قضايا وآراء

ما بعد الزلزال: دبلوماسية الكوارث فاعل جديد في العلاقات الدولية

شريف هلالي
عربي21
عربي21
حفز الزلزال الكبير الذي واجهته كل من تركيا وسوريا مبادرات وجهود الكثير من الدول والمنظمات الشعبية، من خلال تقديم المساعدة ودعم جهود الإغاثة الإنسانية للمتضررين في مدن الجنوب التركي وبشكل أقل في الشمال السوري، التي تعرضت لخسائر فادحة وخلفت آلاف القتلى والمصابين.

وجاءت المساعدات الرسمية من طيف واسع من الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ودول أوروبا، حيث أرسلت فرقا متخصصة من 74 دولة لمساعدة تركيا في عمليات البحث والإنقاذ من تحت الأنقاض، رغم محدوديتها بالمقارنة بما يقدم من دعم إلى أوكرانيا على سبيل المثال.

ويمكن النظر إلى ما حدث بأنه إعادة تدشين جديدة لدبلوماسية الكوارث، وهي التي تنشط في أعقاب الكوارث الطبيعية المختلفة من زلازل أو أعاصير أو تسونامي، كما مورست في وقت سابق أثناء حالة الطوارئ الصحية أثر انتشار وباء كوفيد- 19 في العالم.

فهل يؤدي هذا الحراك لإحداث تغير إيجابي على مستوى العلاقات الدولية وتعزيز العمل الإنساني لمواجهة الكوارث بشكل خاص؟

ونسجل هنا بعض الملاحظات حول ما حدث في أعقاب هذا الزلزال أهمها:

- حضور الفاعل الشعبي بقوة داخل تركيا منذ البداية من جانب المواطنين، والمجتمع العربي المقيم داخلها بالتطوع بشكل فردي، ومن خلال عدد من المنظمات الأهلية والجاليات العربية على حدة وبالتعاون مع المؤسسات الإغاثية التركية بجمع التبرعات والمساعدات وتسيير عدد من القوافل الإنسانية للمناطق المتضررة.

ويذكر أن تركيا وفقاً لتقرير المساعدات الإنسانية العالمية، كانت أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية الرسمية في العالم في عام 2018، والتي بلغت 8.399 مليار دولار أمريكي.

- أن هذا النوع من الدبلوماسية الشعبية والرسمية يرسخ ويؤسس البعد الإنساني بين الشعوب من خلال دعمها لبعضها البعض بمختلف الإمكانيات في اللحظات الصعبة. ويمكن أن يقدم ذلك رسالة إيجابية مهمة في ظل حالة الاستقطاب التي يشهدها النظام الدولي، وتأتي حرب روسيا وأوكرانيا كأحد تجلياتها.

- أن هذه الدبلوماسية يمكن أن تؤدي إلى تنشيط العلاقات الودية والتخفيف من حدة بعض الصراعات البينية بين تركيا وجاراتها التي يوجد بينها صراع سياسي وإرث تاريخي من العداء، وهذا ما حدث بفتح الحدود الأرمينية التركية وتقديم المساعدات من اليونان وأعقبتها تصريحات إيجابية من الأطراف المختلفة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تخفيف التوتر بين تركيا وجاراتها، وينسجم ذلك مع توجه تركي لتصفير المشاكل مع المحيط الإقليمي.

- ينبغي النظر بإيجابية إلى ما قامت به الدبلوماسية العربية بتقديم الدعم السياسي المادي والمعنوي، كما حدث في اللقاء الأخير الذي عقد بين أمير قطر الشيخ تميم أثناء زيارته لتركيا؛ والرئيس رجب أردوغان، وهو ما حدث من بعض الدول الأخرى كالجزائر وتونس والسعودية والأمارات والعراق، وقد يؤدي ذلك لترسيخ التعاون الإقليمي مستقبلا بين العرب وتركيا.

- رغم هذه الإيجابيات يلاحظ حدوث تأخير في التحرك من جانب الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في تقديم المساعدة للمتضررين السوريين بسبب الصراع العسكري بين النظام والمعارضة، بالإضافة إلى إغلاق المنافذ المؤدية باتجاه المناطق المتضررة الخاضعة لسيطرة المعارضة، باستثناء معبر باب الهوى. ورغم محاولات مجلس الأمن بتوسيع هذه المعابر، إلا أنها فشلت بسبب الفيتو الروسي.

بالإضافة لذلك كانت هناك عدد من العقبات التي وضعها النظام السوري بخصوص نقل المساعدات للمناطق المتضررة، وغياب النظام عن تقديم المساعدة لمواطنيه في مناطق المعارضة، والتي لم تبدأ إلا بعد أسبوع من الكارثة.

وبالرغم من وجود إدارة للشئون الإنسانية داخل الأمم المتحدة، إلا أن حركتها اتصفت بالبطء ولم تتخذ موقف سريع وعاجل في إغاثة المتضررين وبشكل خاص في سوريا بسبب غياب البنية التحتية اللازمة للتعامل مع الزلازل، وهو ما يضع عدد من الأسئلة حول أسباب غياب هذا الدور الأممي المهم.

ورغم تراكم الخبرات لدى عدد من الوكالات الدولية وأبرزها الصليب الأحمر ومفوضية شؤون اللاجئين، وتزايد الجهود السابقة لتعزيز نظام المساعدات بتنظيم القمة الإنسانية العالمية في إسطنبول في أيار/ مايو 2016، إلا أن الزلزال الأخير اظهر عدد من نقاط الضعف في هذا النظام.

ويشير تقرير حديث للأمم المتحدة إلى أنه رغم تزايد الاحتياجات لتوفير المساعدات الإنسانية، إلا أن التمويل آخذ في الانخفاض، حيث لم تتلق خطة الاستجابة الإنسانية سوى 50 في المئة من احتياجاتها البالغة 73.7 مليون دولار في 2018.

والحد من آثار الكوارث ليس مجرد موضوع يتناوله العاملون في المجال الإنساني، بل أيضا مهم لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، حيث تهدر الكوارث منجزات التنمية، وتؤدي إلى إفقار السكان والدول، وتشكل عقبة متزايدة الخطورة أمام تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

والكوارث حسب التعريف هي ارتباك خطير في أداء المجتمع المتضرر؛ يسبب خسائر بشرية ومادية واقتصادية أو بيئية على نطاق واسع وتتجاوز قدرة ذلك المجتمع على مواجهتها باستخدام موارده الخاصة.

ونظرا لأن كثيرا من الكوارث تعبر الحدود الوطنية وتؤثر في أكثر من بلد، ينبغي توقيع اتفاقات إقليمية مسبقة وثنائية بشأن المساعدة المتبادلة ليتسنى تطبيقها في حال وقوع حادث خطير يتجاوز القدرات الوطنية أو يعبر الحدود الدولية، بالإضافة إلى تفعيل التنسيق على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.

وقد أكدت عدد من قرارات الجمعية العامة على ضرورة احترام السيادة الإقليمية الوطنية للدولة، وأن تقديم المساعدات الإنسانية مشروط بموافقة الدولة المتضررة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال بأن يكون هناك قرار يفرض على الدولة المتضررة قبولها بالمساعدة الإنسانية أو يجبر غيرها على مرور قوافل الإغاثة عبر أراضيها إلى أراضي دولة مجاورة متضررة. إلا أن هناك اتجاها دوليا آخر اعتمده معهد سان ريمو الدولي للقانون الدولي الإنساني عام 1993 بأنه يجوز للأمم المتحدة اتخاذ التدابير الضرورية، بما في ذلك التدابير الجبرية، إذا قاسى بعض السكان عذابات خطيرة وجسيمة وطويلة الأمد ومن شأن المساعدة الإنسانية أن تخفف من حدتها. ويجوز تطبيق هذه التدابير إذا رُفض أي عرض دون مبرر، أو إذ تعرض منح المساعدة الإنسانية لصعوبات وعقبات خطيرة.

في النهاية يجب العمل على استغلال وتطوير الجوانب الإيجابية في تلك الأزمة والتي أظهرت استجابة واضحة للدول المختلفة والمجتمع المدني في تقديم المساعدات، من خلال العمل على تطوير نظام المساعدات الإنسانية من خلال الأمم المتحدة وزيادة الدعم المالي في هذا المجال وسرعة التحرك، كما يجب ضمان ألا تؤثر العقوبات الاقتصادية على الشعوب ذاتها خاصة في أوقات الكوارث، والعمل على إصدار اتفاقية دولية للمساعدة الإنسانية، وإصدار قرار دولي يسمح بتقديم هذه المساعدة للمتضررين بشكل مباشر أثناء الكوارث بغض النظر عن موقف النظام ذاته. والعمل على إقامة شراكات حقيقية بين جميع الأطراف المشاركة في تقديم تلك المساعدات، والاتفاق على آلية تنسيق أممية موحدة وجاهزة للتطبيق والاستجابة في حالات الطوارئ.
التعليقات (0)