تقارير

محمية "وادي عين الزرقاء".. تحفظ تراث فلسطين في وجه المحتل

محمية وادي عين الزرقاء الطبيعية في فلسطين واحدة من أهم المحميات التراثية في فلسطين
محمية وادي عين الزرقاء الطبيعية في فلسطين واحدة من أهم المحميات التراثية في فلسطين

تعتبر محمية وادي عين الزرقاء الطبيعية في فلسطين واحدة من أهم المحميات التراثية في فلسطين والتي استوطنها البشر قبل آلاف السنين لوجود عشرات عيون المياه فيها، ما جعلها مركزا لعدد من الحضارات عبر التاريخ.

ومثل صمود هذه المحمية التي تقع على بعد 26 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة في وجه العوامل الطبيعية والتاريخية والاحتلال دليلا قويا على تمسك الشعب الفلسطيني بهويته وتراثه عبر هذه السنوات ومرور كل هذه الحضارات عليها.

وتتميز هذه المحمية بحسب خبراء البيئة والتاريخ بموقعها الجغرافي بين مجموعة من سلاسل الجبال، ما يجعلها ممرا للعديد من الأودية المائية في فصل الشتاء، ولمياه الينابيع في تلك المنطقة والتي يبلغ عددها 103 عيون، موزعة على أطراف الوادي، في حين تبلغ مساحتها حوالي 13340 دونما؛ تحتل الأشجار الحرجية نصف مساحتها، والنصف الآخر مزروع بحمضيات وفاكهة ومحاصيل مروية.

وأكد محمد جرادات، مدير دائرة السياحة والآثار في رام الله أن وادي عين الزرقاء يقع على الحد الفاصل ما بين جبال نابلس وجبال القدس ويرتبط بوادي "مكر السواد" عند النقطة التي يرتفع منها جنوب شرقي "وادي اقطيطة" وهو بذلك يقع بين وادي جناتا من جهة الغرب ووادي مكر السواد من جهة الشرق.

 

                   محمد جرادات.. مدير دائرة الآثار في مدينة رام الله

وأوضح جردات لـ "عربي21" أن المحمية تضم مجموعة كبيرة من ينابيع المياه التي يستطيع الزائر الاستمتاع بها خلال مسيرة في هذا المسار والذي بات واحدا من المسارات المهمة وذلك لارتباطه بمجموعة من الأودية واحتوائه على مجموعة من عيون المياه كما تحيط به مجموعة من المواقع الأثرية.

وقال: "ترتبط محمية وادي عين الزرقاء بعدد من الأودية ومن بينها وادي النطوف الذي يحتوي على دلائل استيطان بشري فيما يعرف الفترة النطوفية أو الفترة الزراعية في فلسطين".

وأضاف: "وادي النطوف يقع شرق قرية شُقبة الواقعة الى الغرب من مدينة رام الله على ضفته الشمالية يوجد كهف يقع على حوالي مسافة 30 كم غرب مدينة رام الله".

وأوضح جرادات أن أشجار الصنوبر والبلوط والسريس والغار والبطن تغطي محمية وادي عين الزرقاء، مشيرا إلى أنه يوجد على ضفافها كهوف رائعة تستحق فرصة للوقوف أمامها والاستمتاع بمنظرها الخلاب.

ونوه إلى أن خربة تبنة هي قريبة من هذه المنطقة والتي توجد على الضفة الشمالية لأحد الأودية المرتبطة لمحمية وادي عين الزرقاء.

وأكد مدير دائرة السياحة والآثار في رام الله على أن وزارته قامت وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بتثبيت مسار سياحي في هذا الوادي، مشيرا إلى أنه مسار ذو تنوع طبيعي ويوجد مجموعة من النباتات التي تنموا في الوادي بالإضافة إلى وجود مساطب الزيتون الموجودة في بطون الأودية ومنحدرات الجبال.

وقال: "هذا الوادي هو أحد المسارات المعتمدة لدى وزارة السياحة والآثار وقد تم ثبيته على الخارطة السياسة لأهميته ولأنه يشكل منطقة تحتوي على تنوع طبيعي وحضاري بالإضافة الى وجود عيون المياه التي تتيح للزائر السير في الوادي والتعبير على طبيعة فلسطين وحضارتها".

