هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشكل باب العمود في المسجد الأقصى تحفة فنية متكاملة تضعه في مقدمة العمارة الدفاعية العثمانية، ليس على صعيد فلسطين فحسب، بل على مستوى الإمبراطورية العثمانية ككل، ليكون بذلك امتدادا للحقب التاريخية السابقة التي شكل فيها الباب شيئا عظيما في حياة المدينة المقدسة.
فقد تم تجديد إنشاء باب العامود سنة (944هـ/1537-1538م)، في عهد السلطان سليمان القانوني، سلطان الخلافة العثمانية آنذاك بحسب النقش التأسيسي الذي يعلوه، بعد أن تعرض للتدمير خلال الحروب المتعاقبة عليه منذ القرن الميلادي الثاني، في حين ظل هذا الباب على مدار السنوات الماضية عنوانا للمقاومة والشهداء والتحدي لكل مستعمر لهذا الأرض المقدسة.
وقال الدكتور نظمي الجُعبة، أستاذ التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت: "إن باب العامود يقع في منتصف السور الشمالي للمسجد الأقصى، وهو أكبر وأعقد وأجمل بوابات القدس العثمانية، بل هو أجمل البوابات العثمانية في كل الإمبراطورية".
وأضاف الجُعبة في حديثه لـ "عربي21": "عرف باب العامود باسم باب دمشق في الفترة العثمانية، وهي التسمية التي تعود إلى الفترة الأموية على أغلب الظن، وهو ما يعرف به حاليا في اللغات الأجنبية (Damascus Gate)، وعرف أيضا بباب القديس اسطفان (St. Stephan Gate) في الفترات البيزنطية والفرنجية وحتى الفترة المملوكية، كما أنه عرف بباب نابلس، في حين أن اسمه في الفترة الرومانية (القرن الثاني الميلادي) كان بوابة المدينة الجديدة (بورتا نيابوليتانا) (Porta Neapolitana)".
نظمي الجعبة أستاذ التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت
وتعود تسمية "باب العمود" بحسب الجُعبة إلى عمود كان ينتصب في الرحبة البيضاوية المعمدة داخل المدينة وتقع أمام الباب مباشرة (من الداخل)، وقد توج العمود المرتفع تمثال الإمبراطور الروماني هدريان/أدريانوس (حكم 117- 138م) الذي أعاد بناء القدس (إيليا كابيتولينا).
وأوضح أن هذا العمود يظهر بشكل جلي على خارطة مادبا البيزنطية (منتصف القرن السادس للميلاد)، ما يؤكد استمرار وجوده في الفترة البيزنطية وأصالة الرواية العربية المحلية وتواصلها حول تسمية الباب "باب العمود".
وقال: "يرد الباب بهذه التسمية أيضا (باب العمود) عند المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (سنة 985م)، ويرد مرة واحدة لدى الجغرافي الإدريسي (سنة 1154م) باسم (باب عامود الغراب)، وهي تسمية لا يعرف سببها، ولا ترد عند غيره، علما بأنه زار المدينة وهي تحت سيطرة الفرنجة".
وأضاف الجُعبة: "على الرغم من تبدل السلالات الحاكمة واللغات الرسمية، إلا أن سكان القدس استمروا حتى اليوم على تسميته (باب العمود)".
وأشار إلى انه من بقايا الفترة الرومانية الثانية (فترة هادريان) يمكن مشاهدة أسفل باب العمود الحالي، وإلى الشرق منه، الجزء الشرقي (الباب الشرقي/الجناح الشرقي) وهو جزء من باب ثلاثي ضخم شكل بوابة القدس الشمالية في عهد الإمبراطور هادريان، وقد بني على شكل بوابة نصر، عندما أعاد هادريان بناء المدينة التي دمرها طيطس القائد العسكري الروماني سنة 70م".
وقال: "سمى هدريان المدينة كما هو معروف (إيليا كابيتولينا)، وجعل هذه البوابة من ثلاثة مداخل أكبرها الأوسط، ولم يظهر باقي الباب بعد، ويعتقد بأن جزءاً منه مازال مدفونا تحت الباب الحالي، حيث أن الباب الأوسط كان مرتفعا جدا، بالمقارنة مع البابين الشرقي والغربي، وكشفت الحفريات عن الباب الشرقي كليا، وهو ما يمكن مشاهدته اليوم إلى الشرق من باب العامود، ولكن على عمق حوالي ثمانية أمتار عن مستوى باب العمود الحالي (العثماني)، وهو بحالة ممتازة، ومنه يمكن الدخول بضع عشرات من الأمتار إلى داخل المدينة بمستواها كما كانت عليه في الفترة الرومانية الثانية (القرن الثاني الميلادي)، حيث حول الموقع إلى متحف، الذي يضم أيضا جزءا من الساحة البيضاوية، ومازال البلاط الأرضي الهادرياني في مكانه، ويمكن مشاهدة ألعاب محفورة في البلاط، يبدو أن حراس الباب من الجنود الرومان حفروها للعب".
