سياسة عربية

قراءة في تغير سياسة السيسي الخارجية.. ما الأسباب والتداعيات؟

محللون: السيسي أدرك أن معارضيه أضعف من أن يقلقوه والمجتمع الدولي مطمئن لعدم وجود بديل له- جيتي
محللون: السيسي أدرك أن معارضيه أضعف من أن يقلقوه والمجتمع الدولي مطمئن لعدم وجود بديل له- جيتي

بالتزامن مع تصاعد وتيرة هجمات جماعة "أنصار الله الحوثي" اليمنية باستخدام الطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية، ضد مرافق نفطية وحيوية بالأراضي السعودية، أطلق رئيس الانقلاب في مصر، عبدالفتاح السيسي، تصريحات هامة عن استراتيجية مصر تجاه أمن الخليج.


وقال في ندوة للقوات المسلحة المصرية، الثلاثاء، إن "سياسة مصر تعتمد على الانفتاح والاعتدال والتوازن الشديد مع كل الأشقاء العرب، سواء (متفقين أو مختلفين معهم) في العلاقات الخارجية".

وأكد أن بلاده "تحرص على استقرار هذه العلاقة وتطويرها"، مبينا أن "هذا هو النهج المصري خلال الوقت الحالي وهذه المرحلة"، مشددا على أن "أمن الخليج جزء لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري، وهذه ليست عبارات نرددها، ولكنه منهج واستراتيجية وثوابت السياسة الخارجية المصرية".


"أسباب التغيير وانعكاساته"

وفي تعليقه على حديث السيسي، قال الصحفي المختص بالشأن الخليجي سيد الجعفري: "يرى المتابعون للشأن المصري تغيرا بسياستها الخارجية مؤخرا؛ فهناك تقارب مصري تركي بملف ليبيا وشرق البحر المتوسط، وتقارب مصري قطري، وزيارات كثيفة مصرية سودانية حول ملف المياه".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد الجعفري أنه "انفتاح مصري على ملفات مهمة ظلّت تتجاهل مصلحتها فيها عندما كان قرارها يرتهن بالقرار الإماراتي والسعودي"، مضيفا: ولعل حديث السيسي عن سياسة خارجية مصرية جديدة يمثّل دعما نظريا لهذا التوجّه الجديد".

ويبقى التساؤل عن أسباب هذا التغير، وملامحه، وانعكاساته على علاقة مصر بالخليج وخاصة الإمارات والسعودية؛ وهنا يظن الجعفري أن "السيسي كان همّه السابق تثبيت أركان حكمه بترسيخ علاقاته العربية والإقليمية؛ لذلك لم يشغله التنازل عن بعض الأدوار المهمة لمصر لإرضاء هذه الأطراف".

وأضاف: "لكنه الآن أدرك أن معارضيه أضعف من أن يقلقوه، والمجتمع الدولي مطمئن لعدم وجود بديل له يمكن الاعتماد عليه، وآخر الأدلة موقف الإدارة الأمريكية المهتم بحقوق الإنسان، ولم نرَ منه بادرة نحو المسار الديمقراطي".

وأكد الصحفي المصري أنه "لذلك يتطلع السيسي لعودة السياسة الخارجية المصرية لسابق عهدها وقوتها بالانفتاح على الكلّ، والتوازن الشديد بعلاقاتها الخارجية، والاعتدال بمواقفها الخارجية، بعيدا عن الأهواء السياسية".

وأوضح أن "السيسي لا يمانع -مثلا- تعامل خارجيته مع دول لا يتّفق مع قادتها، ويعلم أنهم لا يريدون لقاءه، مثل تركيا"، متوقعا أن "تشهد المرحلة المقبلة تغيير وزير الخارجية سامح شكري، ليحلّ محلّه وزير قويّ يناسب سعي مصر إلى عودة دبلوماسيتها القوية".

الجعفري، يرى أنه "ستبقى مشكلة السيسي الحقيقية في سياسته الخارجية مع الإمارات والسعودية، لكنه يعرف أن ما يهمّ نظامي الحكم فيهما هو الأمن والاستقرار؛ لذلك سيغازلهما دائما بتصريحاته ولقاءاته مع قادة الجيش المصري، ومدى قدرته على تحقيق أمن الخليج، مستخدما مصطلحه الشهير (مسافة السكة)".

وألمح إلى أنه "لن يقدّم لهم شيئا بملف اليمن وإيران، لأن واشنطن قررت إنهاء حرب اليمن، والحلّ السياسي مع طهران، مع ضمان أمن الخليج، وأيّ تحرّك للسيسي بملف اليمن سيكون عبر القرار الأمريكي".

ويعتقد أنه "وقتها يمكن لجيش مصر أن يكون الجندي الذي تستخدمه واشنطن، ودول الخليج المموّلة، لترهيب الحوثيين كلاميا، والضغط عليهم بالمفاوضات، وحماية أمن الخليج فعليا إذا لزم الأمر؛ ليجني السيسي الرضا الأمريكي والمال الخليجي على حساب انتهاكاته في المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان".

"نهاية عقد التراجع"

ويرى الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، منصور أبو كريّم العايدي، أن "مصر كدولة رائدة بالمنطقة ليست تابعة في بناء منظومة سياساتها الخارجية، القائمة على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، لكن بالمقابل لن تقبل المساس بالأمن القومي العربي والخليجي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "بالسنوات الماضية تم تعظيم قوة الجيش المصري بحريا وجويا، وتم إنشاء أسطول الجنوب بالبحر الأحمر للتحرك السريع، بما يحفظ الأمن القومي المصري والخليجي ومضيق باب المندب".

وأوضح أن "سياسة الانفتاح والاعتدال والتوازن التي تحدث عنها السيسي تعني أن القاهرة قادرة على لعب دور محوري بأزمات المنطقة، ببناء علاقة متوازنة مع الجميع، وهذا ما يحدث باحتضان الحوار الوطني الفلسطيني، وبالملف الليبي".

العايدي، يعتقد أنه "في هذا الإطار تسعى مصر بسياسية متوازنة مع الجميع لاستعادة مكانتها كدولة إقليمية رائدة بعد تراجعها إثر ثورة 25 يناير 2011".

وحول ما قد تعنيه كلمات السيسي بالوصول إلى صفر مشاكل مع الفرقاء العرب، قال الباحث بالعلاقات الدولية، إن "السياسة الخارجية لم تكن أبدا قائمة على فكرة تصدير المشاكل أو افتعالها مع الجيران العرب والإقليميين".

وأوضح أن "مصر ليس لديها مشاكل خارجية إلا ما يتعلق بحفظ أمنها القومي في الحقوق المائية بنهر النيل، وبجهة الغرب عبر إيجاد حكومة مركزية في ليبيا، وحفظ أمنها القومي من جهة الشرق عبر تسوية عادلة للقضية الفلسطينية".

ويعتقد حول الدور المصري بحفظ أمن الخليج، أن "القاهرة تنظر بعين الخطورة لما يجري من تصعيد حوثي ضد السعودية، ما تعتبره القاهرة تعديا على الأمن القومي السعودي، وقد يكون لها هنا موقف حاسم".

"ردا على قطان"

وفي تعليقه، قال الصحفي المهتم بالشؤون العربية والدولية، أحمد حسن بكر: "أمن الخليج العربي مسؤولية أمريكية غربية بالمقام الأول"، معتقدا أن "تصريحات السيسي ربما تكون جزءا من الرد على مجمل تصريحات الوزير السعودي، أحمد قطان، قبل أيام، وتحدث فيها عن ملفات مصرية بفضائية روتانا خليجية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد بكر أن "الانفتاح الذي ذكره السيسي بالسياسة الخارجية ربما يكون رسالة للسعودية والإمارات بأن مصر ممكن أن تحسن من علاقاتها بتركيا وقطر".

ولفت إلى أنه "في كل الأحوال، فإن تصريحات السيسي تحمل اعترافا صريحا بوجود خلافات بين مصر ودول عربية، معتقدا أن "الوصول لصفر مشاكل مع الدول العربية أمر مستحيل".

وأشار إلى أن "حكام معظم دول الخليج الآن يقدمون مسألة استقرار عروشهم ومصالح شعوبهم على أي مصالح قومية أخرى؛ لذا ستظل الخلافات والمشاكل العربية كما كانت منذ عقود طويلة".

"مركز الأمة"

وقبل أيام من تصريحات السيسي، أشاد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبدالله الأشعل، بما دعاه "الخط السياسي الجديد لمصر، بإنهاء الخلاف مع تركيا، وقطر، واحتضان الليبيين، والتقارب بل والتحالف مع السودان"، معتبرا أنها خطوة لـ"عودة مصر لمركز الأمة واللاعب الرئيسي في المنطقة".

 

التعليقات (0)

خبر عاجل