وأضاف: "الأودية التي في المحمية تشكل أحد المتنفسات السياحية للمواطنين الفلسطينيين الذين يقومون وعلى شكل مجموعات بالسير فيها وعلى مسافة تتراوح ما بين 6 إلى 8 كم، حيث إن هناك إقبالا كبيرا عليها".

وتابع: "هناك بعض الذين يفضلون سياحة السير على الأقدام يقومون بالمشي في الوادي خاصة في فصل الربيع للاستماع في التنوع النباتي الموجود في المنطقة والتنوع الجغرافي من الواد والجبل والمساطب الزراعية".

 



واستعرض المسؤول الفلسطيني الاعتداءات الإسرائيلية على المحمية كونها تقع في المناطق التابعة لسيطرتها، متطرقا للعوائق التي تحول دون تطويرها، مشيرا إلى وجود عوائق قائمة وعوائق متجددة بهذا الخصوص، معتبرا وجود الاحتلال أكبر هذه العوائق كون هذه المحمية والمواقع الأثرية التي فيها خاضعة للسيادة الإسرائيلية الأمر الذي أخرجها عن السيطرة أو الإدارة الفلسطينية.

وقال: "وجود الاحتلال والوضع السياسي القائم يحد من قدرة وزارة السياحة والآثار أو الجهات ذات الاختصاص من حماية هذه المحمية أو تطويرها".

وأضاف: "بشكل عام تتعرض الآثار الفلسطينية في فلسطين لاعتداءات متواصلة من قبل الإسرائيليين".

وأوضح جردات أن المؤسسات التعليمية الاسرائيلية تقوم بإجراء تنقيبات ـ وهي غير قانونية بالاستناد الى القانون الدولي على اعتبار انها ارض محتلة ـ كما حدث أن قامت جامعة بارايلان العبرية بإجراء تنقيبات في موقع تبنة.

وأشار إلى أن هذه الجامعة نسجت رواية أن هذا الموقع هو موقع يعود لفترات حضارية في فلسطين للعصر الحديدي، والروماني، واليوناني؛ ولكن نسبت هذا الموقع قد استخدم من قبل اليهود فقط.

وأضاف: "هذه العوائق وهذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تحد من قدرة الجانب الفلسطيني على تطوير هذه المواقع أو النهوض بها أو إدراجها على الخارطة السياحية، وهذا ينعكس أيضا على الحد من النشاطات التي تقوم بها وزارة السياحة والآثار سواء في مجال الحماية أو تطوير هذه المواقع أو تحويلها إلى مواقع سياحية".

وتابع المسؤول الفلسطيني: "وبالرغم من كل هذه المعوقات كلها الا ان هذه المواقع ما زالت تشكل واحدة من اهتمامات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وبعض المؤسسات العاملة في هذا المجال سواء حكومية أو مؤسسات المجتمع المدني والتي تقوم بالعمل على إعداد الدراسات والخرائط لهذه المواقع".

 



وشدد جردات على أن هذه الإعتداءات تجعلهم أمام تحدي في الاستمرار في إحياء هذه المواقع عبر إجراء الدراسات والتدخلات قدر الإمكان بالإضافة الى ترويجها سياحيا وتشجيع الأهالي او السياح من الخارج لزيارة هذه المواقع.

وأشار إلى وجود بعض الدعم من قبل المؤسسات الدولية والمحلية لتثبت هذه المسارات وتهيئها للسير فيها على اعتبار أن منطقة الأودية هي محميات بالأساس للسياحة الراجلة دون المركبات.

وقال: "هذه المحمية تم اتخاذها مقر لأول مستوطنة إسرائيلية أقيمت في المنطقة وتم اتخاذ تدابير من المستوطنين لجعلها بناء استيطاني في فترة ستينيات القرن الماضي".

وأضاف: "مجموعة من رجالات قرية دير أبو مشعل القريبة من المحمية عارضوا هذا البناء الاستيطاني ومنعوا المستوطنين من إتمام ذلك".

وأكد على أن الاعتداءات الإسرائيلية على هذه المحمية والمواقع الاثرية لا تتوقف وتتخذ اشكالا متعددة منها قيام المستوطنين بإطلاق الخنازير البرية الخطيرة في هذه المنطقة لمهاجمة المواطنين الفلسطينيين فيها.

