كتب

أيلول الأسود أو الحرب الأهلية الأردنية.. شهادة للتاريخ

11 يوما من الحرب بين الأردنيين والفلسطينيين مات بعدها جمال عبد الناصر
11 يوما من الحرب بين الأردنيين والفلسطينيين مات بعدها جمال عبد الناصر

الكتاب: 11 يوما مات بعدها جمال عبد الناصر

المؤلف: د.يسري هاشم

الناشر: مركز المحروسة للنشر، القاهرة ، 2020.

 

انتهت حرب 1967، نقل الفدائيون قواعدهم العسكرية إلى الأردن، في الفترة بين 1967 إلى 1968، صعد الفدائيون الفلسطينيون الأعمال العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما كبّد العدو خسائر دفعته في مطلع عام للتلويح بالقيام بعمل مضاد.

فجر الحادي والعشرين من آذار (مارس) 1968، قامت المدافع الإسرائيلية مدعومة بغطاء من سلاح الجو الإسرائيلي بمحاولة اجتياح الضفة الأخرى لنهر الأردن، فتصدى لها الفدائيون الفلسطينيون والقوات الأردنية في قرية الكرامة، وبعد عدة أيام من القتال المستميت لأصحاب الأرض، اضطُر الجيش الإسرائيلي للانسحاب بعد فشله في مهمته.
 
بعد هذه المعركة، تعاظم الوجود الفدائي الفلسطيني في الأردن، وزادت الدول العربية في دعمها المادي والمعنوي للفدائيين.

 

الفصل الأول من الكتاب وعنوانه "عمان"، وهو يعتبر مقدمة للأحداث، وإن كانت طويلة بعض الشيء، يحكي فيه يسري عن وصوله إلى الأردن في عام 1969، وتعرفه بالراحل ياسر عرفات، وكذلك محجوب عمر، وهو شخصية محورية في كتابه، فقد أتى على ذكره وسيرته في عدة فصول، عن استحقاق، ورسم لنا شخصيته بخطوط شديدة الوضوح خلال صفحات الكتاب.

"لما تباشر جهادك، ترمى أوتادك
في قلب دابح ولادك
يعرفوك عربي". 
فؤاد حداد 

هكذا بالفعل كان "محجوب"، عربي بحق، قاتل ضد الإنجليز في مصر، وقاوم الفرنسيين في الثورة الجزائرية، وأكمل ما تبقى من حياته في نضال مستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي.
 
احتوى الفصل الأول كذلك؛ على رسم عام لبعض التصرفات غير المسؤولة التي أسهمت في استفزاز المشاعر الأردنية، وصدمة سقوط أول شهيد من الأطباء المصريين، رغم عدم الجزم بكيفية موته هل  كان حادث سيارة عاديا أم في إحدى عمليات المقاومة؟ 

بحلول عام 1970 ظهرت بعض الأصوات المطالبة بالإطاحة بالمملكة الهاشمية الأردنية، ووجهت للفدائيين تهمة محاولة اغتيال الملك حسين مرتين، وأراد الملك حسين إنهاء وجود الفدائيين الفلسطينيين في الأردن.
 
"جنوب الأردن" هو عنوان الفصل الثاني من الكتاب، حكى فيه المؤلف عن العمل العسكري في الجنوب، وتلمس بداية التحولات وانقلاب السلطة الأردنية على الفدائيين الفلسطينيين، وهنا لم يكتفِ المؤلف بما عايشه بنفسه، فحكى عن اجتماع الأمير حسن بشيوخ البدو، ومحاولته تأليبهم على الفدائيين، ولم يذكر المؤلف مصدر معلوماته. وتسارعت الأحداث في الجنوب ووقع الاقتتال، فآثر الفدائيون الخروج من الجنوب، وانسحبت القوات الفدائية إلى عمان.

عملت القوات الفدائية الفلسطينية في معزل عن النظام الأردني، ودون أي تنسيق، ما جعلها أشبه بدولة داخل الدولة، حتى أن بعض الفدائيين كانوا ينصبون الكمائن لتفتيش المارة، ربما هدف ذلك تأمين الوجود الفدائي من الأعداء وعملائهم، إلا أنه كان بمثابة المزيد من الاستفزاز للقوات الأردنية.
 
في أيلول (سبتمبر) 1970 اختطف الفدائيون ثلاث طائرات مدنية وأجبروها على الهبوط في الزرقاء، وأخذوا مواطنين أجانب كرهائن، وقاموا في وقت لاحق بنسف الطائرات أمام الصحافة الدولية، للضغط على بريطانيا للإفراج عن ليلى خالد وآخرين، بعد أن قُبض عليهم في محاولة اختطاف طائرة في لندن، هنا سنحت الفرصة أمام الملك حسين للتصرف بأمر الفدائيين، فأمر الجيش بالتحرك. 

في 17 أيلول (سبتمبر) حاصر الجيش الأردني إربد، وبدأ قصف الفدائيين الذين تمركزوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات.

جاء عنوان الباب الثالث "مستشفى الأشرفية"، وهو الجزء الأكثر قتامة، والمتخم بالأحداث، والمليء بالألم، "في الرابعة صباحًا من فجر الخميس بدأ سريان الأحكام العرفية ومنع التجوال، وانفتحت بوابة الجحيم من قذائف المدفعية الثقيلة والدبابات" (ص104).
 
