مصر".

وشككت في إمكانية تنفيذ التعهد الصيني للسيسي، قائلة: "هذا الالتزام قد يتم اختباره الأشهر المقبلة مع اقتراب موعد استحقاق قروض مصر لبناء المشروع"، لافتة إلى أن "الاقتصاد المصري يتجه نحو أزمة".

ورصدت "المونيتور" موقف بكين المحتمل مستقبلا، مضيفة أنه "بدا أن الصين تتشكك في قدرة مصر على سداد القروض"، مبينة أن "الظروف الاقتصادية لكل من مصر والصين أصبحت أكثر صعوبة"، في إشارة إلى تأثير أزمة "كوفيد 19" في 2020 على اقتصاد البلدين.

ونقلت عن مدير مشروع الشرق الأوسط وآسيا في مركز دراسات الشرق الأوسط، جون كالابريس، اعتقاده أنه "قد تكون هناك بعض المشاكل في المستقبل (في العلاقات بين الصين ومصر)"، مرجعا السبب إلى أن "مصر في وضع مضطرب أو كما يقول البعض، في حالة اقتصادية رهيبة".

"نكاية في واشنطن"

وتحاول الصين كسب موطئ قدم لها في الخليج ومصر وأفريقيا لتنافس أمريكا في المنطقة والقارة، وهو ما قد يكون سببا يدفع بكين للصبر على أزمة القاهرة المالية، وعدم مطالبتها الآن بسداد ديونها المستحقة، بل واستكمال العمل في عاصمة السيسي، نكاية في واشنطن.

وهو جانب مما أكدت عليه "المونيتور"، ناقلة عن متحدث صيني قوله: "لو شددت الصين قيودها المالية (على مصر)، فإن لديها سببا لاستكمال العاصمة الإدارية الجديدة ومشاريع أخرى".

كما أنها كشفت عن ما أسمته أسبابا سياسية تدفع بكين للاستمرار في عملها مع السيسي، بينها أن "بقاء مصر اقتصاديا أمر مهم بالنسبة للخليج"، الذي تركز عليه الصين حاليا.

وإلى جانب رغبة بكين في نجاح عاصمة السيسي، على بعد 45 كيلومترا شرق العاصمة المصرية القاهرة، خاصة وأنها تبني عاصمة جديدة قرب بكين، وصفت الصحيفة التعاون بين السيسي وبينغ، وتجاهل كلاهما ملف الآخر في حقوق الإنسان، بأن "المستبدين في العالم يتحدون".

"هل تتوقف؟"

"عربي21"، طرحت التساؤل: "هل تتوقف الصين عن دعم بناء عاصمة السيسي بفعل تراكم الدين المصري لبكين، وبفعل أزماتها هي؟ أم إن هناك دوافع سياسية ومنها الصراع مع أمريكا تمنعها من الخروج من مشروع السيسي، بل والصبر على أزمته المالية والديون؟".

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الدكتور عبدالله الأشعل، وصف بداية هذه المرحلة من تاريخ مصر بــ"النادرة"، ومؤكدا أن "الشعب حزين لوصوله إلى هذا الحد من الدين بسبب مشروعات غير مجدية رغم أن بلده غني، وسوء الإدارة أوصله إلى التدهور في كل شيء".

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إن "الصين تسير في قضية إقراض مصر ودول أفريقيا وغيرها على خطا الاتحاد السوفييتي السابق، الذي انهار اقتصاديا بعد فشله في استرداد ما له من أموال لدى الدول الموالية له".

وأضاف: "إذا كنا لا نقدر على سداد الديون الصينية، فأعتقد أن الأمر لن يسبب أزمة مع القاهرة؛ لأن الصين تفضل الجانب السياسي على الجانب الاقتصادي، بل وتلعب على الولاء السياسي لأنها في صراع أبدي مع أمريكا، كما أن لديها قدرات لتعوض هذه الديون".

يرى السياسي المصري أن "الصين ستكمل سياسيا وتنهي مشروعات العاصمة الجديدة، ولكن السؤال هنا حول الكيفية التي ستحصل بها على أموالها وديونها وفوائدها"، مجيبا بقوله: "لا شك أنها ستشتري من مصر أصولها السيادية من مطارات وموانئ وهو ما يهمها".

ولفت إلى أهمية "مشروع الحرير"، بالنسبة إلى الصين، وأهمية حصولها على مطارات وموانئ مصرية كونها مدخل أفريقيا، بل وأهمية سيطرتها على قناة السويس الممر الملاحي الأهم عالميا، والاقتراب من القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط".

وأكد أن "أهداف الصين كبيرة، وهي قادمة قادمة، وأمريكا قافلة قافلة، لكن الصين لن تحل محلها على المسرح الدولي لأسباب داخلية ولطبيعة النظام السياسي، بل هي تنفذ اقتصاديا وهو ما تحققه، لكن فكريا وثقافيا وسياسيا، فلا".

وختم بالقول: "قبل البحث في موقف الصين من مشروعات السيسي، يجب البحث في وضع مصر التي تنقرض".

