أفكَار

العلاج بالطاقة بين العلمية والعقائدية.. أين تكمن الحقيقة؟

خبراء يحذرون.. العلاج بالطاقة يُعد مجالا خصبا لإشاعة كثير من الحكايات والقصص الغرائبية
خبراء يحذرون.. العلاج بالطاقة يُعد مجالا خصبا لإشاعة كثير من الحكايات والقصص الغرائبية

العلاج بالطاقة عنوان جاذب، يتعلق به كل من ألمّت به أمراض مزمنة، أتعبته وأقعدته عن ممارسة شؤون حياته العادية بهدوء وسلام، ولم يجد لها علاجا عند الأطباء وفي المستشفيات، فبات يبحث عن علاج لها عند المعالجين بالطب البديل، وهو في بحثه ذاك تماما كالغريق الذي يتعلق بقشة. 

ثمة قصص وحكايات يرويها من يمارسون العلاج بالطاقة، يقصون فيها قصصا لمرضى تجرعوا غصص المرض العضال كثيرا، وأتعبتهم أوجاع الأمراض المزمنة لسنوات طويلة، ويئسوا من العلاج، وباتوا يرون الشفاء أمرا بعيد المنال، حتى إذا ما قُدر لأحدهم التعرف على أحد المعالجين بالطاقة فكان الشفاء على يديه، فكأنما وُهبت له حياة جديدة سالمة من الأوجاع المبرحة. 

من أكثر المروجين في العالم العربي للعلاج بالطاقة استشاري الصحة النفسية، الدكتور المصري أحمد عمارة، الذي يمتلك، حسب مراقبين حضورا مؤثرا وساحرا في طريقة عرضه وترويجه لذلك، وبات يتابعه مئات الآلوف على مواقع التواصل الاجتماعي، المتأثرين بأفكاره، والمدافعين عنها، والمنضمين للدورات التي يعقدها لتعليم تلك المهارات لكل من يرغب بها. 

 

                 أحمد عمارة.. مستشار الصحة النفسية، ومنظر للعلاج بالطاقة

يُعرف عمارة الطاقة بأنها "قوة تُحدث تأثيرا ما لكنها غير مرئية.. مثل قوة المغناطيس التي تجذب الحديد فتسمى الطاقة المغناطيسية، ومثل التيار الذي يسري في أسلاك الكهرباء فتحدث تأثيرا أُطلق عليه الطاقة الكهربائية، تماما كالفكرة التي تأتي الإنسان فإن كانت فكرة إيجابية فإنها تحفز صاحبها وتدفعه للعمل وتفجر طاقته، وإن كانت سلبية فإنها تحبطه وتدمره وتقعده". 

لكن هل العلاج بالطاقة حسب التقنيات والآليات التي يروج لها عمارة وغيره من المؤمنين بها والممارسين لها له ما يسنده من جهة الطب؟ وهل هو علاج له مساقات وتخصصات أكاديمية في كليات الطب وفق مناهج مقررة ومعترف بها؟ وهل هو قائم على أصول ومبادئ علمية ثابتة أم هو مستمد من فلسفات ورؤى باطنية، تؤمن بوحدة الوجود، بمعنى أن الله حلّ في الموجودات، فيمكن استمداد الطاقة من تلك الروح التي حلت في العالم بأسره عبر تلك التقنيات والمهارات؟. 

الدكتور هيثم طلعت، طبيب مصري، وباحث في الفرق والأديان، ومهتم بملف الإلحاد، خصص حلقة مصورة خاصة عبر قناته على اليوتيوب لبحث موضوع العلاج بالطاقة، وخصص كتابا أسماه "الإلحاد الروحي وخطره على العقيدة والعقل".. جاء في التقديم لكتابه "كتاب قيم يتناول قضية خطيرة ظهرت مؤخرا في بلاد المسلمين، وهي الممارسات الهندوسية والبوذية والطاوية والوثنية بصورها المختلفة تحت مسميات "العلاج بالطاقة". 

 

                 هيثم طلعت، طبيب مصري وباحث في الفرق والأديان

وتابع: "والاستفادة من (قانون الجذب) و (التأمل باليوغا)، وحمية (الماكروبيوتك) والتداوي بـ(الريكي)، والتناغم مع (الطاقة الكونية)،وغيرها من فلسفات الديانات الشرق آسيوية، وهذا الكتاب يبين خطورة هذه الممارسات على جناب التوحيد، وجنايته على نعمة العقل".

في تعريفه للعلاج بالطاقة أوضح طلعت أن "ما يسمى بالطاقة الكونية هو أصل الأصول في كل العلوم المتعلقة بالعلاج بالطاقة، ودورات الطاقة الحيوية، والتشافي الذاتي"، متسائلا: "فما هي الطاقة الكونية علميا"؟ ليجيب بأنه "لا يوجد في الطب ولا في الفيزياء ولا في أي علم من العلوم التجريببية حاجة اسمها الطاقة الكونية، فليست هي أي نوع من أنواع الطاقة المعروفة كالكهرومغنيطسية أو الكهربائية..". 

وطبقا لطلعت فإن "الطاقة الكونية هي قضية عقائدية دينية عند الهندوس والبوذيين والطاويين، واسمها علميا (الطاقة غير الفيزيائية، Subtle Non – Physical Energy )، وحينما بحث علماء الفيزياء عن هذه الطاقة التي يسميها المعالجون بالطاقة، الطاقة الكونية وجدوا أنها وهم، وليس لها أي وجود، فصنفوها باعتبارها علما زائفا.. فهي في حقيقتها نابعة من عقيدة وثنية من تلك الفلسفات التي تؤمن بوحدة الوجود". 