حكى الدكتور يسري، عن أحد عشر يومًا من توجيه الإخوة فوهات بنادقهم، ودباباتهم في وجه بعضهم البعض، عوضًا عن توجيهها نحو العدو، أيام سوداء اضطر فيها الأطباء لمواصلة العمل بلا نوم أو طعام مستعيضين فيها عن الماء بمحلول الملح والجلكوز ليروي عطشهم، بعد أن حوصروا، وعز عليهم الحصول على الماء والغذاء والدواء الكافي لهم وللمصابين، جراء القصف، الذي لم يميز بين الفلسطيني والأردني.

في 23 أيلول (سبتمبر) 1970، عُقدت قمة عربية استثنائية، دعا لها جمال عبد الناصر، بحضور كل من الملك حسين، وياسر عرفات ممثلًا عن منظمة التحرير الفلسطينية. في 27 أيلول (سبتمبر) انتهت القمة، بإعلان وقف إطلاق النار، والاتفاق على انسحاب القوات الأردنية والفدائيين الفلسطينيين من عمان. ورغم ذلك، استمر القتال لليوم التالي، فقادة كل من الفريقين المتناحرين أعلنوا أنهم غير متصلين بالقيادة في مصر، في 28 أيلول (سبتمبر) توقف القتال بعد إعلان وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وهو ما أوحى للدكتور يسري هاشم بعنوان كتابه، "11 يوما مات بعدها جمال عبد الناصر".
 
"اجتمع كل القادة العرب لوقف القتال، واتخذوا قرارات وتعهدات ووعودا، ولم يوقف القتال إلا وفاة عبد الناصر" ص163.

أفرد المؤلف فصله الأخير لـ"أحداث جرش"، المذبحة التي لا تقل في فظاعتها عما جرى في "أيلول الأسود"، حيث هاجم الجيش الأردني جرش من ثلاث جبهات، فلم يكن أمام الفدائيين إلا الموت بيد الإخوة أو بيد الاحتلال الإسرائيلي. هكذا انتهت آخر فصول الكتاب بخروج الفدائيين من الأردن إلى لبنان وسوريا، وعودة د.يسري إلى القاهرة.
 
أما ما بعد الختام فقد جاء عن سيرة "محجوب عمر" المناضل السياسي، والفدائي، وكاتب قصص الأطفال، والشاعر، الذي انضم إلى حركة "فتح" في الستينيات، وكان مقربًا جدا من قيادتها ياسر عرفات وخليل الوزير، والذي أهدى المؤلف الكتاب له.

قدم الكتاب لكل من الدكتور مصطفى الفقي، والدكتور سمير غطاس. تصدير الفقي جاء تعريفا بيسري هاشم؛ (المؤلف)، وهو طبيب جراح مصري تطوع ضمن الاتحاد العربي للأطباء للسفر إلى الأردن، لمساندة الفدائيين الفلسطينيين، وهذا الكتاب هو تجربته الوحيدة في الكتابة، أما غطاس فجاءت مقدمته عن التاريخ ومن الذي يكتب التاريخ؟ ومن الذي يحدد صحة الرواية التاريخية؟ 

أما مقدمة المؤلف فجاءت عن ظروف تكون شخصيته، وانضمامه لتنظيم القوميين العرب في مقتبل  حياته، مستخدما ضمير الغائب، دون مبرر. كذلك شملت المقدمة ظروف خروج الكتاب للنشر. والتي مرت بعدة محاولات، منها ما هو عربي وما هو غير عربي، إلا أن المؤلف قرر في النهاية أن يكتب بنفسه، وأخذ عهدا على نفسه أن يدون ما عايشه هو وزملاؤه من المنتمين إلى اتحاد الأطباء، والفدائيين في الأردن.
 
اختار المؤلف عنوانا جذابا جدًا لكتابه، وإن أفسد هذا العنوان تصميم الغلاف حيث طمس وجه جمال عبد الناصر من صورة الغلاف!
 
وفق المؤلف في كتابه، الذي يندرج تحت بند السيرة الذاتية، فقد قدم للقارئ الرواية كما عايشها، دون فلسفة، أو محاولة استخلاص العبر؛ إلا أنه يؤخذ عليه أنه حكى ما حدث في الداخل بمعزل عن الأحداث  الدولية. رغم اللغة السهلة التي استخدمها المؤلف إلا أن القارئ ربما وجد بعض الصعوبة في متابعة القراءة بشكل سلس، لعدم توافر خريطة توضح خط سير الأحداث ربما إذا توافرت كان أفضل، كذلك تكرار بعض الحكايات والحوادث والعبارات، أحيانًا في الفصل نفسه بل والصفحة نفسها، ربما يسبب للقارئ شيئا من الملل والاضطراب.

يحمد الدكتور يسري هاشم على ما قدمه من شهادة حية للتاريخ، يمكن للباحثين الاعتماد عليها لتدعيم موادهم البحثية، وكذلك حفظ للمناضلين سيرهم، وأعطى صانعي التاريخ المجهولين الفرصة في ذكر سيرهم، وحفظها لهم ولأحفادهم عبر العصور لربما خرج من بينهم "محجوب عمر"، و"يسري هاشم" من جديد.


التعليقات (1)
بسام ابو فايد
الأحد، 02-10-2022 09:32 م
كيف احصل على الكتاب