قضايا وآراء

المصارف اللبنانية.. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر

محمد موسى
1300x600
1300x600
منذ نشوء الجمهورية اللبنانية في العام 1943 على أنقاض الانتداب الفرنسي وهوية لبنان الاقتصادية واضحة المعالم، مع ما تخلفه السياسات الداخلية والإقليمية من فوائد وأضرار على اقتصاد هذا البلد الوديع على شواطئ شرق المتوسط.

لقد قامت في لبنان شتى النظريات الحكم المبطن الأحلاف، إلا أن المداميك الاقتصادية ظلت راسخة على أرضية صلبة عنوانها الثلاثية الذهبية الاقتصادية (المصارف- السياحة- الخدمات)، وعليه أبقت هذه الثلاثية لبنان قائما على خريطة السياحة فرحا وعلما واستشفاء، ولكن كانت المصارف العنوان المشرق الدائم حتى وصلنا إلى الحضيض الاقتصادي والمالي الذي نعيشه، وسياسة النعامة والإنكار التي آن لها أن تستفيق على الواقع المرير من ناتج قومي محلي خسر ثلثيه إلى حوالي 20 مليار دولار، وبطالة تفوق 50 في المئة، وإغلاق مؤسسات بالجملة، وصولا إلى نسب نمو بالسالب قد تصل بحسب البنك الدولي إلى ما يقارب -20 في المئة، وعلى رأس كل ذلك غياب الثقة من الداخل والخارج والذي مرده الأول والأخير وكلمة سره الإصلاحات التي هي عنوان المرحلة القادمة، ومفتاح أي حل بمواجهة الفساد والهدر والاسترخاء على لا شيء إلا ضرب اللبنانيين في معيشتهم التي لم يكن ينقصها إلا كورونا بسلالته القديمة والمتحورة لكي تكمل على ما تبقى؛ آكلة الأخضر واليابس.

التعميم 154 عن مصرف لبنان ماذا بعد

ما هي إلا أيام قليلة وتنتهي مهلة حاكمية مصرف لبنان التي منحها للمصارف لتطبيق التعميم رقم 154، بعد تمديدها لأكثر من مرة، والتي تفرض عليها إعادة تكوين التزاماتها، وزيادة رساميلها بنسبة 20 في المئة، وإعادة الأموال المحوَّلة بنسبة 15 إلى 30 في المئة، وإعادة تكوين نسبة 3 في المئة في حساباتها لدى البنوك المراسلة، وذلك تحت طائلة وضع مصرف لبنان اليد عليها وتصفيتها.

وتاليا ونحن على أبواب انتهاء المهل تكثر الأسئلة:

كم هي المصارف القادرة على تطبيق التعميم؟

وتاليا كم من مصرف سيذهب للدمج أو التصفية؟

وما هي آلية التصفية؟ وهل مصرف لبنان جاهز لإدارة هذه العملية برمتها؟!

خطوات ولكن..

لقد أوشت الوقائع بعدة خطوات للعديد من المصارف أبرزها تشجيع المقترضين على تسديد قروضهم من خلال عمليات بيع عقارية، وتاليا تخفيض محفظة القروض الخاصة لدى المصارف بقيمة تفوق 10 مليارات دولار خلال عام واحد، إضافة إلى خفض حجم الودائع الدولارية من خلال استمرار عمليات السحب الاعتيادية بالليرة على سعر 3900، وهو سعر وهمي وغير حقيقي فتجني البنوك فارق السعر الذي لامس 9000 ليرة للدولار.

إلى ذلك ستواصل المصارف لعبة التقليص في الموظفين والممتلكات والتي قد تؤدي إلى أزمة اجتماعية هائلة، وبذلك تحقق المصارف خفض الكلفة التشغيلية لها. وإلى ذلك عملت على زيادة الموجودات من خلال تحرير عقارات يمكن إعادة تقويمها ضمن الموجودات لتحسين وتحصين دفتر الموجودات والمطلوبات، إضافة إلى إعادة تخمين أصولها وهي عملية سمح بها البنك المركزي والتي رسمت حولها علامات استفهام كثيرة!

فأين الـ"فريش ماني" أو ما يعرف بالدولار الجديد للرسملة في هكذا خطوة والتي لا تصنف إلا للتمييع!!! وتشير المعلومات إلى أن مصرف لبنان سيتجه إلى تمديد المهلة أكثر فأكثر، إلى حين تجاهل تطبيق التعميم 154 كما سائر التعاميم، فغالبية المصارف لا نية لديها ولا قدرة لزيادة رساميلها بحسب العارفين والمحللين. كما أن ليس لدى مصرف لبنان القدرة على التصفية أو الاستحواذ على عدد كبير من المصارف التي لم تمتثل لمتطلبات إعادة الرسملة في وقت واحد. وعليه هل يفعلها البنك المركزي ويستكمل التطبيق حتى النهاية، أم هي المخارج والمهل الإضافية التي ستكون حسب الطلب، علما أنه للأمانة كل الظروف تعمل ضد المصارف؟

إلى ذلك عمدت المصارف المتمددة إلى بيع الوحدات الخارجية لتأمين مبالغ بالدولار الطازج، وآخرها ما تردد عن صفقة في القاهرة لأحد البنوك اللبنانية المصنفة من الفئة الأولى، حيث أعلن بنك أبو ظبي الأول وبنك عوده ش.م.ل عن توقيع الاتفاقية النهائية لعملية استحواذ بنك أبو ظبي الأول على 100 في المئة من رأسمال بنك عوده ش.م.م (مصر). إلى ذلك سعت المصارف ولا زالت إلى حثّ المساهمين الحاليين في الموافقة على زيادة مساهماتهم في عملية تكبير الرأسمال، حيث عمدت المصارف إلى التفاوض مع كبار المودعين لديها لحثّهم على الاكتتاب في الرأسمال، خصوصاً أنّ أسعار الأسهم تراجعت بنسَب كبيرة، وبات في مقدور المودع امتلاك نسبة جيدة من الأسهم بسعرٍ عادل، على اعتبار أنّ التراجع الكبير قد حصل، ولكن هل يجرؤ رأس المال الجبان إلى الاكتتاب، حيث الظروف الداخلية والإقليمية غير مواتية بانتظار تبلور الحلول؟

مكمن الخطورة هنا

إن أخطر ما في التعميم 154 الإبقاء على الظروف السياسية الحالية، والتي لا تشي إلا بمزيد من التأزم، فكيف للبنوك تأمين 20 في المئة من الرساميل ولا إصلاح ولا ثقة ولا اتفاق مع صندوق النقد؟ للأسف يبدو أن من سينجح في الاختبار سيكون أمام ضرب من ضروب الخيال.

لا شك أن المصارف اللبنانية تعاني الأمرين في هذه الأيام، حيث الظروف المالية والاقتصادية السياسية المحلية والإقليمية والدولية كلها تعمل ضدها، وفي جزء منها تتحمل المصارف نفسها هي كامل المسؤولية في حجم التعرض بالديون تجاه الدولة معرضةً نفسها وأموال المودعين للهلاك.

إن نهاية الشهر باتت على الأبواب ولا أحد يستطيع التنبؤ الحقيقي بمن سيقضي نحبه ومن ينتظر من المصارف العاملة، ولكن بالتأكيد إن الاشتباك بين المصارف والمصرف المركزي قادم في سيناريو يحمل للبنوك مسارات مختلفة؛ تبدأ من اللجوء لمصارف أخرى داخلية وخارجية في محاولة لجلب استثمارات أو الدمج، وصولا إلى التصفية لمن لا يستطيع البقاء، والحقيقة تقول إن قلة من المصارف بإمكانها البقاء في لعبة الرقص على أبواب الهاوية.
التعليقات (0)