من جهته أكدّ أخصائي العلاج النفسي المعرفي والسلوكي، الدكتور الأردني أحمد عيد أنه "لا يوجد في الطب ما يسمى بالعلاج بالطاقة، ولا توجد أية مادة تدرس في كليات الطب والكليات العلمية بهذا الاسم، كما أن ممارسة هذا اللون من العلاج غير مصرح به من قبل وزارات الصحة، وإنما يمارس تحت مسميات الطب البديل وما شابه". 

 

                           أحمد عيد أخصائي العلاج النفسي

 
وأضاف: "ومن الواضح أن قدرة المعالج على التأثير على المرضى إنما تتم عن طريق الإيحاء، وهذا التأثر في غالب الحالات يكون وقتيا، ثم لا يلبث أن يذهب ويتلاشى، فهذه الممارسة العلاج بالطاقة لا تقوم على أصول علمية طبية، وإنما هي تستند إلى نظريات فكرية وفلسفية، ولا تبعد في كثير من ممارساتها عن الخرافة والشعوذة". 

وردا على سؤال "عربي21" حول أسباب عدم اعتراف الطب والعلم بهذه الممارسات العلاجية لفت عيد إلى أن "القضايا العلمية قابلة للاختبار، أما هذه الممارسات فغير قابلة للاختبار، ولا يمكن إخضاعها للدراسة، ولا يمكن التحكم فيها، فالعلم يدرس الظواهر التي يمكن اختبارها وتكرارها".
 
وفرَّق الأخصائي بالعلاج النفسي، بين العلاج السلوكي المعرفي، وبين العلاج بالطاقة، "فالأول مثبت علميا، وقائم على أسس علمية، وله كليات وتخصصات ومرجعيات علمية مقررة ومعترف بها، لكن العلاج بالطاقة أخذ بعض مبادئ العلاج النفسي المعرفي السلوكي، حتى يتذرع ممارسوه بأن ممارساتهم علمية، في الوقت الذي أضافوا إليها كثيرا مما هو خارج حدود العلاج النفسي المعروف، المستمدة من فلسفات وعقائد وثنية مختلفة". 

وفي إطار البحث عن المواقع والصفحات المعالجة بالطاقة، وجدت "عربي21" صفحة على الفيسبوك اسمها "العلاج بالطاقة".. يديرها ويشرف عليها طبيب الأسنان السوري، الدكتور عقيل الشقفة، وهو يمارس العلاج بالطاقة عبر الإنترنت منذ عشرين عاما، ولديه سجل حافل بمعالجة حالات مرضية مزمنة ومستعصية عديدة، وفق ما أثبته على صفحته وذكر بعضها في حواره مع "عربي21".

 



الدكتور عقيل يحكي عن نفسه أنه طالب علوم شرعية، درس الفقه والنحو والأصول على علماء ومشايخ سوريين في سورية، ويروي تحوله إلى العلاج بالطاقة أنه حدث له بعد رؤيا منامية، فهم منها أنه يمتلك طاقة يستطيع من خلالها معالجة الحالات المرضية المزمنة، عن طريق توجيه تلك الطاقة من إصبعه إلى المرضى. 

وتابع حديثه ذاكرا أنه تحلى بتلك القدرة بعد إصابة أحد أصدقائه قديما بشلل نصفي، الذي أخبره الأطباء بأنه لا شفاء له منه، وقد توفي بالفعل، فكان يدعو بعدها أن يرزقه الله مهارة علاج الأمراض المزمنة، وهو ما كان بعد رؤيته تلك الرؤيا، وبدأ بتجريب الأمر على زوجته التي شعرت بتلك الطاقة المنبعثة من إصبعه، حسب قوله. 

وكشف أنه لم يدرس العلاج بالطاقة عند أي أحد، ولم ينضم إلى أي دورة من تلك الدورات التي تعلم مهارات وتقنيات العلاج بالطاقة، وما لديه إنما هو عطاء رباني، وهو يمارس المعالجة بالطاقة على طريقته، بعيدا عن تلك الفلسفات والمفاهيم البوذية والطاوية والهندوسية، وما يروج له بعض المعالجين العرب الذين يستمدون معرفتهم ومهاراتهم من تلك الفلسفات.
 
وذكر أنه عالج عشرات الحالات المرضية المزمنة، وأنه يعقد جلسات علاجية من مقره في تركيا لأفراد ومجموعات عابرة للقارات، وتشافي العديد من تلك الحالات، وأنه يشحن الآخرين بالطاقة لممارسة العلاج بها، وثمة شهادات مدونة على صفحته لبعض تلك الحالات، لكن لم يتسن لـ"عربي21" التأكد من صحتها لعدم توافر سبل التواصل مع أصحابها. 

يُذكر أن العلاج بالطاقة يُعد مجالا خصبا لإشاعة كثير من الحكايات والقصص الغرائبية، وبيئة مناسبة لترويج مفاهيم وأفكار مستمدة من فلسفات وعقائد شرق آسيوية، وتختلط فيها معلومات ومفاهيم صحيحة بأخرى مستوحاة ومتولدة من رحم عقائد وثنية وباطنية، لا تمت إلى العلم بصلة، وفي مناخاتها نشأت مهارات وتقنيات العلاج بالطاقة، والطاقة الكونية، والتشافي الذاتي.    
 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم