قضايا وآراء

حقوق الإنسان في مصر بين العفو والاعتقال ودعوى الحوار

هبة حسن
1300x600
1300x600
المتابع للشأن المصري، يدرك بسهولة حجم التناقض والازدواجية في سلوك النظام السياسي، ويدرك كذلك عمق الأزمة التي يعاني منها ويواجهها. فالعفو الرئاسي والاعتقال الرئاسي كذلك، والدعوة للحوار السياسي في وقت واحد تعبر عن نظام مضطرب، يتصرف تحت ضغط تفاقم أزمة سياسية -تزيدها ضغوط مجتمع دولي- وأخرى اقتصادية كبيرة لا يجد معها تصرفات متسقة تعبر عن حل لأزمة أو مرحلة جديدة.

فكان حفل إفطار الأسرة المصرية الثلاثاء (26 نيسان/ أبريل)، مناسبة لتوزيع الرسائل على وسائل الإعلام والرأي العام وتوزيع الاتهامات أيضا، بهدف تشتيت الانتباه عمن صنع الأزمات، والبحث عن طرف يتم تحميله وزر ما وصلت إليه البلاد. وعلى هذا، صيغت الرسائل ورسم المشهد بحضور شخصيات ديكورية متنوعة، لتوصيل معان ورسائل مقصودة.
مناسبة لتوزيع الرسائل على وسائل الإعلام والرأي العام وتوزيع الاتهامات أيضا، بهدف تشتيت الانتباه عمن صنع الأزمات، والبحث عن طرف يتم تحميله وزر ما وصلت إليه البلاد. وعلى هذا، صيغت الرسائل ورسم المشهد بحضور شخصيات ديكورية متنوعة، لتوصيل معان ورسائل مقصودة

وقد جاءت بعض الرسائل في المساحة الحقوقية، وتكون المفارقة في أن يعبر السيسي عن فرحته بخروج المعتقلين، وكأن طرفا ثالثا هو من اعتقلهم، وكأن إخلاء السبيل إجراء يصدر حقا بعيدا عن قرارات سيادية!

أما الرسالة الثانية، التي تتحدث عن اتساع الوطن للجميع، وأن اختلاف الرأي لا يفسد للوطن قضية؛ فلا أدري مدى اتساقها مع الاعتقالات المستمرة حتى الأسبوع الأخير، والتي ربما ليس آخرها اعتقال الدكتورة هالة فهمي لإبدائها رأيا مخالفا، ولمجرد أنها تفضح الفساد وتعترض على بيع مقدرات الوطن، كما اعتقلت قبلها صفاء الكوربيجي للسبب نفسه، حتى فرقة "ظرفاء الغلابة" اعتقلوا لمجرد تقديم فيديوهات ساخرة من ارتفاع الأسعار تنفس عن الشعب المطحون.

ثم كانت المساحة الأخيرة في رسائل السيسي بالحديث عن إعادة تشكيل وتفعيل ما تسمى بلجنة العفو الرئاسي، وإعلان شروطها للإفراج عن المعتقلين. والحقيقة أن هذه اللجنة لم تحقق شيئا من معاييرها المعلنة منذ تشكيلها في 2017 بحسب ما نرصده حقوقيا، وكانت دوما في مخرجاتها لا تمثل مطلقا تحقيقا لعدالة حقيقية أو عفو مجرد عن محكومين سياسيين، باستثناء بعض حالات محدودة ممن قاربت محكوميتاهم على الانتهاء. بمعنى أن قرارات العفو في جزء منها شكليه بالأساس، هذا فضلا عن كون المعايير والشروط المعلنة هي بالأساس مرسلة وفضفاضة لا تحقق عفوا ولا عدالة، وتظل مرهونة بمزاج شخصي للنظام، كما كل ما يخص العدالة في مصر منذ سنوات.