ورغم أزمات مصر فإنه يصر السيسي على استكمال العاصمة الجديدة في الصحراء، والإنفاق ببذخ على العديد من المشروعات التي تخدم تلك المدينة مثل مشروع القطار الكهربائي والمونوريل، في مقابل أزمات الفقر، والتضخم.

ومقرر افتتاح العاصمة منتصف 2023، وتضم مبنى الأوكتاجون الخاص بالقوات المسلحة المصرية، الذي يتجاوز حجم البنتاغون بأمريكا ويعد أكبر مقر عسكري بالعالم، بجانب حديقة مركزية تبلغ ضعف حجم مدينة نيويورك، مع ثاني أكبر مسجد بالعالم، وثاني أكبر ملعب رياضي بأفريقيا.

"المقابل غال"

وفي تقديره، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، لـ"عربي21"، إن "الصين لن تستمر في العمل بالعاصمة الإدارية إلا بعد الفوز بقطعة غالية من مصر".

وأضاف: "سوف تضغط لتنال نصيبا من كعكة الاقتصاد المصري، أو للفوز بما تريد من موارد وثروات مصر الاقتصادية سدادا للديون".

وأشار إلى أن "مصر كلها معروضة للبيع، وهذه الديون سوف تجعل للصين ميزة في اختيار ما تريده من مصر سواء بشراء موانئ أو تكون ضمن من يشتري قناة السويس".

وأكد أن "القيادة الصينية تدرك تماما الوضع الاقتصادي والسياسي السيئ للنظام ولمصر كلها".

وعما أثير عن وجود دوافع سياسية تمنع بكين من الهروب من مشروع السيسي، قال الأكاديمي المصري، إن "صراع بكين وواشنطن سيمثل عامل ضغط في المفاوضات بين الصين ومصر، وسوف يؤثر على اختيار بكين لما تريده من تنازلات مصرية مؤلمة".

ولفت إلى أن "ذلك لن يؤثر على النظام في مصر، لأن التفريط والتقسيم وإنهاء مصر كدولة واحدة موحدة هو الهدف الحقيقي من انقلاب 2013".

وختم أبوالخير بالقول إنه "نظام يفكك مصر لبيعها قطعة قطعة بالتجزئة، والديون سوف تكون مشجعة ودافعا قويا للفوز بما تريد الصين السيطرة عليه في مصر من موارد الاقتصادية".

وبعد 6 أشهر من إعلان السيسي، عن بناء العاصمة الجديدة في آذار/ مارس 2015، فقد وقعت في أيلول/ سبتمبر من نفس العام، شركة (CSCEC) المملوكة لبكين صفقة بـ15 مليار دولار لتمويل البرج الأيقوني ومبان أخرى بمنطقة الأعمال المركزية.

"غنيمة بكين"

ولا يعتقد مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، أن "تنسحب الصين من العاصمة الإدارية"، مشيرا إلى أن "بكين تعتبر مصر غنيمة لا يمكنها التنازل عنها بسهولة".

المنير، أضاف لـ"عربي21"، أن "الصين عينها على الأصول المصرية التي يمكنها مبادلتها بها والتي تحدثت تقارير عدة عنها من موانئ ومطارات".

وتابع: "أيضا النظام المصري غارق في الديون، ومطلوب منه هذه الأيام 6 مليارات دولار، وأكثر من 13 مليار دولار بالربع الأول من 2023، ويطمع في مبادلة 8 مليارات دولار قيمة الديون الصينية مقابل أصول استراتيجية".

وقال الباحث المصري: "ربما يمهد لذلك مشروع قانون قناة السويس، المعروض على البرلمان المصري، والذي يقضي بإنشاء صندوق استثمار من مهامه البيع"، وهو ما أثار ضجة واسعة في الشارع المصري.

ويرى المنير، أنه "بالتالي فالفرصة مواتية لبكين للضغط على مصر لتثبيت وجودها الاستراتيجي، خاصة أنها تستخدم قوتها الناعمة الاقتصادية لتعزيز وجودها بالساحة العربية والأفريقية في إطار حربها مع واشنطن، وقامت بنفس الموضوع في دول كثيرة".
التعليقات (3)
عبدالله احمد
الخميس، 22-12-2022 03:45 م
إلى المتكالبون على نهش مصر ماذا ستفيد الشركات أو الأراضي في بلد الأنظمة فيها منهارة و أولها القانون و الامن و الاقتصاد و شعب مفروض عليه التخلف و القهر
Dr/Mohamed
الخميس، 22-12-2022 09:53 ص
كما قلت لكم من قبل ان ورقه اوروبا صعدت على طاوله السيسي وفتح حدود مصر للشباب لدوله ايطاليا وهى البدايه لابتزاز اوروبا فهل يفلح السيسي فى ذلك؟ ننتطر عقد البرلمان الاوروبى العاجل بهذا الخصوص وكانت اخر جوله 11نوفمبر 2022 والاولى 2023 بعد الكريسماس
Fariba Gul
الخميس، 22-12-2022 06:22 ص
يوضح المثال السريلانكي الشكل الفريد للصين "دبلوماسية فخ الديون" ، وهو نظام مفترس مصممة لإيقاع البلدان في قيود عبودية الديون.