قضايا وآراء

أضواء الكواكب الميتة

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

تشبيه رائع ومعبر ذلك الذي طالعته مترجما للعربية عن مقال موضوعي ولكنه قاس وشرس حول ما سماه المؤلف (انحدارالثقافة الأمريكية).. لقد شبه الكاتب الحضارة الأمريكية الحديثة بأضواء الكواكب الميتة منذ آلاف السنين، لكننا نظل نراها في السماء وهاجة بهيجة ساطعة ونستنير بها ونظن أنها تصدر عن كوكب حي ولكنها أضواء تصلنا من كوكب انقرض وغاب بحكم قانون سرعة الضوء. 

من هو كاتب هذا المقال الذي يحاكم أفول الحضور الأمريكي؟ 

ليس الكاتب مسلما أو مغرضا أو معاديا لأمريكا إنما هو (ريتشارد لام)، سياسي أمريكي حكم ولاية (كولورادو) لأطول مدة في تاريخها ويعمل اليوم مديرا لمركز السياسات العامة والشؤون المعاصرة لجامعة (دنفر)، ونشر المقالة في مجلة (المستقبليون) يحلل فيها مؤشرات الأفول وسنن السقوط. 

وقد أحسنت المجلة العربية (الإصلاح) عرض هذا المنظور الحضاري العلمي حتى نتعامل نحن العرب مع القوى العظمى بهذه الخلفية ولا نضع بيضنا السياسي والاقتصادي والثقافي في سلة واحدة. 

زبدة نظرية (ريتشارد لام) أن قوة أمريكا الحالية هي حصيلة غرس الجيل السابق في الصناعة والتكنولوجيا والتعليم يتنعم به الجيل الحاضر ولا يضيف إليه شيئا، بل يبدده ويبعثره بسياسات عرجاء.. وهو ما يبرر تشبيه الحالة الأمريكية بأضواء الكواكب الميتة، وهو ما يدعو مسؤولا أمريكا في حجم (لام) إلى الاعتقاد أن مؤشرات الأفول والانحدار أكبر من مؤشرات استمرار القوة. 

يلخص (لام) الوضع الأمريكي الراهن فيقول: نحن ننفق أكثر مما نستثمر (الاستثمار فاق الضرائب) ونتلف أكثر مما ندخر ونوفر ونستورد أكثر مما نصدر، وذلك ما سيضعنا في مصاف دول الدرجة الثانية إلى جانب أن طلبتنا في مستوى متدن بإزاء طلبة أوروبا واليابان والصين! 

يضيف (ريتشارد لام) قائلا: إن مجتمعنا يسجل نسبة عالية من الأمية وأعلى نسبة في الجريمة. 

ويختم الكاتب حاكم (كولورادو) السابق مقاله بتشبيه أمريكا بالباخرة العملاقة (تايتانيك) التي عرض شريطها على مدى سنوات في العالم كله ويقول: لقد أكد صانعوها عام 1912 أنها لن تغرق أبدا وركب الناس مطمئنين وانهارت الأسطورة في أول رحلة لها يوم 14 نيسان (إبريل) 1912 على صخور الجليد القاسية الصلبة وهلك أغلب من فيها. 

 

لا بد من الإلحاح على أهمية التنسيق الاقتصادي حتى ينجز المسلمون ما بدأ رسمه من سوق إسلامية مشتركة في القمة الثامنة بطهران وما بدأه طيب الذكر نجم الدين أربكان من تركيا مطلع التسعينيات حين جمع الدول الإسلامية الثمانية في ندوة اسطمبول.

 



إن هذه الشهادة من أمريكي مسؤول في أعلى اجهزة الحكم تدعونا إلى التفكير في التخطيط الاستراتيجي لمستقبلنا وإعادة النظر في مباهج العولمة التي جعلتنا سكارى وما نحن بسكارى حتى نزداد تمسكا بحقوقنا وتعلقنا بهويتنا. 

ولعل سعي عديد الدول المسلمة إلى إرساء قواعد تعاون إسلامي ناجع وغير مسيس في كل مجالات السياسة والاقتصاد من أجل أن نشكل موقفا إسلاميا موحدا إزاء الغطرسة الإسرائيلية مثلا والتي تضرب بالقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني عرض حائط المبكى، فنقرن القول بالفعل ونخطو خطوات عديدة لوضع حد للتطبيع المتسرع حتى تحترم دولة اسرائيل معاهداتها وحتى يعود الراعي الأمريكي مع بايدن لموقف الإنصاف والعدل والشرعية الدولية.

ولا بد من الإلحاح على أهمية التنسيق الاقتصادي حتى ينجز المسلمون ما بدأ رسمه من سوق إسلامية مشتركة في القمة الثامنة بطهران وما بدأه طيب الذكر نجم الدين أربكان من تركيا مطلع التسعينيات حين جمع الدول الإسلامية الثمانية في ندوة اسطمبول. 

إن على الجيل المسلم الراهن مسؤولية جسيمة وأمانة ثقيلة، فالتضامن الإسلامي هو الصراط المستقيم لاستدعاء الهوية لحماية المصالح وتأمين المصير، وسيحاسبنا أولادنا غدا إن نحن قصرنا وفرطنا في تلك الاستقلالات الوطنية التي دفع آباؤنا ثمنها الغالي بالأمس.. ولنعتبر بالضعف الذي أصاب جامعة الدول العربية بسبب تشتت المواقف العربية وضياع بوصلتنا القومية. 

واليوم حين يحلل سياسي أمريكي أفول نجم التأثير الأمريكي في العالم فهو يشير بعبارات رمزية واضحة إلى صعود سريع للقوة الصينية والقوة الروسية وهما اليوم في طليعة المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة حسب عقيدة البنتاغون على أيدي وزير الدفاع (لويد أوستن).. ومن هنا نفهم معنى انسحاب الجيوش الأمريكية من أفغانستان وأزمة الغواصات الأسترالية لحماية أمن المحيطين الهادي والهندي ورفض البيت الأبيض لتوجهات الرئيس الفرنسي (ماكرون) نحو استقلال القارة الأوروبية عن المظلة النووية الأمريكية ودعوته لإلغاء حلف الناتو من أجل تأسيس حلف أوروبي بدون أمريكا !. 

علينا أن نقرأ نحن العرب الكتب والبحوث التي تحلل أفول الحضور الأمريكي بعيون أمة تريد فرض مصالحها الحيوية في عالم متقلب معقد لا مكان فيه إلا للأقوى ولمن تحالف مع أشقائه لتأسيس كتلة فاعلة ونحن أرسخ ما يجمعنا هو ديننا لأنه مؤسس عقيدتنا وضامن استقلالنا.


التعليقات (0)