قضايا وآراء

فتنة التطبيع وابتزاز الإخوان

قطب العربي
1300x600
1300x600

رغم الاتفاق في الموضوع وهو "التطبيع" بين مجموعة الحكومات العربية التي دخلت حظيرة التطبيع مؤخرا، إلا أن اختلافا جوهريا بين التطبيع "المغربي" وغيره من الحكومات المشرقية، حيث كانت الصدمة أن من وقع بالنيابة عن المغرب لم يكن ملكها وهو صاحب القرار المنفرد في هذا الأمر، بل رئيس وزرائه "سعد الدين العثماني" ذو الخلفية الإسلامية وصاحب المواقف الكثيرة المسجلة كتابة وصوتا وصورة ضد التطبيع واعتباره خيانة.

التطبيع مع العدو الإسرائيلي هو بالفعل خيانة، سواء قام به إسلامي أو علماني، ليبرالي أو يساري، وسواء كان مغربيا أو مشرقيا، عربيا أو تركيا أو حتى فلسطيني، التطبيع خيانة وخاصة من دول وحكومات ظلت ترفضه عقودا، وكان رفضها موضوعيا مبررا، حيث لا يزال الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، سواء فلسطين أو الجولان، قائما، وحيث لا يزال الأقصى أسيرا لدى الصهاينة، وحيث لا تزال آلة القتل الإسرائيلية تحصد المزيد من الأرواح البريئة. وباختصار لم يجدّ جديد يدفع تلك الحكومات العربية لتغيير موقفها الرافض للتطبيع ولتهرول نحو العدو دون تقديمه أي تنازلات، هو تطبيع مقابل حماية تلك النظم من شعوبها بعد أن كان الشعار المرفوع الأرض مقابل السلام.

 

لم يجدّ جديد يدفع تلك الحكومات العربية لتغيير موقفها الرافض للتطبيع ولتهرول نحو العدو دون تقديمه أي تنازلات، هو تطبيع مقابل حماية تلك النظم من شعوبها بعد أن كان الشعار المرفوع الأرض مقابل السلام

 

لم تكن للإمارات حاجة للتطبيع سوى أنها تريد لعب دور إقليمي من تلك البوابة، وقد شاهدنا كبار مسئوليها يطوفون البلدان العربية والإسلامية لحثها على التطبيع مع الكيان، وهو الدور الذي كانت تقوم به من قبل واشنطن ومؤسساتها. والشعب السوداني لا حاجة له للتطبيع لكن نظامه المهتز يحتاج دعما ويعتقد وجوده لدى الكيان، والشعب المغربي ليس بحاجة للتطبيع بل هو من أكثر الشعوب العربية رفضا له، ولكن نظامه لديه تاريخ ممتد في العلاقات الخفية والعلنية التي توقفت مؤقتا بعد الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وهو يوهم شعبه الآن بأن هذا التطبيع هو الذي منحه دعما أمريكيا لقضية الصحراء، وهو دعم مؤقت ومرتبط بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ويستطيع الحاكم الجديد أن يلغيه بجرة قلم، كما فعله ترامب بجرة قلم.

كانت القوى الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين بفروعها المنتشرة في كل العالم العربي؛ هي الأكثر مقاومة للتطبيع وهي التي قادت الشعوب العربية في مواجهته، ونجحت بالفعل في تأسيس ثقافة شعبية عربية إسلامية مناهضة للتطبيع، قادرة على مواجهة كل محاولات الحكام وأذرعهم الإعلامية والثقافية. ولا تزال هذه القوى الإسلامية هي الأكثر مواجهة حتى اللحظة، ولم يشذ عن ذلك سوى موقف حزب العدالة والتنمية المغربي بقيادة سعد الدين العثماني، الظهير السياسي لحركة التوحيد والإصلاح (التي أعلنت رفضها للتطبيع)، وهي الحركة التي كانت نتاج اندماج حركتين إسلاميتين من قبل. ورغم اقترابها من فكر الإخوان إلا أنها لا تتبنى رؤى الإخوان بشكل كامل، كما أنها أعلنت مرارا وتكرارا أنها ليست جزءا من الإخوان، وتتالت هذه الإعلانات بصورة أكثر إلحاحا بعد انقلاب 2013 في مصر، حيث أرادت الحركة وحزبها تأكيد استقلاليتهما التامة، وفي إطار هذه الاستقلالية جرت مراجعات فكرية وسياسية غلّبت الطابع القُطري على الحزب، ودفعته لتبني سياسات الملك في كل القضايا تقريبا.

