قضايا وآراء

المتحور المصري لفيروس كورونا وجائزة المستشار!!

مصطفى جاويش
1300x600
1300x600
"من كانت لديه سلالة مصرية فليظهرها لنا وله جائزة".. تلك هي عبارة التحدي التي أطلقها الدكتور عوض تاج الدين، مستشار الصحة الوقائية برئاسة الجمهورية المصرية، وكانت هي الرد الرسمي بصورة غير مباشرة على الجدل القائم حاليا بين تايلاند وبريطانيا حول تسمية المتحور الجديد لفيروس كورونا والذي تم اكتشافه مؤخرا في بريطانيا وتمت تسميته بالمتحور التايلاندي (Thai variant)، وإن كانت الوكالة الأوروبية لمكافحة العدوى قد أطلقت عليه اسم المتحور المصري (Egypt variant)، وأكدت النرويج أن ذلك التحور ظهر على مصابين قادمين من مصر.

وما زالت الأبحاث مستمرة حول مدى خطورته وقدرته على الانتشار، وإن كان لا يوجد دليل على أن المتغير أكثر حدة من السلالات الأخرى. وقالت هيئة الصحة العامة في إنجلترا إنه لا يوجد دليل حاليا على أن هذا البديل يسبب مرضا أكثر خطورة أو يجعل اللقاحات المنتشرة حاليا أقل فعالية. وذكرت الهيئة أن 34 دولة على الأقل أبلغت عن تسلسل واحد على الأقل لذلك المتحور، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة.

وما زال هذا المتحور الجديد يدخل ضمن فئة "تحت التقييم" بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية لمدى خطورة السلالات المتحورة من فيروس كورونا المستجد وتقسيمها إلى ثلاثة مستويات، وهي "مثير للقلق" و"جدير بالمتابعة" و"تحت التقييم".
تم اكتشاف هذه السلالة لأول مرة في تايلاند لدى شخص سافر من مصر وأُثبتت إصابته بالفيروس أثناء وجوده في الحجر الصحي الحكومي، كما ورد في الصحف البريطانية

بدأت القصة 27 أيار/ مايو الماضي، عندما أعلنت هيئة الصحة العامة في إنجلترا (PHE) أنه تم اكتشاف 109 حالات من سلالة أطلق عليها اسم "C.36.3". وتم اكتشاف هذه السلالة لأول مرة في تايلاند لدى شخص سافر من مصر وأُثبتت إصابته بالفيروس أثناء وجوده في الحجر الصحي الحكومي، كما ورد في الصحف البريطانية.

ومتحور أو متغير "C.36.3" هو واحد من تسعة متحورات قيد التحقيق من قبل هيئة الصحة العامة في إنجلترا، إلى جانب طفرات أخرى تم اكتشافها لأول مرة في المملكة المتحدة والهند والفلبين. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في 31 أيار/ مايو الماضي أن سلالات فيروس كورونا ستسمى بأحرف أبجدية يونانية، قائلة إن ذلك سيساعد على تجنب وصم البلدان التي تظهر فيها تلك السلالات لأول مرة.

وذكرت المنظمة أن الأنظمة الحالية لتسمية وتتبع الأنساب الجينية لفيروس كورونا (واسمه العلمي سارس كوف 2) الذي يسبب مرض "كوفيد-19" ستظل قيد الاستخدام من جانب العلماء والأبحاث العلمية.

وحددت منظمة الصحة العالمية حتى الآن أربعة أشكال مختلفة من االتحورات؛ وسيطلق على التحور الذى تم اكتشافه لأول مرة في بريطانيا اسم "ألفا"، والتحور الذي اكتشف في جنوب أفريقيا اسم "بيتا"، والتحور المكتشف في البرازيل اسم "جاما"، كما سيطلق على التحور المكتشف في الهند اسم "دلتا".

ماذا يعني مصطلح السلالة المتحورة أو المتحور الجيني لفيروس كورونا؟

تتغير كل الفيروسات وتصنع نسخا من نفسها لتعيش وتنتشر. وتحدث أغلب هذه التحورات بشكل عشوائي، حتى أن بعضها قد يضر الفيروس نفسه. لكن تحورات أخرى قد تجعل الفيروس أكثر عدوى وأشد خطورة، وهي التحورات التي تسود في النهاية. وإذا اكتسب الإنسان مناعة عن طريق اللقاحات أو الإصابة، يتحور الفيروس ليتغلب على هذه المناعة ويعيش. ويدرس العلماء علامات الخطر في التركيب الوراثي للفيروس لمعرفة ما إذا كانت هذه التحورات خطرة، فضلا عن دراسة طريقة تصرفه في المختبر، ومتابعة انتشاره بين الناس.

ولفهم ما تقوله منظمة الصحة العالمية عن اكتشاف المزيد من السلالات، يجب أن نفهم أولا معنى السلالة المتحورة. وتتشكل تركيبة فيروس "سارس كوف-2" الجينية من سلسلة طويلة من الأحماض النووية الريبية  (RNA)، تصل إلى 30 ألف نيوكليوتيد، وهي تتطور باستمرار. وفي بعض الأحيان، تحدث "أخطاء" عند تكرار التسلسل، وهو ما يؤدي إلى ظهور الطفرات الجديدة التي تسمى سلالات متحورة؛ لأنها تختلف في تركيبتها عن السلالة الأصلية.
يبدو أن وزارة الصحة المصرية لا تهتم كثيرا بتوصيات منظمة الصحة العالمية بخصوص فحص التسلسل الجيني لفيروس كورونا

وقد أوصت منظمة الصحة العالمية دول العالم على تكثيف "فحوص التسلسل الجيني"، وأكدت أنه تم تسجيل الكثير من التقدم باتجاه الكشف عن السلالات المتحورة الجديدة. والتسلسل الجيني هو الفحص باستمرار للفيروس، ووفقا لعلم البيولوجي، فإن كل ميكروب أو فيروس له عدد من التركيبات الجينية، تفحص جميعا خلال إجراء تحليل "PCR" لدراستها والتعرف على وجود أي اختلافات أو تحور في الفيروس من عدمه.

ويبدو أن وزارة الصحة المصرية لا تهتم كثيرا بتوصيات منظمة الصحة العالمية بخصوص فحص التسلسل الجيني لفيروس كورونا، وظهر ذلك واضحا من تصريحات المتحدث الرسمي للوزارة يوم الخميس الماضي (3 حزيران/ يونيو الجاري)، حيث أعلن عن إمداد الحجر الصحي بالمطارات والموانئ البحرية بأجهزة (ID NOW COVID-19)، أو أجهزة الكشف السريع للمستضد الفيروسي (Antigen) لإجراء تحليل الحمض النووي للفيروس بسرعة، وليس فحص التسلسل الجيني للقادمين من خارج البلاد؛ وهذا يعني ببساطة عدم القدرة على الترصد الوبائي الدقيق للتحورات الجديدة للفيروس حول العالم.
رغم كل تلك التطورات العالمية السلبية نحو الوضع الوبائي في مصر، فما زال التحدي الوهمي من مستشار الرئاسة قائما نحو تلك الجهة المجهولة التي سوف تكتشف وجود المتحور المصري لتحصل على الجائزة

وزيادة في التعمية على المواطنين، فلم تصدر أية تصريحات رسمية حتى الآن للتعليق بصحة أو نفي وجود المتحور المصري (C.36.3)، في حين قامت الحكومة البريطانية بإدراج مصر على "القائمة الحمراء" الدول التي ينصح بعدم السفر إليها إلا للضرورة القصوى، بسبب تفشي وباء فيروس كورونا فيها، ويتحتم على القادمين منها إلى بريطانيا الخضوع لإجراءات عزل صحي صارمة.

ورغم كل تلك التطورات العالمية السلبية نحو الوضع الوبائي في مصر، فما زال التحدي الوهمي من مستشار الرئاسة قائما نحو تلك الجهة المجهولة التي سوف تكتشف وجود المتحور المصري لتحصل على الجائزة، وما زالت الحكومة المصرية تتغنى بكفاءة إدارة الأزمة، غير مبالية بما سوف يترتب من ضرر على حركة السياحة العالمية إلى مصر بصورة عامة، وما سوف تصل إليه الحالة الصحية للشعب المصري من انتشار الوباء بصورة خاصة.
التعليقات (0)