قضايا وآراء

دروس عربية من الحرب الروسية في أوكرانيا

شريف هلالي
1300x600
1300x600

هل سيكون للغزو الروسي لجارتها وإحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أوكرانيا تأثيره على المواجهة مع أطراف التحالف الغربي وبين روسيا من جهة والصين من جهة أخرى، والذي تأتي خلفياته الأساسية في الرؤية الروسية المضادة للطرف الآخر وحلفائه القائمة على ضرورة تغيير النظام الدولي الحالي الذي يشهد سيطرة للقطب الأمريكي الواحد منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وهدم سور برلين وانتهاء الحرب الباردة في 1991.

وقد سبق ذلك مواجهة أمريكية صينية على المستوى الاقتصادي تصاعدت مع مجيء ترامب، ولا زالت حتى الآن مع تولي بايدن، ويبدو أنها ستتصاعد.
 
في الحقيقة خطاب بوتين الأخير يحمل معاني كبيرة خاصة برفضه تفكك الاتحاد السوفييتي وتوجيه اللوم لتوجه الحزب الشيوعي في سنواته الأخيرة للسماح بانفصال القوميات التي كونت الاتحاد السابق، وأدت للسماح باستقلال هذه الجمهوريات التي باتت ـ كما يراها ـ مخلب قط للطموحات الأوروبية والأمريكية، بعد دخول أغلبها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما تراه روسيا تهديدا لأمنها القومي، خاصة أنها طلبت ضمانات لعدم دخول أوكرانيا للناتو، وهو ما لم تستجب له دول الغرب.

وظني أن هذه الحرب كان يمكن تجنبها لو كانت هناك إرادة دولية لمختلف الأطراف بعقد تسوية سياسية مقبولة، وتجنب الأزمات الإنسانية التي نتجت عنها بلجوء مئات الآلاف إلى الدول المجاورة، لنصبح أمام مأساة إنسانية أخرى.
 
فهل تنجح هذه المواجهة التي توشك أن تصل إلى سياسة حافة الهاوية بين المحورين، لتصل إلى تحقيق بعض المطالب الروسية خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والذي يمكن أن يؤثر على أوروبا بشكل سلبي كبير ويطرح عددا من المخاوف الأمنية الأوروبية؟

من جانب آخر هل ستؤثر المحاولات الروسية والتي تحظى بدعم الصين وعدد آخر من بلدان العالم الثالث على إعادة التوازن في العلاقات الدولية؟
 
وما هي تأثيرات نجاح تلك المحاولات وصداها على مواقف البلدان العربية والشرق الأوسطية؟ هل ستقوم بدعم هذا الموقف حتى وإن كان بشكل غير معلن، باعتبار أنه لا ناقة لها ولا جمل في هذا المشهد؟ (ما حدث من الإمارات بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن ضد الغزو الروسي، وكذلك موقف القيادة العسكرية السودانية الممالئ لروسيا يظهر هذا الجانب). وهل يمكن أن تشارك بعض البلدان العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ العقوبات ضد روسيا في حال استصدار قرارات دولية بهذا المعنى من الجمعية العامة؟

 

هذه الحرب كان يمكن تجنبها لو كانت هناك إرادة دولية لمختلف الأطراف بعقد تسوية سياسية مقبولة، وتجنب الأزمات الإنسانية التي نتجت عنها بلجوء مئات الآلاف إلى الدول المجاورة، لنصبح أمام مأساة إنسانية أخرى.

 



بالطبع كان للوضع الحالي تأثيراته الاقتصادية على بعض الدول سواء بالسلب أو بالإيجاب، خاصة فيما يتعلق بواردات القمح لبعض الدول العربية وارتفاع أسعار البترول.. وفي المقابل قد يؤثر قطع روسيا إمدادات الغاز المصدر لأوروبا عليها خاصة في فصل الشتاء وهو ما تحاول الأخيرة معه الاعتماد على مصادر الغاز الأخرى.
 
وتذكرنا المواجهة الحالية بين المعسكر الغربي وروسيا خاصة بما حدث مع العراق عام 1991 بعد غزو الكويت بسبب خلافات خاصة بالتعامل مع حقول البترول الحدودية مع الفارق بالطبع، في الحجم السياسي لروسيا والعراق، فضلا عن تشابه العلاقة في الحالتين العراقية والروسية بسابقة الارتباط التاريخي والسياسي بالطرف الآخر.
 
