قضايا وآراء

9 سنوات من الانقلاب.. مصر بين الصدمة والانحدار

ماجدة محفوظ
1300x600
1300x600
نعيش حاليا أجواء الذكري التاسعة للانقلاب العسكري المشؤوم في 3 تموز/ يوليو 2013، الذي كان انقلابا على إرادة الشعب المصري وثورته التي سطرها شباب هذا الجيل، وهي الصفحة الأكثر إشراقا في تاريخ مصر الحديث.

استغلت المؤسسة العسكرية التي استمرت في حكم مصر عقيدة الصدمة للانقلاب على السلطة التشريعية، وافتعلت أزمات متتالية، ساعدت أذرعها الإعلامية في تسويقها، ودعمتها القرارات والتصريحات الخاطئة للرئيس مرسي، والتنازع بين القوي السياسية والثورية.

في كتابها "عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث"، تكشف المؤلفة الكندية ناعومي كلاين، السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبّقة من قبل المؤسسات المالية الكبرى والدول الرأسمالية الغربية، لتمرير سياسات كرها، أو حتى طوعا من خلال العملاء والوكلاء، على شعوبها، مستفيدة مما جاء في النظرية التي ابتدعها الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، أستاذ الاقتصاد الشهير بجامعة شيكاغو.
استغلت المؤسسة العسكرية التي استمرت في حكم مصر عقيدة الصدمة للانقلاب على السلطة التشريعية، وافتعلت أزمات متتالية، ساعدت أذرعها الإعلامية في تسويقها، ودعمتها القرارات والتصريحات الخاطئة للرئيس مرسي، والتنازع بين القوي السياسية والثورية.

تلك السياسات المبنية على الاستفادة من الأزمات أو الكوارث التي تمر بها الشعوب، سواء كانت طبيعية، قدرية أو مفتعلة، لتمرير سياسات من شأنها أن تخدم طبقة بعينها وتتجاهل حقوق الشعوب، لتزداد هذه الطبقة ثراء وتسقط الشعوب في البؤس والفقر.

يكشف الكتاب أن عقيدة الصدمة هي أحد أهم الاستراتيجيات السياسية التي توظف الأزمات واسعة النطاق، لفرض سياسات تعمق الفوارق الاجتماعية وتزيد من ثراء النخب وتفقر جميع الآخرين، وذلك لأنه في لحظات الأزمات يركز الناس على الأولويات المرتبطة بضمان شروط البقاء، ويميلون لمنح ثقة زائدة لمن هم في السلطة.

هذه الاستراتيجية (عقيدة الصدمة) أُجريت عيها أبحاث من قبل عدة دول، واستخدمتها المؤسسة العسكرية لحكم مصر والانقلاب على الثورة، ثم بعد ذلك تمرير سياسات دمرت مصر عاما بعد عام على مدار تسع سنوات من حكم الجنرال السيسي.

تعتبر ثورة يناير هي الصدمة الوحيدة القدرية التي قام بها الشعب المصري، وأثرت على المؤسسة العسكرية ونجحت في خلع رئيسها وإجبارها على التراجع خطوة للوراء. لكن دولة الضباط، استعادت قدرتها على التخطيط سريعا للانقلاب على الثورة والانتقام من الثوار.

وكعادتها ودون بذل كثير من الجهد، باستخدام عقيدة الصدمة، احتالت على الشعب المصري؛ أولا بالتودد إليه بدءا من مشهد التحية العسكرية، والتزلف لشباب الثورة في سلسلة من اللقاءات شارك فيها المشير طنطاوي وجنراله المفضل السيسي؛ الذي حرص على كيل المديح لهم ونقد مبارك ونظامه، لكنه لم ينس نظرية فرق تسد، فاستُثني البعض منهم، لينقلبوا بعضهم على بعض.
تعتبر ثورة يناير هي الصدمة الوحيدة القدرية التي قام بها الشعب المصري، وأثرت على المؤسسة العسكرية ونجحت في خلع رئيسها وإجبارها على التراجع خطوة للوراء. لكن دولة الضباط، استعادت قدرتها على التخطيط سريعا للانقلاب على الثورة والانتقام من الثوار

بدأ المجلس العسكري خطوته الأولى في زرع الخلاف والاختلاف بين الصف الثوري، لينشغلوا بكيل الاتهامات وتخوين بعضهم بعضا، وعمّقها ببعض الصور والتصريحات التي تعلي البعض وتنتقص من البعض الآخر.

وأفرط في ارتكاب المجازر بدءا من ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد وغيرها، مستغلا الانقسام لتنفيذ مجازر تمييزية ضد فصيل دون الآخر. ولنا أن نعرف أن جنرالات الجيش هم من أداروا وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة منذ 28 كانون الثاني/ يناير 2011. كل ذلك لإعادة الشعب المصري لبيت طاعة الجنرالات، تحت هول صدمة الدماء التي تسيل يوميا، لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي، إسلامي ومدني، رجل وامرأة، أو حتى صغير وكبير. بل تمادوا في إجرامهم تحت إشراف وبأوامر مباشرة من السيسي شخصيا، فأجروا كشوف العذرية على البنات! تلك الجريمة التي فجرت ثورة منذ ستة قرون في بريطانيا زمن ريتشارد الثاني.

لم يكتف المجلس العسكري بذلك، بل لوّح بفتح ملف التمويل الأجنبي لتخويف نشطاء الثورة والقوى السياسية، ولجأ لخدعة البلد واقفة، وغلفها بدموع التماسيح، ليقنع المصريين بصدق نواياه في تسليم السلطة.

