أفكَار

خبراء: "المداخلة الجدد" يغالون في تجريح السابقين والمعاصرين

خبراء: التيار المدخلي في جوهره مشروع سياسي، يتذرع بذرائع وعناوين دينية عقائدية
خبراء: التيار المدخلي في جوهره مشروع سياسي، يتذرع بذرائع وعناوين دينية عقائدية

"المداخلة الجدد" اتجاه جديد بدأ بالظهور مؤخرا في أوساط السلفية، وعلى وجه التحديد وسط ما يُعرف بـ"السلفية المدخلية"، وهو امتداد لتيار المداخلة والجامية السابق، ومن أهم ما يتصف به اتخاذه موقفا متشددا بحق  كل من يتساهل في تكفير وتبديع المخالفين من المذاهب والاتجاهات الاعتقادية الأخرى (كالأشاعرة والماتريدية).

ووفقا لباحثين، فإن رموز ذلك الاتجاه وأتباعه يتهمون من يتساهل في تبديع وتضليل أتباع المذاهب العقدية الأخرى بأنهم يقدمون حق العباد على حق الله، إذ "كيف ينتهك الأشعري ـ على سبيل المثال ـ حق الله تعالى في أسمائه وصفاته، ثم لا يحكم عليه بالكفر والتبديع من أجل الحفاظ على حقوقه"، كما يتهمونهم بالتأثر بالعلمانية والاتجاهات الحداثية. 

يُنسب تيار السلفية المدخلية إلى الشيخ والداعية السلفي السعودي، الدكتور ربيع بن هادي المدخلي، ويُعرف التيار بولائه للسلطة السياسية، واشتداده في مهاجمة الحركات الإسلامية السياسية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وانتقاده الشديد للسلفية الحركية والإصلاحية، ومهاجمته لرموزها وشيوخها كالدكتور سلمان العودة، والدكتور سفر الحوالي، والدكتور عوض القرني. 

من الأسماء المشهورة في أوساط السلفية المدخلية، محمود الحداد المصري، أحد تلاميذ الدكتور ربيع المدخلي، كان يعمل محاسبا في المدينة المنورة، وطلب العلم الشرعي بملازمة مشايخ المدينة المعروفين، كالشيخ حماد الأنصاري وغيره، لكنه انشق عن المدخلي، وتبنى آراء جديدة، وبنى عليها مواقف مغايرة لتيار المداخلة، عُرف هو وأتباعه باسم "الحدادية". 

عُرفت الحدادية في أوساط السلفية المدخلية بتبنيها للغلو والتشدد في تجريح علماء أهل السنة والطعن فيهم، فقد عُرفوا بتتبع علماء أهل السنة المعروفين بانتمائهم للسنة، وطعنوا فيهم بأوصاف مجرحة، كطعنهم في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والدكتور ربيع المدخلي نفسه، وغيرهما من أهل العلم، والسعي لإسقاط هؤلاء العلماء بحجج وذرائع واهية حسب منتقديهم ومعارضيهم.

ومما طالبت به (الحدادية) إتلاف بعض الكتب المعتمدة والمقدرة عند أهل السنة، كـ"فتح الباري شرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني، و "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للإمام النووي، لما تضمناه من انحرافات عقائدية، بسبب انتمائهما للمذهب الأشعري، وهو ما يجب محاربته وعدم التساهل معه، أو تقبله بأي حال من الأحوال، وفق أفهامهم. 

فمن هم "المداخلة الجدد"؟ وما هي أبرز أفكارهم ومقولاتهم؟ وهل هم امتداد لتيار المداخلة السابق، يتوافق معهم في كل آرائهم وأفكارهم أم ثمة آراء وأفكار امتاز بها خلافا لما عُرف به تيار المداخلة والجامية؟ وهل وافقوا (الحدادية) في تشددها وغلوها في تصنيف علماء أهل السنة والطعن فيهم؟ وما هو الجديد الذي جاؤوا به حتى يُطلق عليهم هذا الاسم؟ 

في إجابته على الأسئلة المثارة، لفت الكاتب والباحث السوري، المهتم بالقضايا الدينية والفكرية، أحمد دعدوش إلى أن "ما يقال عن تيار المداخلة السابق ينطبق على المداخلة الجدد، مع ضرورة التنبيه على اتجاه (الحدادية) الذي انشق عن الدكتور ربيع المدخلي، وجنح أتباعه إلى تبني موقف الغلو والتشدد في تجريح بعض علماء أهل السنة، حتى شيخهم المدخلي نفسه لم يسلم منهم". 

 


                         أحمد دعدوش.. كاتب وباحث سوري

وأضاف: "كما أن المداخلة الجدد يتبنون ما تتبناه (الحدادية)، واللافت أن أتباع هذه الاتجاهات سرعان ما ينشق بعضهم عن بعض، ويطعن اللاحق بالسابق، وهذا مشاهد في أكثر من دولة، فالمدخلية امتداد وتطور للجامية، ثم جاءت الحدادية، ثم انشقت عنها اتجاهات مختلفة، والآن المداخلة الجدد.

وردا على سؤال "عربي21" عن أبرز أفكار "المداخلة الجدد" قال دعدوش: "هم يرون أنهم ومن يوافقهم، يمثلون أهل السنة، ويهاجمون الاتجاهات الأخرى التي تنتسب للسلفية، حتى ابن تيمية يعلنون أنهم لا يحتاجون إليه؛ لأنه لم يكفر الأشاعرة، بل كان معتدلا معهم، ومنفتحا عليهم، ثم تستمر سلسلة التبديع والتضليل لعلماء الأمة، بدءا من الإمام أبي حنيفة، ثم النووي، وابن حجر العسقلاني، وكذلك مهاجمتهم لعلماء الأزهر المعاصرين، ولغالب الإسلاميين الذين يصفونهم بالحركيين على سبيل الذم والطعن".

وتابع: "هذا مشروع سياسي بالأصل، هدفه إسقاط الإخوان، وإجهاض الثورات، ومهاجمة كل الاتجاهات الإسلامية الحركية، ومن ضمنها بالطبع حركة حماس، ونشر البلبلة في أوساط الإسلاميين، وكان لافتا هجومهم الشديد والقاسي على الدكتور القرضاوي بعد وفاته، لما يمثله من مرجعية دينية محترمة في أوساط الحركات الإسلامية السياسية". 

من جهته قال الباحث الجزائري في الفكر الإسلامي، صهيب بوزيدي: "المداخلة الجدد جماعة تنتسب للمذهب العقائدي السلفي المعاصر، إلا أنها مزجت بين الحدادية والمدخلية، وكلاهما يشتركان في القواعد نفسها، إلا أن الحدادية والمداخلة الجدد ينزلون قواعدهم في التكفير والتجريح على القدامى والمعاصرين على حد سواء، بينما يكتفي المداخلة بتنزيلها على المعاصرين دون القدامى".

 

                        صهيب بوزيدي.. باحث في الفكر الإسلامي

 

وأضاف: "وهذا جعل المداخلة الجدد يكفرون الإمام أبا حنيفة النعمان، وينزلون طعنه على كل العلماء المتمذهبين بمذهبه، كما يكفرون علماء الأشاعرة مما يعني تكفير الفقهاء الشافعية جميعا، وجل المالكية وبعض الحنابلة، وكذلك يكفرون ابن حزم ليسقطوا بذلك أشهر علماء المذهب الظاهري، وإن كان هذا صنيعهم بالقدامى الذين رضيت بهم الأمة، فإن طعنهم في المعاصرين أوسع نطاقا، فلا يتركون إسلاميا سياسيا ولا حركيا إلا وطعنوا فيه". 

وأرجع بوزيدي تسميتهم بالمداخلة الجدد إلى "القواعد المشتركة الأساسية التي يتفقون فيها مع المداخلة، إضافة إلى أن أهم رأس عندهم كان مدخليا ثم خرج بهذا المنهج الذي يمزج بين المدخلية والحدادية، وهذه القواعد الأساسية راجعة للأصول المشتركة في الاهتمام بالحكم على الأعيان وتبديع وتكفير المسلمين، مع تزهيدهم في علوم الآلة والعلوم العقلية والتجريبية".

وتابع: "يمكن تصنيف المداخلة الجدد كفرقة متفرعة عن الجامية، كما أن المداخلة الأصليين تفرعوا عن الجامية أيضا، رغم وجود بعض الخلافات بينهم وبين المداخلة الأصليين في تنزيل قواعدهم التجريحية على الأفراد قديما وحديثا".

يُذكر أن التيار المدخلي في جوهره مشروع سياسي، يتذرع بذرائع وعناوين دينية عقائدية، فهو الأقدر في نظر الأنظمة السياسية على مواجهة حركات الإسلام السياسي مواجهة فكرية ودينية مفتوحة، وهو المؤهل لتشويه صورة أي عالم أو داعية يعمل بصفة مستقلة، ولا يخضع للسلطات، وزاد تيار المداخلة الجدد على ذلك كله، بتطبيق قواعد الجرح وإنزالها على العلماء والأئمة السابقين، تماما كما ينزلونها على المعاصرين. 


التعليقات (2)
عبد غسما
الثلاثاء، 01-11-2022 09:12 م
مقال رائع جدا
عبد المجيد القادري
الثلاثاء، 01-11-2022 07:20 ص
كان الله في العون اما يكفي ما يقوم به الاعداء في محاربته لدبننا