وأضاف: "بلغ عرض الباب الرئيس (الفتحة الوسطى) 5.5م، أما عرض كل من الباب الشرقي والغربي، فبلغت 2.4م. وكان الباب الأوسط يستعمل لمرور العربات لذلك فهو الأعرض، في حين استعمل كل من الباب الشرقي والباب الغربي لمرور المشاة".
وتابع: "خلال الفترة البيزنطية، يبدو بأن تركيبة الباب لم تتغير، لكن أجزاء منه استخدمت كمعصرة للزيت، كما ظهر الأمر في الحفريات الأثرية، وتم تقسيم كل برج إلى طبقتين، مما يعني أن الضرورة لاستخدام كامل مبنى البوابة للمرور والمراقبة قد انتفت جزئيا، مما فتح الباب إلى استخدام جزء من مبنى البوابة لاستخدامات أخرى".
وأوضح أستاذ الآثار والتاريخ انه يمكن الاستدلال على الباب في الفترة البيزنطية من خلال خارطة مادبا، حيث يظهر بكل تجلياته، كما كان عليه أيام الإمبراطور هادريان، أما في الفترة الأموية ووصولا إلى فترة الفرنجة، فلم يجري أي تغيير كبير على الباب الثلاثي.
وعن باب العمود في فترة الفرنجة فقال الجُعبة: "إن الأمر يعتريه الغموض بعض الشيء، لكن من المعتقد بأن جزءاً من الباب الروماني حول خلال فترة الفرنجة إلى كنيسة صغيرة (كنيسة السيدة مريم الصليبية)".
وأضاف: "يبدو أن الباب الفرنجي بني على ارتفاع أعلى من مستوى الباب الروماني، أي أنه تم التوقف عن استعمال الباب الروماني الثلاثي، كما تم رفع مستوى الباب إلى مستوى يقارب المستوى الحالي لباب العمود، وأغلب الظن بني باب على شاكلة الطراز الإفرنجي (الرومانيسك)، وقد جاء هذا الرفع بشكل عام بالتوافق مع الارتفاع التدريجي في مستوى غالبية أجزاء المدينة، ومن ضمنها منطقة باب العمود".
وأوضح أن باب العامود العثماني جاء نتيجة للمخطط التفصيلي الذي وضع مسبقا لأسوار المدينة، بناء على أمر السلطان سليمان القانوني، وهو بداية المحور المركزي الذي يقطع المدينة من الشمال إلى الجنوب، كما أنه يربط القدس بعمقها الحضاري والجغرافي والإداري دمشق، وبأحد مدن فلسطين الرئيسية نابلس، فلا غرابة أن اعتبر "بوابة القدس" الأساس، وأحد رموزها.
وجاء بناء الباب حسب الجعبة سنة (944هـ/1537-1538م)، وذلك اعتمادا على النقش التأسيسي الذي يعلوه، ولم يعد كله مقروءا بشكل واضح بسبب تآكله، وينص النقش، المكتوب على سطرين: "أمر بإنشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم سلطان الروم والعرب والعجم/ سليمان خان خلد الله ملكه وسـلطانه في سنة أربع وأربعين وتسعمائة".
وقال: "الباب بالرغم من اتصاله بالسور وتشكيله معه وحدة معمارية واحدة، لكن يجب النظر إليه كمبنى مستقل، حيث يبلغ طول المبنى حوالي 42م، وارتفاعه من قاعدة الباب (المستوى العثماني) إلى قمته حوالي 17م، دون الشرفات المسننة، التي تربطه بصريا بباقي السور".
وأضاف: "الباب كغيره من أجزاء السور، مبني من الحجر الجيري المقدسي، وتقسم الحجارة من ناحية الشكل والحجم إلى عدة مجموعات تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، بعضها روماني، خاصة في الصفوف الأولى الدنيا وعددها ثمانية مداميك، والتي تقع دون المستوى الحالي للباب حيث تتسم بالضخامة وحسن التهذيب، وتعود إلى فترة هادريان (القرن الثاني للميلاد)، وبعضها الآخر إفرنجي وأيوبي تتسم ببروزها الواضح (طبزة نافرة)، في حين أن المداميك العليا هي من دقاقة الفترة العثمانية، وتتشكل من حجارة متوسطة الحجم وحتى صغيرة، وحسنة التهذيب أيضا".
وأوضح أن فتحة الباب من الخارج (الواجهة الشمالية) تتكون من فتحة كبيرة، يعلوها قوس مدبب في قمته زخرفة بارزة ومستديرة تتوج القوس، محاطة بإطار من المتكسرات (zigzag) الضحلة، وفوق قمة القوس المدبب بالضبط (على ارتفاع حوالي 0.80م) هناك شباك مشرف على الباب تعلوه المقرنصات العثمانية الضحلة.
وأشار إلى انه وعلى جانبي فتحة الباب برجان (بشكل نصف مسدس) ضخمان متقدمان على امتداد السور بما يزيد على ستة أمتار، لإتاحة أوسع مسافة للرؤية والدفاع عن الباب، علاوة على إبراز الضخامة والعظمة والقوة على مبنى الباب، لإضفاء البعد التمثيلي الملكي عليه.
وقال الجُعبة: "من الواضح بأن المخطط العثماني اتبع في تخطيط البرجين الأساسات الرومانية، والتي يبدو أنها قد احتوت أيضا على أبراج سداسية الشكل وبنفس الأبعاد، حيث يمكن استقراء هذا الأمر من المداميك السفلية (الرومانية)".
وأضاف: "فتحة الباب ترتد قليلا عن السور بمسافة تزيد بعض الشيء على ستة أمتار (هي نفس مسافة بروز الأبراج)، وتراجع فتحة الباب عن البرجين يتم عبر زاوية منفرجة بدرجة تصل إلى حوالي 110 درجات".
وأوضح الجعبة أن مبنى الباب من الخارج يحتوي على العديد من الزخارف الحجرية (النفائر/دسكات/مداليات) بأشكال نباتية وهندسية، ويوجد وبين قوس الباب الخارجي وارتداد الباب (تجويفة الباب)، تفتح سقاطات الزيت، للدفاع عن الباب في حال تعرضه للهجوم، وقمة مبنى الباب عبارة عن شرفات (مسننات)، كتلك المنتشرة على امتداد قمة السور تدمجه مع باقي السور بصريا وعمليا، وتتخللها مزاغل (مرامي) للأسهم والبارود.
وقال: "الباب الخشبي المزدوج القائم اليوم، عبارة عن درفتين مصفحتين بألواح حديدية مثبتة بمسامير حديدية مشكلة تعبيرات هندسية، من الممكن أن يكون هو الباب العثماني الأصلي، وإن لم يكن كذلك فهو على شاكلته تماما، لكن كل الدلائل تشير إلى أنه الباب أصلي ويعود إلى فترة سليمان القانوني".
وأضاف: "تقود فتحة الباب إلى مدخل عبر عتب، ومن ثم إلى قاعة مربعة الشكل تقريبا (الدركاه) بعمق حوالي 5.70م، مسقوفة بعقد مروحي الشكل متوج بقبة ضحلة ترتكز على رقبة مثمنة الشكل فيها شبابيك تتيح المجال لإضاءة القاعة، وفي أعلى الجدار الغربي لهذه القاعة هناك زخرفة كتابية عربية جميلة تنص على: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، في زواياها الأربعة زخارف نباتية عبارة عن زهرة ووريقات".
وتابع: "في هذه القاعة فتحة باب تتجه إلى الغرب وتقود إلى البرج الغربي المتهدم من الداخل، وتؤدي أيضا إلى ساحة لتجميع الجند أو لاستعمالات إدارية أخرى. وفي الطرف الجنوبي للقاعة، هناك ارتداد (تجويف) بعمق أقل من مترين، يتيح المجال لعسكرة مجموعة من الجنود للدفاع عن الباب، أو لجلوس ممثلي حاكم المدينة لجباية المكوس على البضائع أو لأية أغراض إدارية أو أمنية أخرى".
وأوضح الجُعبة أن الباب يستمر بزاوية قائمة باتجاه الشرق ليشكل قاعة واسعة، بحجم السابقة تقريبا، تمتد من الغرب إلى الشرق متعامدة مع القاعة الأولى، وبعدها ينحرف مبنى الباب مرة أخرى بزاوية قائمة باتجاه الجنوب، ويقود بدوره إلى قاعة إضافية مستطيلة معقودة بعقدين متقاطعين متصلين (دركاة ثانية) تمتد من الشمال إلى الجنوب بأطوال تصل إلى أكثر من 13 مترا طولا، وبعرض يزيد على 6 أمتار، وفي هذه الدركاة مجموعة أخرى من الحنيات المرتدة بعمق يزيد على المتر عن جدران القاعة متيحة المجال إلى المزيد من اصطفاف الجنود دون الإضرار بحركة المارة.
ونوه إلى انه في منتصف الجدار الشرقي للدركاه الثانية، هناك باب يقود إلى قاعة واسعة تؤدي إلى البرج الشرقي. والقاعة الأخيرة (الدركاه الثانية) تقود إلى داخل المدينة، حيث تفتح باتجاه الساحة الداخلية لباب العمود. وهناك أساس كاف للاعتقاد بأن البوابة الثانية، التي تفتح باتجاه داخل المدينة، كانت تغلق ببابين أحدهما في النهاية الجنوبية والآخر في النهاية الشمالية لها، حيث يمكن مشاهدة المفاصل المحفورة في أعلى فتحة الباب، وهو باب يتيح الإمكانية لدعم الباب الأول حين الحاجة، ويؤمن إغلاق المدينة من الداخل حين يكون الخطر داخليا وليس خارجيا.
وقال أستاذ التاريخ والآثار: "بهذه التشكيلة الدفاعية، كان من الممكن تحويل الباب بأجزائه المختلفة إلى قلعة مغلقة لحراس المدينة حين الضرورة، بحيث لا يمكن الوصول إليها من داخل المدينة أو من خارجها، مما يدلل على إمكانية عسكرة عدد كبير من الجنود في المكونات المختلفة للباب، هذا عدا عن سهولة وسرعة اتصاله بأبراج الباب وسور المدينة، وبهذا فإن مبنى الباب بما فيه سطحه الواسع يتحول إلى قلعة صغيرة محكمة الإغلاق، ويمكن إطلاق عليه اسم (قلعة باب العامود)".
وأضاف: "يشكل سطح الباب مساحة كبيرة تتيح المجال إلى المزيد من الاستعمالات العسكرية، سواء تجمع الجند أو نصب المدافع والإطلال على داخل المدينة وخارجها، علاوة على تخزين الأسلحة والذخائر وغرف لإقامة الجند في البرجين، أو لأية استعمالات إدارية ذات علاقة بالتحكم بالمدينة وتدقيق الداخلين إليها والخارجين منها، لما احتوته على الكثير من الفراغات".
وتابع: "الشكل الجميل والمعقد والمحصن للباب لا ينتهي عند هذا الحد، حيث أن هناك واجهة داخلية (جنوبية)، فيها قوسين مدببين، يشبها الخارجيين، أحدهما خارجي والآخر مرتد، وكل قوس منهما معقود بصنج (قمط) محاطة بزخارف غائرة ونافرة. ويستند القوس الخارجي إلى عامودين متوجين بتاجين مدمجين".
وشدد الجعبة على أن مبنى باب العمود يحتوي على كل الأشكال المعمارية والزخرفية المنتشرة في الأسوار العثمانية في القدس: أبراج، طاقات، منصات مدافع، شرفات، زخارف نافرة، زخارف غائرة، مسننات، صنج معشقة، سقاطات زيت، عتبات، درفات أبواب مصفحة بالحديد، مزاغل، عقود متقاطعة، عقود مروحية، قبة ضحلة، مقرنصات متراجعة، أعمدة وتيجان مدمجة، إلخ، مما يحول مبنى الباب إلى أكثر المناطق إثارة في السور، وهو ملخصا وممثلا لسمات العمارة العثمانية في القدس ككل، بل هو تظاهرة معمارية للسلطة العثمانية فيها.
وقال: "إن هذه التركيبة العسكرية للباب، علاوة على مجموعة الحنيات المتوفرة داخل المبنى، تساهم في تشكيل الدفاعات العسكرية المختلفة الضرورية للدفاع عن الباب المركزي للمدينة، كما تتيح لإدارة المدينة السيطرة على الحركة الاقتصادية وضبط الأمن الداخلي".
وأضاف: "يشكل باب العمود تحفة فنية متكاملة تضعه في مقدمة العمارة الدفاعية العثمانية، ليس على صعيد فلسطين وحسب، بل على مستوى الإمبراطورية العثمانية ككل، وهذا يقود إلى الاستنتاج أن الباب استنزف فعلا جهدا وتخطيطا مميزين، وكأن الرسالة العثمانية حول الموقف من القدس تجسدت وتلخصت في هذا الباب، ولهذا جرى الاعتقاد بأن المهندس البارع الذي قام بتصميمه لا بد أن يكون أشهر معماري الفترة العثمانية وهو سنان باشا، الأمر الذي لا يمكن نفيه أو تأكيده بناء على المصادر التاريخية، لكن يجب عدم إغلاق باب نقاش هذا الأمر".
وتابع: "أما التشكيلات المعمارية والمدرجات المختلفة التي يمكن مشاهدتها اليوم خارج باب العمود، فجاءت نتيجة لمشاريع تأهيل للساحات خلال العقد الثامن من القرن العشرين".
وأشار الجُعبة إلى أن المنطقة التي تقع خارج باب العمود، وحتى العام 1967م، فقد بقية ساحة تصطف فيها السيارات المتجهة إلى عمان وبغداد والكويت ودمشق والرياض وبيروت، وهي مسألة انتهت بالاحتلال الإسرائيلي وفصل القدس عن العالم العربي. كما اصطفت بالقرب من باب العمود الحافلات المتجهة إلى بيت لحم والخليل ورام الله وأريحا ونابلس، وهي مسألة انتهت أيضا بعزل القدس عن باقي الضفة الغربية بدءاً بالعام 1993م وتوجت بإنشاء جدار الفصل العنصري الذي عزل القدس كليا عن باقي الضفة الغربية.
ومن جهته حذر أحمد الرويضي، مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس من أن الاحتلال الإسرائيلي يريد تغيير المشهد في مدينة القدس كمدينة عربية إسلامية مسيحية وصناعة مدينة بإرث يهودي مصطنع، وان باب العمود احد أهدافه لإدراكه أهمية هذا الباب بالنسبة للعرب والمسلمين على مدار التاريخ.
أحمد الرويضي.. مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس
وقال الرويضي لـ "عربي21": "يعمل الاحتلال الإسرائيلي على اعدد مخططات تغير من شكل مدينة القدس، ويركز بشكل أساسي على محيط البلدة القديمة؛ بدء من باب الخليل حتى منطقة باب المغاربة وباب الأسباط وباب العامود وباب الساهرة، كذلك هناك مشروع مركز المدينة في شارع صلاح الدين شارع الزهراء وهو من أهم الشوارع الحيوية في المدينة المقدسة".
وأضاف: "الحكومة الإسرائيلية تسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني في مدينة القدس وفرض السيادة اليهودية، وتعمل على تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وذلك من خلال ملاحقة النشطاء وإغلاق المؤسسات المقدسية وربطها بالمؤسسات بالإسرائيلية وزرع مراكز جماهيرية لها علاقة في رؤية إسرائيلية بعيدا عن الرؤية الفلسطينية".
وحذر المسئول الفلسطيني من أن الاحتلال يريد أن ينهي الوصاية الأردنية على المقدسات من اجل أن يسهل له مصادرة الأوقاف الإسلامية والمسحية والسيطرة عليها، واستخدام القدس في صراع سياسي.
وأشار إلي أن هناك مشروع "وادي السيليكون" الذي يهدف لإزالة 200محل تجاري وبناء مشاريع مصالح وفنادق اقتصادية إضافة لذلك المسار التوراتي من الشيخ جراح مرورا بوادي الجوز في حي سلوان حتى منطقة جوز عناب بباب العامود ومتاحف دينية ومطاعم تخدم 3 مليون يهودي يزورون المدينة.
وقال الرويضي: "لأجل ذلك يقوم الاحتلال بتهجير السكان في منطقة باب العامود والحفريات تحت المسجد الأقصى وسيطرة على الأراضي وأجزاء من المقبرة اليوسفية ومقبرة باب الرحمة".
وأضاف: "ما يعطل مخططهم هو تهجير الناس لذلك يتبعون سياسة التهجير القسري ورفع قضايا ضد الناس للاستيلاء على منازلهم، وهذا الموضوع يسموه الحوض الوطني المقدس ونشروه في مخطط 2020م، وهناك ومخطط 2050م لنقل كل دوائر الاحتلال الإسرائيلي من البلدية من الوزارات الإسرائيلية المختلفة والحدائق والتي لها علاقة بتهجير الناس".
وشدد الرويضي أن أي تغيير في شكل المدينة المقدسة لن ينجح بسبب الوجود الفلسطيني والإصرار الوطني الفلسطيني الموجود في القدس وإفشال مشاريعه في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وحي سلوان لذلك يعمل الاحتلال على إيجاد غطاء قانوني حتى يظهر أنه يسسيرر بشكل قانوني".
وقال: "سنواصل مواجهتنا الشعبية والقانونية والحراك السياسي لدعم المقدسيين وصمودهم أمام ما يتعرضون له في ظل قيام الحكومة الإسرائيلية بتفريغ الأرض من سكانها وإنهاء الوصاية الأردنية على مدينة القدس".
وشددت الإعلامية المقدسية آمال مراد على أنهم يحاولون باستمرار إبراز الانتهاكات الإسرائيلية بحق مدينة القدس بشكل عام وما يحدث في ساحة باب العمود بشكل خاص والتي تحولت إلى ساحة مركزية للفعاليات الفلسطينية.
آمال مراد.. إعلامية فلسطينية
وقال مراد لـ "عربي21": "الإعلامي المقدسي يجترح كل السبل والوسائل لإبراز جرائم الاحتلال في مدينة القدس بشكل عام والمسجد الأقصى وساحة باب العمود بشكل خاص والتي تحولت مؤخرا لساحة للفعاليات لا سيما خلال التصدي لمسيرة الأعلام في أيار/ مايو الماضي".
وأضافت: "الإعلامي المقدسي بات عاملا مهما في الدفاع عن المدينة المقدسة ومسجدها، في ظل ما يقترفه المحتل من انتهاكات تخطت المعقول".
وشددت على أن المواقع الأثرية وفي مقدمتها باب العامود لها أهمية كبيرة لديهم، مؤكدة أن الإعلامي المقدسي من خلال وسائل الإعلام المختلفة يبرز هذه القضية باستمرار برغم ما يعانيه من معيقات.
وقالت: "الإعلام الفلسطيني له الدور الأول في تصدير قضية الآثار إلى الرأي العام، عبر كل الوسائل الإعلامية والعربية والدولية التي تعمل في فلسطين، وكذلك في وسائل الإعلام المحلية، لكنه وبفعل ممارسات الاحتلال لم يتمكن حتى يومنا هذا من أداء مهمته بالشكل المطلوب بسبب عرقلة الاحتلال ومنعه وسائل الإعلام في كثير من الأحيان من الوصول إلى المواقع الأثرية مثل مواقع أثرية مهمة في مدن: القدس والخليل وسبسطية وبيت لحم، ونابلس، وبالتالي فإن الرواية الفلسطينية ضعيفة وغير مكتملة، لكن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة خير دليل على ذلك".
وأضافت: "الاحتلال يتبع خطة ممنهجة للتخويف والتعذيب وعدم الاقتراب من هذه المواقع، بل يصل بنا الحال إلى الاعتقال والضرب والسحل والقتل بنيران المحتل الإسرائيلي، في سبيل عدم اقترابنا أو حتى تغطيتنا الصحفية للأحداث التي تدور فيها وحولها، كذلك هو يضع صعوبات مثل الحواجز والجدار والمنع من وصولنا إلى هذه الأماكن بالإضافة إلى التهديد والوعيد".
واعتبرت أن ما يقوم به الاحتلال يصب في خدمته الاستعمارية وحرف الرواية لصالحها، مستدركة بالقول لكن الاحتلال فشل في كل محاولته وكل مخططاتها وكل جرائمه من عرض الرواية الفلسطينية لأصحاب الأرض.
واستعرضت مراد أبرز دوافع الاحتلال لهذه السياسية وهي سلب المزيد من الأرض والمقدرات الأثرية، ونسب المواقع الأثرية له بالسطو وسرقة المزيد من المواقع والأماكن الأثرية والدينية سعيا منه لتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتراثهم وهويتهم عبر التاريخ.
واعتبرت أن الإعلام وحده لا يمكنه مواجهة مخططات الاحتلال في الحفاظ على الآثار بشكل عام وباب العمود بالقدس المحتلة بشكل خاص، في ظل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من حرب شعواء على الحجر والبشر.
وطالبت الإعلامية المقدسية بجهد رسمي وشعبي أكبر ووضع خطط وبرامج وطنية تنخرط فيها كل القوى والمؤسسات والأحزاب والفصائل، كون المواجهة مباشرة وميدانية مع الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه المختلفة من جيش ومستوطنين ومخابرات.