قضايا وآراء

ميقاتي بين شقيّ الرحى.. والأزمة أكبر من لبنان

محمد موسى
1300x600
1300x600
وقع المحظور وكان ما كان.. تصريحات بالجملة والمفرق من كل حدب وصوب.. وأين مصلحة لبنان الوطنية العليا في كل هذه التصريحات الرنانة لا أحد يعرف؟!! الأكيد أن الوضع تأزم إلى حدود الاستقالة المحتمة والمفروضة؛ ربما لإيجاد حل للأزمة المستجدة بين لبنان والخليج العربي؛ وعلى رأسه السعودية التي قالها صراحة وزير خارجيتها؛ بأن عمق الأزمة في القوى التي ترى السعودية أنها تدير الدفة في لبنان، وتعني حزب الله ومن خلفه إيران.

العبارات السعودية كانت واضحة بلا لبس ومعها كل الخليج وإن ليس بالمنهجية نفسها، ولكن على ما يبدو الأمور ذهبت بعيدا، وكأن الرئيس ميقاتي، كما قال له النائب اللواء جميل السيد، موعود مع المصائب في فترات حكمه. لقد قال السيد ما حرفيته: "لم تولد الحكومة من رحم الناس ومعاناتهم بل نتيجة المحاصصة"، وتابع: "أنت محظوظ لأنك دائما تأتي قبل مصيبة أو بعد مصيبة أو نصف مصيبة، ونأمل في أن تكون تجربتك ناجحة هذه المرة".

لكن على طريقة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، يبدو ميقاتي موعودا مع رئاسة الوزراء بالعذاب موعود، علما أنه لا "بيهدا ولا بيرتاح"، لكن حجم الأزمات بات أكبر من الجميع، حتى إن البعض وصل به إلى القول إنه أبعد من صراع حكومة، بل صراع إقليم وأحد أدوات الحوار القائم في بغداد بين السعودية وإيران، ومن خلفه بين إيران وأمريكا على الساحة اللبنانية!!

الحقيقة تقول إن المشكلات لا تأتي فرادى، من هنا لا تكفي ميقاتي وحكومته الوليدة أزمات البلاد المستعصية التي ذهب بها إلى قمة المناخ لعله يجد عند الظمآن ماءُ.. ولكن لم يسمع إلا كلمة السر الدائمة ذات الدلالات الواسعة، وهي الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات.

فكيف للحكومة الميقاتية أن تمضي بالإصلاحات الجوهرية للوصول إلى التمويلات اللازمة وهي عالقة بين شقي الرحى، حيث مصائب المطالب من الفرقاء في الداخل الحكومي: تنحية القاضي العدلي المحقق البيطار عن قضية بيروتشيما في المقام الأول، أحداث الطيونة والدماء الطاهرة التي أزهقت فيها، قضية الوزير القرداحي وما تبعها مع الوزير بوحبيب. إن أي تحرك في القضايا الثلاث، ربما يعكس استياء دوليا وتاليا معوقات لن تمكن الحكومة من الوصول إلى أهدافها.

ففي الأولى المجتمع الدولي يرقب تحقيقات المرفأ كل يوم ومعه أهالي الشهداء، فكيف لميقاتي أن يقنع الجهات المعنية بالإصلاحات إن تدخل بالقضاء والكل يعلم أن فصل السلطات أحد بديهيات الإصلاح؟!! وفي الثانية كل له أن يقنع شركاءه في الحكومة بالاستمرار، في ظل ذيول أحداث الطيونة عين الرمانة. فأولياء الدم حددوا البوصلة نحو القاتل، وعليه كيف للحكومة الاستمرار بلا الغطاء الداخلي؟ أما الثالثة فلا شك أن ميقاتي ومعه الحكومة كانا بغنى عنها، ولكن الأزمة تعمقت، فلا هو قادر على دفع الوزير قرداحي للاستقالة حيث ستهطل باقي استقالات فريق قرداحي السياسي، وتصبح الحكومة بحكم اللاغية أو الميتة سريريا، وفي المقابل لن يحكم ميقاتي وهو يدرك - ومن خلفه شريحة وازنة لبنانيا يتقدمهم نادي رؤساء الحكومات - أن شرعية الحكومة ستُمس في حال بعدها عن العرب وتحديدا الخليجيين وأكثر تحديدا السعوديين!!

من هنا وبعيدا عن لعبة السيادة والاستقالة، وبعيدا عن لعبة القضاء وما فيه، وبعيدا عن بيروتشيما وأبعادها التي لم تنجل حتى الساعة، أصبح ميقاتي أسير استقالة قرداحي من جهة، ومعه "تطيير" الحكومة، ومن جهة أخرى أسير التزاماته التي أطلقها من بكركي عندما أكد أن المملكة العربية السعودية قبلته الدينية لأداء الصلوات الخمس وقبلته السياسية، حيث يراها رافعة عربية- سنية- اقتصادية ومالية وتمويلية.

يدرك ميقاتي ومعه الفرنسيون - شركاء تأليف الحكومة - أن السعودية ومعها الخليج مدماك أساسي لأي عملية نهوض، حيث تشكل الدول الخليجية ما يقارب 45 في المائة من تمويل مؤتمر سيدر العالق في أدراج الإليزيه من سنوات خلت. كذلك لا تخفى على أحد صادرات لبنان إلى الخليج التي تقارب 1.5 مليار دولار، ناهيك عن اللبنانيين المنتشرين في دول الخليج، الذين باتوا الملاذ الآمن في زمن الفريش دولار، حيث تعيش غالبية العائلات في لبنان على التحويلات الخارجية، التي وصلت في عام واحد بحسب الإحصاءات إلى سبعة مليارات دولار، أبقت لبنان على قيد الحياة بالمعنى الاقتصادي للكلمة.

إن حال الأزمة يقول إن الحكومة بالرغم من الرغبة الفرنسية الأمريكية لبقائها على قيد الحياة، باتت شبة مستحيلة، خاصة بعد كلام ميقاتي الخميس في السراي والردود الآتية على الكلام من الوزير قرداحي عبر الإعلام عن عدم الرغبة في الاستقالة، ومن كتلة الوفاء للمقاومة الممثلة لحزب الله في البرلمان الداعمة له.

وعليه، لا بوادر حلول في الأفق بالرغم من الرغبة القطرية وحث الجامعة العربية لإيجاد مخارج؛ بمعظمها تبدأ من استقالة قرداحي التي يعتبرها البعض سابقة تسمح للكثيرين في التدخل بكل شاردة وواردة في البلاد. إن الحقيقية تقول على ما يبدو الصراع أكبر من لبنان نفسه.
التعليقات (0)