وقال: "كما يقوم المستوطنون بتلويث عيون المياه عبر سيطرتهم عليها وقيامهم بزيارة هذه العيون بشكل مستمر والاستفادة من هذه المياه والسباحة فيها".

وأضاف: "الاقتحامات المتكررة للمستوطنين يتمنع الأهالي الذين يفضلون سياحة المشي من زياتها كونهم يحملون السلاح إضافة الى ان نشاطات جيش الاحتلال تحد من عملية السياحة في المنطقة".

واستطرد قائلا: "بالرغم من ذلك فان هذه المسارات مازالت مستمرة ولم تتوقف رغم كل هذه الاعتداءات والمضايقات وتشكل متنفسا للسياحة الراجلة".

ومن جهته أكد رامي صخر البرغوثي الباحث في التاريخ ان محمية وادي عين الزرقاء تقع على اراضي قرى: دير غسانة، اللبن الغربي، عابود دير بلوط ، بروقين، كفر الديك، وكفرعين، وتنتهي عند حدود الاراضي المحتلة منذ عام 1948م في اراضي بلدة رنتيس حيث تشغل ما مساحة 13,340 دونما .

 

                        رامي صخر البرغوثي الباحث في التاريخ

وأوضح البرغوثي لـ "عربي21" أن هذه المحمية تضم عددا من المواقع الأثرية التي تمثل التراث الحضاري الفلسطيني، مثل: خربة البلاطة، وادي صريدة، وهي بلدة رومانية بيزنطية بها بقايا ابنية ومعاصر وآبار ومدافن وجرون ونقوش في الصخر وتقع ضمن تلة منخفضة الارتفاع تأخذ شكل شبه الجزيرة من خلال احاطتها بمجرى الوادي من ثلاث جهات مما منحها مشهدا خلابا.
 
وتضم المحمية حسب البرغوثي خربة الدوير، وهي بقايا بناء قلعة ومعاصر ومدافن تعلو قمة تلة صغيرة تشرف على الوادي الى الشمال منها ضمن نفس التلة وفي تدرج اعلى تقع خربة زنعر والتي تضم بقايا مبان ومدافن وابار وبركة ماء؛ وكلها تعود للفترة الرومانية البيزنطية. 

وأوضح أن المحمية تضم كذلك خربة القلع، والتي تعلو قمة تلة تقع بين قريتي دير غسانة وكفر الديك، وهي خربة تعود للعصر البرونزي والحديدي، وتضم ابار ومعاصر دائرية ومربعة ومغاور ونقوش في الصخر اضافة الى عدد من المواقع الاثرية المتعددة والتي تنتشر بشكل مبعثر على شكل ابار وبقايا ابنية ومدافن ونقوش في الصخور على شكل جرون.

وأكد أنه يوجد في المحمية عدد من المقامات الدينية والتي تعود لأولياء صالحين، أبرزهم الرفاعي وهو أحد أقطاب الصوفية، وله بناء يعتقد أنه أقيم في مكان استراح فيه الرفاعي حيث كان تعرض لجرح في إحدى المعارك وسال دمه مكان البناء، وكذلك مقام المجدوب وهو بناء يعود للشيخ محمد الرابي وإبراهيم الرابي، كما تضم طاقة الشيخ خالد في العراق الأحمر وهي مصادرة من قبل الاحتلال ضمن مستوطنة "بيت آريه".

وأشار إلى أن المحمية تضم عدد من قصور المناطير والتي استخدمت خلال المواسم الزراعية كما تضم بعض الكبارات لإنتاج الجير.

وشدد على أنه يوجد في المحمية عدد من الكهوف الكارستية القديمة والتي استخدمت على مر تاريخ المنطقة أما للسكن الموسمي "التعزيب" أو لإيواء المواشي والأغنام خاصة مثل مغاور البهاتي "الدعقة"، ومغارة أم البابين التي تشق رأس الجبل ببابين بمسافة ما يقارب الـ25م.

