قضايا وآراء

القمة المصرية الأوروبية.. تحالف المصالح على أنقاض القيم

ماجدة محفوظ
"تتحول أوروبا من شريك في القيم إلى شريك في التغطية على الانتهاكات، باسم الواقعية السياسية"-الرئاسة المصرية
"تتحول أوروبا من شريك في القيم إلى شريك في التغطية على الانتهاكات، باسم الواقعية السياسية"-الرئاسة المصرية
فيما يصفها الإعلام المصري الرسمي بأنها "قمة تاريخية"، يراها كثير من المراقبين في الداخل والخارج حلقة من مسلسل تلميع نظام فاقد للشرعية، وصفقة جديدة لتبادل المصالح بين نظام السيسي والاتحاد الأوروبي، يغيب عنها صوت الشعب المصري.

شرعية تُشترى.. واستقرار يُباع

منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، يسعى النظام المصري إلى تثبيت شرعيته خارجيا عبر الشراكات مع القوى الكبرى، فيما تُستخدم شعارات "الاستقرار ومحاربة الإرهاب" لتبرير قمع غير مسبوق، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل مصر.

القمة الأخيرة في بروكسل لم تكن استثناء، فالاتحاد الأوروبي يريد من القاهرة أن تكون حارسا لحدوده الجنوبية ومكبحا لتدفق المهاجرين نحو المتوسط، مقابل مليارات جديدة من المساعدات والاستثمارات التي لا تصل أبدا إلى جيوب المصريين، بل تُضَخّ في مشروعات لا تخلق تنمية حقيقية ولا عدالة اجتماعية.

الاتحاد الأوروبي يريد من القاهرة أن تكون حارسا لحدوده الجنوبية ومكبحا لتدفق المهاجرين نحو المتوسط، مقابل مليارات جديدة من المساعدات والاستثمارات

ديون أسطورية واقتصاد يترنح

مصر مفلسة بديون تبتلع المستقبل منذ وصول السيسي إلى الحكم، بعد تضاعف الدين الخارجي أكثر من 5 مرات، وتهاوي الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، فيما يعيش أكثر من 60 في المئة من المصريين تحت خط الفقر أو على حافته، ومع ذلك لا يتحدث الاتحاد الأوروبي عن إصلاح أو محاسبة، بل عن "فرص استثمارية"، وتُقدَّم هذه القمة وكأنها "طوق نجاة" للاقتصاد المصري، لكنها في الحقيقة جرعة تسكين جديدة لنظام لم يتوقف عن الاقتراض دون رؤية تنموية حقيقية، وكأن إنقاذ النظام أهم من إنقاذ الشعب.

يبقي أن الاستثمارات الأوروبية الموعودة ليست سوى دعم مشروط مقابل استمرار مصر في لعب دور "شرطي الحدود" عن القارة العجوز، التي في المقابل تصمت على انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام السيسي بحق الشعب المصري.

ففي الوقت الذي يقبع أكثر من 70 ألف مصري في السجون بتهم سياسية، ويتعرضون لتعذيب ممنهج ووحشي وفقا لتقارير الاتحاد الأوروبي نفسه، وتُغلَق الصحف، ويُكمم الإعلام، وتُصادر الأحزاب والنقابات، لم نسمع في بياناتهم الختامية أي إشارة إلى المعتقلين أو حرية الصحافة أو المحاكمات العادلة.

وهكذا تتحول أوروبا من "شريك في القيم" إلى شريك في التغطية على الانتهاكات، باسم الواقعية السياسية ومصالح الطاقة والهجرة، لتبقي حقوق الإنسان الضحية الدائمة.

مصر التي كانت.. والدور الذي ضاع
في مصر نظام يبحث عن شرعية مفقودة، واتحاد أوروبي يبحث عن شريكٍ يوقف المهاجرين عند بوابة المتوسط، ولو كان الثمن هو التغاضي عن مأساة شعبٍ بأكمله

تحوّلت مصر من دولة إقليمية فاعلة إلى تابعٍ سياسي واقتصادي، يُستخدم كورقة ضغط في ملفات غزة وليبيا والسودان. القمة لن تعيد لمصر دورها الإقليمي، بل رسّخت تبعيتها تحت عنوان "الشراكة الاستراتيجية".

يبدو أن الاتحاد الأوروبي -الذي بنى هويته على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان- اختار مصالحه على مبادئه. فهل أصبحت حقوق الإنسان سلعة تفاوض تُمنح أو تُسحب حسب درجة الولاء السياسي؟

وختاما، في مصر نظام يبحث عن شرعية مفقودة، واتحاد أوروبي يبحث عن شريكٍ يوقف المهاجرين عند بوابة المتوسط، ولو كان الثمن هو التغاضي عن مأساة شعبٍ بأكمله لن تكون قمة تاريخية، فالتاريخ لا يُكتب بالبيانات المشتركة ولا بالصور البروتوكولية، بل بصوت الشعوب، وصوت المصريين لم يخمد، حتى وإن حاولوا خنقه بالديون والسجون.

والشعوب لا تنسى، وصوت مصر الحقيقي ليس في قاعات بروكسل، بل في شوارعها المسجونة.
التعليقات (0)