قضايا وآراء

التوافق العربي حول سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

إذا كان التوافق العربي حول عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية ما زال قائما، فإن توافقا لدى غالبية الدول العربية بدا موجودا لإنهاء هذه الأزمة تحت عباءتين، أممية وعربية، وهو ما عبرت عنه فقرة في البيان الختامي شددت على قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يضمن وحدتها.

يجب التوقف عند أمرين في هذه الفقرة:

أولا، ما هي الأسباب التي دفعت الجامعة العربية إلى الاهتمام بقوة في الملف السوري بعد غياب أو ضعف ـ سواء أكان إراديا أم غير إرادي ـ دام نحو عشر سنوات؟

جواب هذا السؤال يأخذ شقين: الأول هو التراخي الأميركي في المنطقة بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، يقابله تراخ روسي بفعل ثقل وقوة الانخراط العسكري في أوكرانيا، وما ترتب عنه من تداعيات الاقتصادية دفعت صناع القرار في الكرملين إلى إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية، والشق الثاني، متعلق بأهداف مصالح دول عربية لها مصلحة بإعادة الانفتاح على دمشق، لأسباب سياسية عند البعض وأخرى أمنية عند البعض الآخر.

ثانيا، ما هي طبيعة الحل السياسي التي أشار إليه البيان الختامي، فالفقرة تحدثت فقط عن معالجة كل تبعات الأزمة السورية، السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميا ودوليا.

لا يوجد في البيان الختامي أية إشارة على مقررات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا، وخصوصا القرارين 2118 و 2254، اللذين يشكلان المرجعية السياسية للحل في سوريا، كما لم يشر البيان إلى أي من مذكرات وبيانات مبعوثي الأمم المتحدة الخاصين إلى سورية.

إن التركيز في نص الفقرة المخصصة لسوريا في البيان الختامي، يظهر أن معالجة التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية للأزمة السورية، لم يكن من أجل إنهاء النظام الاستبدادي في سوريا، أو على الأقل الضغط عليه لتقديم تنازلات سياسية وأمنية من شأنها أن تضع البلاد على النهج الصحيح، بل من أجل ضمان وحدة سوريا وسيادتها، بما يعيد لها مكانتها إقليميا ودوليا، أي أن الهدف العربي في قمة الجزائر من الانفتاح على النظام السوري، هو لأسباب مصلحية متعلقة بالدول العربية، أما الشعب السوري المظلوم فهو خارج المفكر فيه لدى القادة العرب.

وقد عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن ذلك، حين طالب جميع الأطراف المعنية "إبداء المرونة حيال الأزمة في سوريا حتى يمكن تبديد ظلمة الانهيار الاقتصادي والانسداد السياسي وغلق صفحة الماضي بآلامه، والسعي نحو وضع جديد يتيح انخراط سورية في محيطها العربي الطبيعي، وفي جامعتها العربية التي هي من دولها المؤسسة".

 

إن التركيز في نص الفقرة المخصصة لسوريا في البيان الختامي، يظهر أن معالجة التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية للأزمة السورية، لم يكن من أجل إنهاء النظام الاستبدادي في سوريا، أو على الأقل الضغط عليه لتقديم تنازلات سياسية وأمنية من شأنها أن تضع البلاد على النهج الصحيح، بل من أجل ضمان وحدة سوريا وسيادتها، بما يعيد لها مكانتها إقليميا ودوليا،

 



في ظل هذا الاندفاع العربي نحو النظام السوري، ما زالت قطر تحافظ على موقفها السياسي والأخلاقي، وهي التي دأبت على تكرار موقفها الثابت، من أن الأسباب التي أدت إلى طرد النظام السوري من الجامعة العربية، ما تزال قائمة إلى الآن، وبالتالي لم يحدث أي تغيير في الواقع السوري يستدعي عودة سورية إلى الجامعة العربية والانفتاح عليها، ويمكن القول إن سبب عدم عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، هو قطر.

في الواقع، يكمن السبب في غموض البيان الختامي للقمة العربية حيال سوريا، إلى أن القادة العرب الراغبين بالانفتاح على دمشق، يدركون جيدا أن فتح ملف التفاوض السياسي وتقديم تنازلات للمعارضة أمرا مستحيلا، والنظام لا يقبل التفاوض في هذه المسألة مع الدول العربية.

حاولت جامعة الدول العربية احتواء الأزمة السورية، منذ بدايتها، بدفعها النظام إلى القيام بخطوات سياسية جادة، تلبي المطالب الشعبية، وتمنع البلاد من الانجرار نحو الهاوية بشكل أو بآخر، لكن إصرار النظام على خياره الأمني، دفع الجامعة عام 2011 إلى ممارسة ضغوط على دمشق، على أمل حصر الأزمة داخل المنظومة العربية، والحيلولة دون انتقالها إلى المستوى الدولي، متبعة في ذلك أسلوب الترغيب والترهيب معا، فلم تغلق الباب العربي نهائيا بوجه النظام، ولم تتركه مفتوحا، إلى أن اكتشفت أن النظام السوري ضرب الجهود العربية عرض الحائط، وحدثت القطيعة العربية مع دمشق.

وعلى الرغم من أن الجهود العربية لإعادة سوريا على المنظومة العربية بدأت منذ سنوات عدة، وبلغت بعض الدول العربية فيها مستوى متقدما، كالإمارات العربية، إلا أن الشهور الماضية شهدت نقاشا عربيا حادا حول هذا الملف، لدرجة أن ثمة مخططا قد وضع لتحقيق الهدف العربي.

ولعل زيارة وزير الخارجة الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة الأردنية عمان، غداة القمة العربية، يشير إلى رغبة عربية بتفعيل الخط السياسي مع موسكو لإيجاد مخرج لهذا الوضع، ويبدو من الحراك العربي أن ما يتطلبه هذ المخرج، هو أن يقوم النظام السوري بتقديم تنازلات شكلية تحفظ ماء وجه الدول العربية.


التعليقات (0)