ولنخرج من هذه الجدليات، علينا ابتداء أن نتساءل عن الأسباب الحقيقية لاعتقال عشرات الآلاف من المصريين خلال السنوات الأخيرة، دون ارتكابهم عنفا أو تخريبا أو تحريضا عليهما، أو وجود وقائع محددة يستند عليها النظام في اعتقال وإخفاء قسري وتجديد حبس لشهور وسنوات، ثم أحكام تصدر بناء على محاكمات لا تملك أي مقومات للعدالة أو تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه أو إعطائه حق إثبات براءته. ما هو سبب الفعل لنتحدث بعده عن إجراءات استثنائية لإلغائه أو الحصول عن عفو عنه؟!
علينا ابتداء أن نتساءل عن الأسباب الحقيقية لاعتقال عشرات الآلاف من المصريين خلال السنوات الأخيرة، دون ارتكابهم عنفا أو تخريبا أو تحريضا عليهما، أو وجود وقائع محددة يستند عليها النظام في اعتقال وإخفاء قسري وتجديد حبس لشهور وسنوات، ثم أحكام تصدر بناء على محاكمات لا تملك أي مقومات للعدالة

ثم ما هو الضامن بعد حصول البعض على العفو -الإجراء الاستثنائي القائم على مزاج النظام- من عدم تكرار ما حدث مرة أخرى بإعادة اعتقالهم، بعيدا عن تصريحات الوسطاء التي تخرج متحدثة عن شرط العفو بالتزام المفرج عنهم الصمت وعدم انتقاد النظام، فضلا عن اعتقال المئات غيرهم، وهو المستمر يوميا بالفعل؟

وهل يمكننا التحدث عن انفراجة حقيقية وحوار وطني بينما قرارات الاعتقال وقرارات الإخلاء، التي هي اختصاص السلطة القضائية والمفترض أنها تمثل إحدى ثلاث سلطات للدولة، تتم بقرارات من السلطة التنفيذية (أو تحديدا أجهزة الأمن التي تحولت لخصم وحكم)، أو إخلاءات سبيل المحكومين التي تتم بقرارات عفو انتقائية محدودة لإطلاق سراح عشرات يتبعها اعتقال مئات غيرهم؟!

هل يمكن الحديث عن حوار مجتمعي مع نظام لا يخلي سبيل بضعة عشرات ممن اعتقلهم من إعلاميين أو باحثين أو حقوقيين، أو غيرهم من نشطاء لهم رصيد من الدعم الدولي، إلا بعد ضغوط دولية متكررة، بينما غيرهم عشرات الآلاف لا تتحدث عنهم المنظمات ولا يتم ذكرهم، منهم وزراء وعلماء وأساتذة جامعيون وصفوة مجتمع ونخب وطنية، تم تغييبهم ظلما وتمارس ضدهم كل أنواع التعسف المنصوص عليه في حقوق المحتجزين والمحبوسين احتياطيا، والسجناء في مواثيق حقوق الإنسان والقانون المصري ذاته، ولا يحاكمون كذلك أمام القاضي الطبيعي وفي حضور دفاع وشهود في مناخ يحقق العدالة، فالمحاكم استثنائية ومستحدثة وعسكرية.
الحديث عن حوار مجتمعي حقيقي وأسرة مصرية حقيقية، يستوجب الكثير خلاف ما يقوم به النظام المصري من ممارسات، بدءا من اعتقالات وانتهاكات لكل حقوق الإنسان، مرورا بقمع الحريات وتكميم الأفواه والهيمنة على مقدرات البلد واقتصادها، وبيع أصولها لصالح فئة محددة منتفعة أو لسيطرة مؤسسته العسكرية، وصولا لاستعادة الشعب المصري حقوقه

الحديث عن حوار مجتمعي حقيقي وأسرة مصرية حقيقية، يستوجب الكثير خلاف ما يقوم به النظام من ممارسات، بدءا من اعتقالات وانتهاكات لكل حقوق الإنسان، مرورا بقمع الحريات وتكميم الأفواه والهيمنة على مقدرات البلد واقتصادها، وبيع أصولها لصالح فئة محددة منتفعة أو لسيطرة مؤسسته العسكرية، وصولا لاستعادة الشعب المصري حقوقه التي ما كاد يحصل عليها بعد ثورة يناير (عيش حرية وعدالة اجتماعية)، حتى فقدها وانتزعت منه بعد هيمنة هذا النظام على السلطة في 2013.

الحديث عن حوار مجتمعي، يتطلب ابتداء أن يتعامل النظام مع المجتمع بنديَّة حقيقية من منطق المساواة وليس التملك، وأن يحترم انتقاداته ومطالبه بأكثر مما يحترم انتقادات وضغوطات المجتمع الدولي، فربما حين ذاك تحدث انفراجة حقيقية لهذا الوطن.
التعليقات (0)