زادت الهوّة بين القوى السياسية بإشراف وتخطيط المجلس العسكري والمخابرات مع بداية المعارك الانتخابية التي بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 آذار/ مارس 2011، ولم يواجه المجلس العسكري الذي أدخل تعديلات عليها أي اعتراض من القوي السياسية والثورية التي عكفت على تخوين بعضها بعضا. وبهذا، أيقن المجلس العسكري أن استراتيجيته والصدمات التي وجهها للمصريين تؤتي ثمارها.

تأزم المشهد المصري بعد صعود تيار الإسلام السياسي للرئاسة وفوزه بالأغلبية البرلمانية، وساعد الإعلام في تأجيج الخلاف بين القوي السياسية الإسلامية منها والمدنية، وتصاعدت لغة الشك وانعدام الثقة.
تأزم المشهد المصري بعد صعود تيار الإسلام السياسي للرئاسة وفوزه بالأغلبية البرلمانية، وساعد الإعلام في تأجيج الخلاف بين القوي السياسية الإسلامية منها والمدنية، وتصاعدت لغة الشك وانعدام الثقة

استفاد الجنرالات من ثقة كل القوى السياسية في السلطة والمعارضة فيهم، فأداروا مع قوى إقليمية بقيادة دولة الإمارات والسعودية المشهد المصري، لتظهر حركة تمرد، وتبدأ دعوات لانتخابات مبكرة، وحشد الشعب المصري لمليونية 30 يونيو (2013)، وسط تهديد مسبق من الجنرال السيسي، وزير الدفاع المفضل للرئيس مرسي، للجميع.

هذا المشهد، صنعه الجنرالات بأزمات في البنزين والكهرباء وارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية، وانعدام الأمن في الشارع المصري، منذ فوز الدكتور مرسي برئاسة مصر، ليستمروا في الاستفادة من استراتيجية عقيدة الصدمة، فيعززوا استحواذهم على السلطة، في حين فشل الرئيس مرسي في قراءة مخططهم، وزاد الأمر سوءا ثقته في السيسي شخصيا، وعدم استيعابه لشركاء الثورة والقوى المدنية الأخرى.

جُهز المسرح لمشهد 3 تموز/ يوليو 2013، والصورة الشهيرة التي توسطها السيسي مع وجود كل القوى، بداية بمؤسستي الأزهر والكنيسة، ليظن المصريون أن المجلس العسكري إنما استجاب لمطالب الشعب وليس لأطماعه في السلطة، وسانده في هذه المسرحية الإعلام المصري.

لم ينتظر العسكر كثيرا ليصدموا المصريين بمجازر جديدة قياسية ونوعية! منها مجزرة الحرس الجمهوري فجر 8 تموز/ يوليو 2013، ليُقتل 200 مواطن مصري وهم يؤدون صلاة الفجر! كانت صدمة كبيرة، لم يتوقف بعدها المجلس العسكري، بل اعتبر هذه المجزرة بروفة لمجزرتي رابعة والنهضة في 14 آب/ أغسطس 2014، ليقتل آلافا من المصريين ويمثل بجثثهم، ويلقي القبض على عشرات آلاف المصريين، في استنساخ لتجربة الديكتاتور بينوشيه في تشيلي عام 1973.

صدمة الانقلاب والحرب على المطالبين بالشرعية، تلتها صدمة الرعب والترهيب باعتقال عشرات الآلاف أمام الناس، ثم أخذهم إلى المعتقلات حيث التعذيب والتنكيل في الاستجواب، لفرض مزيد من الرهبة والخوف على المصريين.
اعتقد بينوشيه كما اعتقد غيره من الديكتاتوريين أن سلطته دائمة والصدمات التي يسلطها على شعبه قادرة على ضبطه، وارتباطه بطبقة الرأسماليين الأمريكيين وغيرهم هو خير سند له، وكذلك يفعل السيسي

تلا ذلك الصدمة الاقتصادية، وبدأها بالاغتيال المعنوي لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، بالاعتداء عليه وسجنه، ليكون عبرة لمن تسول له نفسه فتح ملفات الفساد. وبدأ مسلسل رفع الدعم وزيادة الأسعار وفرض ضرائب جديدة وغلق المصانع وتسريح العمال، وغيرها من السياسات الاقتصادية الكارثية. ولم تنفع المساعدات التي انهالت على السيسي من الخليج ولا القروض التي وصلت حد 144 مليار دولار في تحسين أحوال المواطن المصري، ذلك لأن رأسمالية الكوارث تستفيد منها طبقة معينة، لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر وتضاعف البطالة وتقليص الخدمات.

والصدمة الثالثة والمستمرة، كانت صدمة الاعتقال والتعذيب والقهر أو حتى القتل؛ لكل من لا يستجيب أو يعترض على الإجراءات الاقتصادية الجديدة، أو تسول له نفسه الشكوى منها. والدوائر القضائية التي أشرف على تجهيزها الجنرال السيسي شخصيا جاهزة للجميع.

اعتقد بينوشيه كما اعتقد غيره من الديكتاتوريين أن سلطته دائمة والصدمات التي يسلطها على شعبه قادرة على ضبطه، وارتباطه بطبقة الرأسماليين الأمريكيين وغيرهم هو خير سند له، وكذلك يفعل السيسي.

لكن التاريخ لا يكذب، وغير ما يتصور البعض يتكرر بصورة كبيرة، وكما خرج الشعب التشيلي على بينوشيه، سيفعل الشعب المصري، وكما ذهب بينوشيه سيذهب السيسي يوما ما، ولعله قريب.
التعليقات (0)