واستعرض الباحث في التاريخ العيون التي توجد في هذه المحمية ومصادر الماء سواء الجوفية مثل مضخة واد صريدة قرب الشاميات أو الأودية الموسمية مثل وادي بني زيد والذي يعتبر من الأودية المهمة تاريخيا حيث شكل الحد الفاصل بين جبال القدس وجبال نابلس كما أنه شكل الحد الفاصل بين الجيش البريطاني والجيش التركي في الحرب العالمية الأولى وشهد معركة كانت من المعارك الفاصلة في الحرب العالمية الأولى وهو وادي غزير في موسم الأمطار ويمتد من واد البلاط قرب عين سينيا إلى وادي صريدا حتى يلتقي برأس العين في فلسطين المحتلة عام 1948.

وأشار إلى أنه يوجد في المحمية الكثير من الينابيع، مثل: عين الزرقاء، عين سابونا، عين الحجر، عين أبو نياق، العين الجديدة، عين أبو ناظم، عين الفوارة، عين مسيتا، عين التفاح، عين الدير، عين قاروص، عين بئر صريدا.. وكلها تقع في السفوح ضمن المحمية.

وأكد عماد الأطرش، المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين على أن الإنسان سكن محمية وادي عين الزرقاء قبل حوالي 300 سنة، مشيرا إلى أن بعض القرى فيها شاهدة على هذه الحياة.

وأوضح أن تسمية هذه المحمية بهذا الإسم "محمية وادي عين الزرقاء"، كونها تعكس اللون الأزرق، لون السماء الطبيعي خلال فترة الصيف.

وأشار الأطرش في حديثه لـ "عربي21" إلى أن المحمية هي عبارة عن مناطق جبلية مع وديان مع وجود منظر مميز وهي تعتبر مصيف للمناطق القريبة لها.

 

             عماد الأطرش، المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين

وقال: "لا توجد عصور طبيعية لهذه المحمية، لأن معظم فلسطين كانت أودية عظيمة بالنسبة للمياه تنبع إما من سلسلة جبال القدس التي تمتد من نابلس إلى الخليل أو سلسلة جبال فلسطين التي تمتد من جبال صفد إلى الخليل، وهي تنبع منها المصادر المائية تتدفق إما على الجهة الشرقية والبرية أو السفوح الغربية المطلة على البحر المتوسط".

وأضاف: "إن ما يميز محمية وادي عين الزرقاء أنها خط مسار لعدة طيور وهي مبيت للطيور المهاجرة خاصة الطيور الحوامة والكبيرة أثناء الهجرات الخريفية، حيث ممكن يمر البجع من فوقها وصولا إلى وادي غزة ثم بحيرة البردويل في مصر وجنوب إفريقيا من خلال البحر الأحمر إلى خليج عدن ثم لجنوب أفريقيا".

وأشار الأطرش إلى أن المحمية تعتبر مأوى للكثير من الطيور وذلك لوجود الماء والخضرة فيها الأمر الذي يشجع هذه الطيور أثناء هجرتها الخريفية أو الربيعية أو بعض الطيور المائية أو المحلقة مثل الصقور والنسور والبجع والقلق والطيور الجارحة أن تعبر منها أو أن تستريح فيها لعدة أيام أو أسابيع.

وأكد أنه يوجد فيها تنوع نباتي طبيعي "نظام البحر المتوسط"، مثل أشجار القطن، الفستق الحلبي، الخروب الزعبور وغيرها، مشيرا إلى أن فيها نسبة أشجار عالية مثل الزيتون، وهي تمتاز بكثرة الينابيع والمياه العذبة.

وشدد الأطرش على أهمية حماية هذه المحمية، مطالبا أن يكون هناك دور للمجتمع المحلي في هذا الأمر.

وقال: "تركزت مشاريع سلطة جودة البيئة مع المنظمات الأهلية مع وجود مشجعين على توثيق الحياة البرية كمصورين وباحثين وموثقين بالعمل على دراسة التنوع الحيوي وتوثيقها، بالإضافة إلى وجود بعض المشاريع الداعمة للمجتمعات المحلية لدورهم في المحافظة عليها".

وأضاف: "هناك نسبة محافظة على المحمية ولكن غير كافية، وكذلك هناك دراسات موجودة ولكن أيضا غير كافية، وهناك تصور لدراسات للمستقبل أتمنى أن تكون كافية لحماية هذه المحمية".


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم