قضايا وآراء

الحرم الإبراهيمي في مواجهة عاصفة التهويد

نبيل السهلي
1300x600
1300x600

لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية لتهويد الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن ؛ حيث بدأت حكومة نفتالي بينيت منذ فترة  بناء مستعمرة صهيونية في عمق البلدة القديمة في المدينة، بحيث يتم إنشاء أكثر من ثلاثين وحدة سكنية استعمارية في مجمع الحافلات القديمة، ويعتبر البناء الاول منذ عقدين من الزمن. ويعكس القرار المخطط الاستيطاني للسيطرة على محافظة الخليل بكاملها، والتي وصل عدد المستعمرات والبؤر الاستعمارية فيها إلى خمسين موقعا استيطانيا موزعة توزيعا ممنهجا يعزز القبضة الشاملة على المدينة بما فيها الحرم الإبراهيمي .

ولفرض الأمر الواقع الإحلالي التهويدي؛ بدأت إسرائيل باتجاه مدينة خليل الرحمن؛ وقد تسلل خلسة بدعم من حكومة الاحتلال (73) مستوطنا لمدينة الخليل في العاشر من شهر أيار / مايو 1968 وسكنوا في فندق "النهر الخالد"، وأعلنوا نيتهم البقاء بدعم من سلطات الاحتلال، وتوسعوا في منطقة المسجد الإبراهيمي، حيث توجد مغارة "الماكيفلا" التاريخية، والتي تضم قبور الأنبياء، وهي جزء من المسجد؛ وفي عام 1968، أقرت حكومة الاحتلال بناء مدرسة دينية في الخليل، لتستقطب وتجلب دعاة التهويد والاستعمار، وحولت جزءا من المسجد الإبراهيمي إلى "غرفة صلاة" تمهيدا للسيطرة على المسجد وجواره. 

وفي أيلول / سبتمبر من عام 1968، سمحت سلطات الاحتلال للمستعمرين الصهاينة بإقامة كنيس مقابل المسجد الإبراهيمي. وتعد هذه الخطوة الأولى في خلق واقع جغرافي يهودي داخل مركز المدينة، كما فتحت مدخلا وطريقا جديدا إلى المسجد الإبراهيمي، وأقامت نقاط مراقبة عسكرية حول المنطقة. 

وفي 1970 أقام الاحتلال مستوطنة كريات أربع في محيط البلدة القديمة في المدينة بهدف إيجاد ربط ديموغرافي بين البؤر الاستيطانية والمستوطنين الذين يحتلون أحياء في المدينة وبلدتها القديمة، حيث يقطنها قرابة ثمانية آلاف نسمة، وتعد النواة الأساسية لحركة المستوطنين المتطرفين في الضفة ومقرا لحركة "كاخ" الصهيونية. 

وفي عام 1978، احتلت مجموعة من المستوطنين مبنى الدبويا وسط المدينة، وأطلق عليه المستوطنون فيما بعد اسم "بيت هداسا". وفي عام 1983 أقيمت بؤرة قرب مبنى الدبويا عرفت باسم "بيت رومانو"، بعد السيطرة على مدرسة "أسامة بن المنقذ" بادعاء أنها أملاك يهودية. 

وفي عام 1984، أنشئت بؤرة استيطانية جديدة سُميت "أبراهام أفينو" على موقع أثري في حي تل الرميدة وسط الخليل، وأغلقت سلطات الاحتلال سوق الخضار المركزية في البلدة القديمة، وسلمتها فيما بعد للمستوطنين لإقامة بؤرة استيطانية جديدة، بالإضافة إلى بؤر أخرى مثل "بيت حسون" و"بيت شنرسون".

واللافت أن اعتداءات المستعمرين الصهاينة لن تتوقف حتى اللحظة الراهنة بمدينة الخليل؛ في وقت ارتفعت فيه وتيرة النشاط الاستعماري، الأمر الذي يشي باستمرار سياسات إفراغها من أهلها العرب ومن ثم طمس هويتها والسعي إلى تهويدها في نهاية المطاف وفي المقدمة منها الحرم الإبراهيمي. فمدينة الخليل الفلسطينية في الضفة الغربية والمقدسات هناك؛ لا تزال الهدف الأول للأطماع الاستيطانية، كما أن أول عمل استيطاني تم في الضفة تمثل في إقامة نواة استيطانية في كفار عصيون الموقع الاستراتيجي على مشارف مدينة الخليل. 

 

يلحظ المتابع أن البلدة القديمة في الخليل قد تحولت إلى مستعمرة صهيونية كبيرة باتت تكبل الوجود الفلسطيني لنحو مئة وعشرين ألف فلسطيني، وتقلق ماضيه وحاضره ومستقبله فالعشرات من المنازل الفلسطينية أصبحت خالية والعشرات الأخرى يتهددها خطر الإخلاء وبات الوصول إلى الحرم الإبراهيمي متعذرا ومرتبطا بطريق طويل

 



وفي السياق نفسه يمكن التأكيد أن المخططات الإسرائيلية إزاء الحرم الإبراهيمي ليست أقل خطورة من المخططات الصهيونية لتهويد الأقصى المبارك. تحدق بالحرم الإبراهيمي مخاطر جمة في المقدمة منها محاولات إسرائيل تحويل الحرم إلى كنيس يهودي خلال السنوات القليلة المقبلة. 

وبالعودة إلى محاولة توصيف الحرم الإبراهيمي الشريف، يذكر بعض المؤرخين أنه يتكون من بناء ذي أربعة حيطان من الحجر المصقول، طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون، وارتفاعه عشرون، وسمك الحيطان ذراعان، ويحوي مقصورة ومحرابا في عرض البناء.‏ وفي المقصورة محاريب جميلة بها قبران رأساهما للقبلة، وكلاهما من الحجر المصقول بارتفاع قامة رجل واحد، الأيمن هو قبر إسحق بن إبراهيم، والآخر قبر زوجته وبينهما عشرة أذرع، وأرض هذا المشهد وجدرانه مزينة بالسجاجيد القيمة والحصر المغربية التي تفوق الديباج رونقاً. 

ويلحظ المتابع أن البلدة القديمة في الخليل قد تحولت إلى مستعمرة صهيونية كبيرة باتت تكبل الوجود الفلسطيني لنحو مئة وعشرين ألف فلسطيني، وتقلق ماضيه وحاضره ومستقبله فالعشرات من المنازل الفلسطينية أصبحت خالية والعشرات الأخرى يتهددها خطر الإخلاء وبات الوصول إلى الحرم الإبراهيمي متعذرا ومرتبطا بطريق طويل لا تدخل إليه إلا عبر العديد من الحواجز والبوابات الإلكترونية والشوارع البعيدة الضيقة. 

واللافت أن الاعتداءات على المنازل والمزارع والأهالي في مدينة الخليل وكذلك تنشيط الاستيطان وبناء مستعمرات وأبنية استعمارية في عمق مدينة الخليل إنما يهدف إلى إخلائها من أهلها العرب فيهودية الدولة تزحف بشكل متسارع في اتجاه مدينة خليل الرحمن كما في جنبات مدينة القدس وأحيائها المختلفة؛ في مقابل ذلك يعبر اهالي مدينة الخليل على الدوام عن تشبثهم في مدينتهم والمقدسات فيها وخاصة الحرم الابراهيمي؛ الأمر الذي سيفشل المخططات الاستعمارية التهويدية .

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا


التعليقات (0)