هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
غادر وزير خارجية اليونان، نيكوس ديندياس، مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس دون أن يجري لقاء تم الاتفاق على عقده مع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي. وبررت الخارجية اليونانية سبب إلغاء الزيارة بخرق وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية اتفاقا بعدم اللقاء بهم، أي اللقاء بحكومة الوحدة الوطنية، حسب ما ورد على لسان الوزير اليوناني وما جاء في بيان وزارته.
الوزير اليوناني يرفض اللقاء بأي ممثل لحكومة الوحدة الوطنية لاعتبارات عدة، أهمها توقيع الأخيرة اتفاقا مع تركيا يمنح الأخيرة حقوقا للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق التي تم ترسيم حدودها بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني العام 2019م، وأيضا لأن حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية.
خارجية حكومة الوحدة الوطنية رفضت تبرير الخارجية اليونانية معتبرة أن منحها الإذن للوزير ديندياس للقدوم إلى طرابلس يعني أنها المسؤولة عن ترتيبات الزيارة من الناحية البروتوكولية، لذا فإن الوزير اليوناني أخل بالأعراف الدبلوماسية بقيامه بإلغاء الزيارة بعد أن حطت طائرته بمطار معيتيقة.
اليوم اليونان تصطف مع قبرص وإسرائيل ومصر في مواجهة تركيا في الخلاف حول ثروات شرق البحر المتوسط، وتنظر لحكومة الوحدة الوطنية كخصم، ولأن هذا الموقف لن يحقق لها ما ترجوه فربما ستتجه أثينا إلى مراجعة موقفها من حكومة الوحدة الوطنية،
والحقيقة أن موقف ديندياس، الذي يمثل سياسة حكومة بلاده، مرتبك ومشحون بالسياسة ومتأثر بالتجاذبات بين أطراف عديدة في المنطقة، ولا يسعفه ما قدمه من تبريرات قانونية أو دبلوماسية لإلغاء الزيارة اعتمادا على أن المقصود بالزيارة المجلس الرئاسي وليس حكومة الوحدة الوطنية، ذلك أن الفصل بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية من الناحية القانونية والدبلوماسية متعذر، فاتفاق تونس-جنيف الذي بانتهاء أجله صارت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية هو الذي أوجد المجلس الرئاسي وبانتهائه ينتهي أجل المجلس الرئاسي كذلك.
ما يجعل موقف اليونان مسيسا هو الاتجاه إلى الشرق حيث مجلس النواب الذي هو وفق قانون الانتخاب الذي أوجده منتهي الولاية، فقد نص القانون أن يكون أجل مجلس النواب ثمانية عشر شهرا منذ انعقاد أول جلسة له والتي كانت في أغسطس العام 2014م.
سبب آخر يؤكد الموقف المضطرب والمرتبك لليونان هو اتجاه الوزير بعد إلغاء زيارته لطرابلس إلى بنغازي حيث التقى بقائد عام الجيش التابع لمجلس النواب، خليفة حفتر، وكان في استقباله مدير مكتب القائد العام، الأمر الذي يفرض تساؤلا: ما علاقة وزيرة خارجية دولة أوروبية بقيادة مؤسسة عسكرية ليتباحث معه حول الاستقرار في البلاد، إلا أن يكون الغرض إغاظة حكومة الوحدة الوطنية ومحاولة اللعب على تناقضات الحالة الليبية التي تشهد نزاعا حادا بين الشرق حيث طبرق والرجمة، والغرب الذي تمثله العاصمة طرابلس؟
ما يجعل موقف اليونان مسيسا هو الاتجاه إلى الشرق حيث مجلس النواب الذي هو وفق قانون الانتخاب الذي أوجده منتهي الولاية، فقد نص القانون أن يكون أجل مجلس النواب ثمانية عشر شهرا منذ انعقاد أول جلسة له والتي كانت في أغسطس العام 2014م.
من المهم التنويه إلى أن أثينا تبذل جهودا لاحتواء السياسة التركية التي تشكل تهديدا لمصالح اليونان وتفشل مساعيها في توسيع تلك المصالح عبر اتفاقيات وقعتها مع قبرص وإسرائيل ومصر، ويبدو أن تعويلها على واشنطن وبروكسيل للضغط على أنقرة لا يجدي كثيرا.
من المفارقات أن اليونان طلبت من الولايات المتحدة التوسط لدى حكومة الوحدة الوطنية للتباحث حول ترسيم الحدود بين البلدين، فالطلب يكشف اضطراب بل وتناقض الموقف اليوناني، حيث تحتج أثينا بأن حكومة الوحدة الوطنية غير مخولة بتوقيع اتفاقات دولية تخص ليبيا وأنها منتهية الولاية، ثم تتوسط لدى الولايات المتحدة لأجل إبرام اتفاق معها.
الفشل في تعبئة موقف أمريكي أوروبي ضد أنقرة وطرابلس ربما دفع أثينا إلى العمل مباشرة مع الأطراف الليبية لإلغاء الاتفاقية مع تركيا أو تجميدها أو توقيع اتفاقات مشابهة مع اليونان، ويبدو أن هذا الرهان لن يؤتي ثمارا، ذلك أن الجبهة الشرقية ممثلة في طبرق والرجمة لم تنجح في سحب البساط من تحت أقدام حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها ادبيبة لصالح باشاغا وحكومته البديلة، كما أن حكومة ادبيبة تعتبر أنقرة حليفا استراتيجيا وسندا قويا في مواجهة مخططات إقصائها بالقوة ولن تقدم على فك الارتباط معها.
اليوم اليونان تصطف مع قبرص وإسرائيل ومصر في مواجهة تركيا في الخلاف حول ثروات شرق البحر المتوسط، وتنظر لحكومة الوحدة الوطنية كخصم، ولأن هذا الموقف لن يحقق لها ما ترجوه فربما ستتجه أثينا إلى مراجعة موقفها من حكومة الوحدة الوطنية، غير أن العائد المتوقع من ذلك محدود، وبالتالي فإن الخيار هو اتفاق إقليمي أو دولي يدمج تركيا كشريك في ثروات شرق المتوسط.
البديل عما سبق ذكره هو انتظار الانتخابات التركية علها تأتي بقيادة جديدة أكثر تماهيا مع أثينا أو أن تدخل اليونان في مواجهة مسلحة ضد تركيا بالقطع ستكون غير مأمونة العواقب.