وتعيد هذه الأزمة الأخيرة الاعتبار لبعض المفاهيم والدروس لعالمنا العربي خاصة في مجال المواجهة مع إسرائيل وسياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والعالم العربي أهمها:
 
ـ إعادة الاعتبار لمفهوم المقاطعة العربية لإسرائيل والذي سبق أن قررته الجامعة العربية كإحدى الوسائل لعزل وحصار إسرائيل بسبب سياساتها العدوانية، وللأسف تتصاعد موجة التطبيع الرسمي مع إسرائيل بدون ربط ذلك بأي مواقف تؤكد على احترام حقوق الشعب الفلسطيني أو إقامة الدولة الفلسطينية. 

وقد سبق أن أدانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة هذه السياسة العربية. والآن تنتهج هذه الدول نفسها سياسة العقوبات الاقتصادية والمالية التي اعتمدتها لعقاب الجانب الروسي بمقاطعة الشركات الأوروبية والأمريكية الكبرى للتعاملات معه وتقليل الاعتماد على الواردات الروسية لأوروبا خاصة في مجال الطاقة.
 
ـ أيضا تعيد هذه الأزمة بقوة أهمية قيمة العمل الجماعي، والذي يجب تفعيله على المستوى العربي بتطوير الجامعة العربية وتفعيل دورها التنسيقي على المستوى الاقتصادي والسياسي العربي سواء في مواجهة إسرائيل أو بتطوير العلاقات العربية البينية ومحيطها الأفريقي والآسيوي والعالمي. وهو ما تظهره هذه الأزمة من خلال حجم التنسيق الكبير بين أوروبا بأطرافها الفرنسي والألماني والبريطاني، والحليف الأمريكي.
 
 من جانب ثالث أبرزت التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلدان العربية في أعقاب هذا الغزو خاصة في مجال استيراد القمح وتوافد السياحة منهما، بتطوير سياسة اقتصادية وتنموية عربية فعالة لصالح المواطن العربي تعيد الاعتبار لضرورات الاكتفاء الذاتي في مجال السلع الاستراتيجية، وضرورة الاهتمام بالأمن الغذائي العربي. 

 

تعيد هذه الأزمة بقوة أهمية قيمة العمل الجماعي، والذي يجب تفعيله على المستوى العربي بتطوير الجامعة العربية وتفعيل دورها التنسيقي على المستوى الاقتصادي والسياسي العربي سواء في مواجهة إسرائيل أو بتطوير العلاقات العربية البينية ومحيطها الأفريقي والآسيوي والعالمي.

 



أيضا تبرز التوجهات الفردية للبلدان العربية بحل هذه الأزمات بشكل ثنائي بينها وبين بعضها فشلا ذريعا في غياب لسياسة عربية موحدة، لصالح تشكيل سياسات إقليمية قد تتناقض حساباتها بما يؤدي إلى خسارات متوالية.
 
أحد الأسئلة الرئيسية تتعلق بمدى بتأثير الحرب على أوضاع حقوق الإنسان العربي سلبا، خاصة أنها قد تقلل من ضغوط الدول الأوروبية والولايات المتحدة على البلدان العربية، باشتراط احترام حقوق الإنسان، وقد يؤدي الوضع الحالي مستقبلا لانشغال الطرف الأمريكي والأوروبي بمجريات الصراع الدائر سواء في شكله الجزئي بين روسيا وأوكرانيا أو امتداداته الكلية بالمواجهة الروسية الغربية بتفعيل نظام الأمن الأوروبي الجماعي لمساندة أوكرانيا وبلدان شرق أوروبا التي قد تتعرض لتهديدات من خلال بناء مواقف جماعية دولية ضده.

فهل يمكن أن يستفيد العرب وجامعتهم من هذه الدروس المهمة في التفاعل مع الأزمات السياسية والاقتصادية وخاصة على صعيد التعامل مع إسرائيل وفي إبراز دورهم الحيوي إقليميا وفي نفس الوقت احترام إرادة الشعوب وحقوق الإنسان حتى لا تواجه المنطقة شبح الانهيار الداخلي سياسيا واقتصاديا بما ينبئ بموجة أخرى من الربيع العربي تكتسح كل المؤسسات الرسمية العربية؟


التعليقات (0)