كتب

الربيع العربي وتحولات الخطاب الصوفي.. قراءة في كتاب

التصوف.. علاقة بين العبد وربه أم ظاهرة اجتماعية لها وظائف سياسية؟ كتاب يجيب  (عربي21)
التصوف.. علاقة بين العبد وربه أم ظاهرة اجتماعية لها وظائف سياسية؟ كتاب يجيب (عربي21)

الكتاب: الصوفية اليوم.. قراءات معاصرة في مجتمع التصوف ونماذجه
تحرير: د.محمد أبو رمان
الناشر: مؤسسة فريدريش إيبرت ـ مكتب عمان ـ 2020


ربما كانت ظاهرة التصوف في العالم العربي والإسلامي، واحدة من أهم الظواهر الدينية التي استرعت اهتمام علماء الاجتماع والمفكرين، باعتبارها الظاهرة الأهم التي احتفظت ليس فقط بوجودها واستمرارها، وإنما أيضا بتنوعها وتعدد تجاربها.

والحقيقة أن التصوف مثله مثل باقي الظواهر الدينية، مثّل واحدا من الحقول المعرفية التي جلبت إليها اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع، فضلا عن الساسة وصناع القرار. وقد ساعدت ثورات الربيع العربي التي مكنت تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي، ليس فقط من المشاركة السياسية، بل ومن قيادة عدد من تجارب الحكم في العالم العربي، في فتح الباب أمام المفكرين لإعادة السؤال عن علاقة الدين ومن ضمنه التصوف بالطبع بالسياسة.

ضمن هذا الإطار، يظهر كتاب "الصوفية اليوم قراءات معاصرة في مجتمع التصوف ونماذجه"، تحرير د.محمد أبو رمان، الصادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت ـ مكتب عمان، في طبعته الأولى نهاية العام الماضي 2020. 

يقع الكتاب في 368 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف من مقدمة وخمسة فصول. والكتاب عبارة عن مجموعة من الدراسات والقضايا التي تناولها مؤتمر "الصوفية اليوم"، الذي دعت له مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية ـ مكتب عمان، يوم الثلاثاء 13/10/2020. 

 

التصوف.. قراءة معاصرة


في مقدمته، "هذا الكتاب"، يقول أبو رمان: "يجمع هذا الكتاب بين دفتيه جملة من الدراسات المتخصصة في فهم الصوفية وتجليات التصوف الاجتماعية والثقافية والسياسية في العالم اليوم، قدّمها نخبة من الخبراء المتخصصين في هذا الجانب، من سبعة دول (الأردن، سوريا، لبنان، العراق، مصر، السنغال، البوسنة والهرسك)، تتناول قضايا التصوف في المجال الفكري والواقعي اجتماعيا وسياسيا وثقافيا" (ص 9).
  
يتناول الفصل الأول من الكتاب، موضوع "الصوفية والتصوّف.. قراءات معاصرة"، وفيه أربع دراسات؛ الأولى للمفكر العراقي وأستاذ الفلسفة الإسلامية، د. عبد الجبار الرفاعي بعنوان "التصوف بصيرة ملهمة أُطفئ ضوؤها في زوايا العزلة والغياب عن العالم" (ص 17 ـ 36)، والثاني للباحث في الإسلاميات والتصوّف ومدير مركز طواسين، خالد محمد عبده "معنى أن تكون صوفيّا اليوم" (ص 37 ـ 55)، والثالث للباحث السوري والأستاذ الجامعي، د. منذر الحايك بعنوان "التصوف مذهب روحاني عالمي" (ص 57 ـ 71)، ويكتب الباحث المصري الحاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ الإسلامي، د. محمد يسري أبو هدور دراسة عن "الأبدال عند الصوفية (ص 73 ـ 91). 

يسعى الفصل الأول إلى طرح جملة من القضايا، منها إعادة تعريف وقراءة التصوف والتمييز بين الفهوم والأفهام والتفسيرات المتنوعة والمتعددة للمدارس الصوفية ما بين القديم والوسيط والمعاصر، ومقربة التصوف مع انبعاث الروحانية في العالم اليوم، ومعاينة بعض المفاهيم والقضايا الصوفية في منظور معاصر.

 

تجارب صوفية
 
أما الفصل الثاني "العودة إلى التصوف.. نماذج متنوعة"، فيتناول نماذج متنوعة ومتعددة من التصوف في العديد من المجتمعات اليوم، فيقدم لنا الأستاذ في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، د. عبد الرحمن الحاج من سوريا، النموذج الصوفي السوري واشتباكه مع الواقع المجتمعي والأدوار السياسية، بعنوان "البحث عن السلام الداخلي: العودة إلى التصوف وتحولات التدّين في سوريا" (ص 95 ـ 128).  

فيما يتناول الباحث في الشأن الديني، د. منصر حمادة من المغرب العربي المشهد الصوفي في المغرب، وتأثير الربيع العربي على السياسيات الدينية هناك وعلى الطرق الصوفية، بعنوان "الربيع العربي وتحولات الخطاب الصوفي في المغرب" (ص 129 ـ 153). 

ويتناول رئيس الجامعة الإسلامية بمنيسوتا الولايات المتحدة الأمريكية فرع السنغال، د. محمد مختار حي من السنغال دور الطرق الصوفية في مجال الاقتصاد والإنتاج، بعنوان "المشهد الصوفي في السنغال" (ص 155 ـ 162). وتقدم الكاتبة والباحثة البوسنية مريم تولتش صورة عن الموروث الصوفي والتجليات المعاصرة للتصوف في المشهد البوسني، بعنوان "قصة التصوّف في البوسنة" (ص 163- 178).
 
يركّز هذا الفصل على فكرة التعدد والتنوع بين النماذج الصوفية، فهنالك طرق صوفية اقتصرت أنشطتها على الزوايا والحضرات والمناسبات الدينية، ومجتمعات أخرى تغلغل فيها التصوف حتى بات جزءا لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية، وأخرى يقوم التصوف بدور مهم وحيوي في المجالات الاقتصادية والخدماتية، وهنالك تصوف مستنكف عن الإعلام والخطاب السياسي والثقافي وآخر على النقيض منه، وهكذا نجد أنفسنا أمام ألوان صوفية بتجليات متنوعة ومتباينة، وأدوار مختلفة في المجتمعات والدول في عالم اليوم. 

 

التصوف والمرأة


الفصل الثالث "التصوف النسوي والنسوية الصوفية"، يتعرّض لقضية من القضايا المهمة في التصوّف اليوم، تتمثّل بنظرة الصوفية للمرأة والمقاربة بين هذه الرؤية والمدارس النسوية الحديثة، فتقدم لنا الأستاذة الجامعية في علوم الأديان والعلوم الإسلامية، د. نايلا طبّارة مقاربة بين النسوية والصوفية، فيما يمكن أن تقدّم كل منهما للأخرى بعنوان: "النسوية والصوفية: ماذا يمكن أن يقدم كل منهما للآخر؟" (ص 181 ـ 193). ثم تناقش الباحثة المتخصصة في التصوف والأديان، سمر الفوالجة قضايا متعلقة بالمرأة في المنظور والتراث الصوفي، بعنوان "قضايا نسوية في التصوف" (ص 195 ـ 207).

الفصل الرابع "التصوف الأردني أسئلة التجديد والتحولات المجتمعية"، يتناول المشهد الصوفي الأردني، عبر أربع دراسات تتناول المشهد الطرقي وأخرى التطورات الجديدة، فيقدم الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، د. محمد أبو رمان رؤية مجملة لتطور المشهد الصوفي عبر الأجيال المتعاقبة من الطرقية إلى الشبكية، بعنوان "التصوف الأردني من الطرقية إلى الشبكية" (ص 211- 241). 

بينما يقدم الكاتب الصحفي د. وفاء السوافطة نموذجاً على التجديد داخل الطريقة الشاذلية اليشرطية، بعنوان "الطريقة الشاذلية اليشرطية والتحديث" (ص 243 ـ 261). 

ويقدم حمزة ياسين دراسة تحليلية لأنماط التحول في التدين لدى الشباب الإسلامي الأردني، وبروز نزعة نحو الروحانية من خلال مجموعة من الحالات المدروسة، بعنوان "التغير في التدين الشبابي: ميول روحانية فردية" (ص 263 ـ 282). 

أما الباحث والمستشار القانوني، معاذ نائل مصالحة، فيقدم لنا نماذج عمن يسميهم "المتصوفين الجدد"، من خلال نماذج متعددة ومتنوعة، بعنوان "المتصوفون الجدد رحلة البحث عن الروحانيات والسكينة" (ص 283 ـ 294).
 
الفصل الخامس من الكتاب، "التصوف والسياسة: السلطة والمعارضة"، يستعرض موضوع التصوّف بين السياسة والتسييس من خلال أربع دراسات؛ الأولى يتناول فيها الكاتب والباحث المصري في العلوم الساسية، د. عمار علي حسن "المعالم السياسية للخطاب الصوفي" (297 ـ 320). 

أما الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، د. محمد خير عيادات، فيتناول نموذجا من نماذج العلماء الصوفيين، وهو الإمام أبو حامد الغزالي ويقدم لنا رؤيته للمجال السياسي، بعنوان "الغزالي والسياسة" (ص 321 ـ 330). فيما يحفر الباحث أسامة غاوجي إلى بواكير التصوف والمراحل الأولى منه، ليستخلص رؤية المتصوفين الأوائل للشأن السياسي والعلاقة مع السلطة السياسية، بعنوان "الإعراض والمعارضة: التصوف المبكر والسلطة السياسية" (ص 331 ـ 348). 

أما الباحث والكاتب الأردني، حسن أبو هنية، فيناقش المحاولات السياسية الراهنة، عالميا وإقليميا ومحليا لتسييس التصوّف وتوظيفه في المجال السياسي، بعنوان "التصوف الإسلامي: التجلي الروحاني والأداء السياسي" (ص 349 ـ 376).

وبهذا، يكون الكتاب قد سلط الأضواء الكاشفة ليس فقط على مفهوم التصوف وتاريخه، وإنما، وهذا هو المهم في هذا الكتاب، أنه يقدم التصوف ليس باعتباره علاقة بين العبد وربه، وإنما أيضا بوصفه أحد الأدوات السياسية التي يتم اللجوء إليها؛ إما من طرف الأنظمة الحاكمة في كثير من الحالات لمواجهة مد الإسلام السياسي، أو لمواجهة حراك الشارع ضد الحكام.

وهذا إن كان يدل على شيء، فإنه يعني عمليا نسف فكرة خلو التصوف من السياسة أو من العلاقة بقضايا الناس الحياتية. 

التعليقات (0)

خبر عاجل