قضايا وآراء

لماذا نتمسك بحريتنا؟!

طارق الزمر
1300x600
1300x600
من عجائب التكوين الإنساني أن يتمسك الإنسان بحريته وإن كلفه ذلك الوقوف وجها لوجه أمام قمع الاستبداد. أذكر أني حرصت مرةً على تهريب مقال من داخل زنزانتي حين كانت هناك حملة عالمية ضد التعذيب وإهانة المصحف في جوانتامو وأبو غريب. وخلاصة ما كتبت في مقالي أن ما يجري عندنا أسوأ مما وقع عندهم، وأن ما جرى هناك لا أستبعد أن يكون بتنفيذ أو توجيه من زبانيتنا هنا. وذكرت بعض وقائع التعذيب التي تجري في بلادي، ومنها التعذيب، وإهانة المصحف، وإجبار المعتقلين على السجود لصورة الرئيس يوميا في فناء السجن!!

وبطبيعة الحال جاءني التهديد سريعا بتعريضي للقتل إذا مُس ضابط من الضباط الذين ذكرت أسماءهم بسوء!! وتم التضييق عليّ بعدها في كل أموري لفترة ليست بالقصيرة.

ورغم ذلك وجدتني منتهزا فرصة مناقشتي للدكتوراه بعدها بعامين لأعلن من قلب جامعة القاهرة أن التعذيب في مصر لا يتوقف، وأن المعتقلين يلقون أسوأ المعاملة، وقلت إن هؤلاء الجلادين تمكن معاقبتهم كمجرمي حرب وفق القوانين الدولية الأخيرة.

فتم بطبيعة الحال تهديدي قبل أن أغادر مدرجات الجامعة: إنني لن أعود لسجن ليمان طرة الذي أتيت منه، وإنني سأتوجه لسجن "الوادي الجديد" الذي كانوا يخوفون به المعتقلين كي أقيم فيه بقية عمري!! فوجدتني مستقبلا ذلك برضا كامل مقابل ما أديت من رسالة، لكنهم فيما يبدو لم تكن لديهم صلاحيات، لذلك وجدت السير يتجه بي مرة أخرى نحو سجن ليمان طرة.

ولما كانت مناقشتي للدكتوراه قد امتدت لما بعد العاشرة مساء فقد عدت للسجن في ساعة متأخرة من الليل، لأجد فريقا مما يسمى بفريق مكافحة الإرهاب ينتظرني. وقد أعدوا مسرحا كاملا أمام العنبر السياسي الذي خرجت منه، والذي كان من الطبيعي أن أعود إليه وكان ذلك أمام البوابة العتيقة لعنبر التأديب. وكان سيناريو المسرحية يعتمد على معاقبتي بالترويع لأني ذكرت الجلادين بسوء أمام حشد من مراسلي الصحف، ولهذا كان المسرح مُعدا أمام هذا العنبر، وخطة الترويع تعتمد على تجريدي وإدخالي للعنبر في حبس انفرادي بلا فراش أو غطاء. وكانت المسرحية تقوم على ترويعي من خلال مكالمات تليفونية وهمية يتلقون فيها تعليمات التأديب ويستفسرون عن طبيعته ومواصفاته بشكل تفصيلي، فكدت أضحك من سذاجة الإخراج!!
التعليقات (0)