 

لم يكن غريبا عليه قبول قرار الملك بالتطبيع مع إسرائيل، ولم يكن غريبا أن يتصدى رئيس الحكومة والذي هو رئيس الحزب للتوقيع بنفسه على اتفاقية التطبيع الجديدة

ولذا لم يكن غريبا عليه قبول قرار الملك بالتطبيع مع إسرائيل، ولم يكن غريبا أن يتصدى رئيس الحكومة والذي هو رئيس الحزب للتوقيع بنفسه على اتفاقية التطبيع الجديدة، وقد كان بإمكان الرجل أن يعتذر عن التوقيع باعتبار أن هذا الأمر يخص الملك وليس الحكومة، أو أن ينيب وزير الخارجية لتوقيع الاتفاق، أو كان بإمكانه أن يرفض التوقيع متذرعا أن من يمثل الجانب الإسرائيلي في التوقيع لا يماثله من حيث البروتوكول، فهو مجرد مستشار كان ليقابله من الجانب المغرب مستشار مثله.

موقف حزب العدالة والتنمية المغربي يخصه، وهو وليد تجربته الخاصة به، ولا يمتد لبقية الأحزاب والحركات الإسلامية، كما أنه لا يمس موقف الإخوان المسلمين، ورغم ذلك تبارى الكثيرون في إلصاق هذا الموقف بجماعة الإخوان صاحبة التاريخ الطويل، بل الأكثر مواجهة للمشروع الصهيوني منذ نشأتها، عبر كتائب الفدائيين التي أرسلتها للقتال في فلسطين، وعبر فرعها الفلسطيني حركة حماس، وعبر مواقفها في كل الدول العربية، وتسييرها المظاهرات الضخمة والندوات والمؤتمرات الرافضة للتطبيع، حتى أنها نجحت في تنشئة أجيال رافضة للتطبيع بالفطرة.

 

موقف حزب العدالة والتنمية المغربي يخصه، وهو وليد تجربته الخاصة به، ولا يمتد لبقية الأحزاب والحركات الإسلامية، كما أنه لا يمس موقف الإخوان المسلمين

وحين تولى أحد أبنائها حكم مصر (الرئيس محمد مرسي) فإنه لم ينطق اسم إسرائيل مرة واحدة طوال حكمه، كما أنه رفض عرضا من الرئيس الأمريكي أوباما بمصافحة نتنياهو، ولو أنه فعل ذلك لما تعرض للانقلاب عليه لاحقا، ولأغدقت عليه الدول الغربية كل أنواع الدعم المالي والسياسي. كما أن هذا الرئيس هو الذي تصدى للعدوان الإسرائيلي على غزة في 2012 وصرخ صرخته الشهيرة: "لن نترك غزة وحدها"، وأرسل في ذلك الوقت رئيس وزرائه هشام قنديل تحت القصف إلى غزة، كرسالة إلى إسرائيل حتى توقف عدوانها في وجود رئيس الحكومة المصرية، ونجح بالفعل في إيقاف العدوان عبر اتفاق وقعته معه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وأشادت بعده بزعامة مرسي.

ولا مجال هنا لاستدعاء موقف خاص بإرسال مرسي رسالة بروتوكولية إلى الرئيس الإسرائيلي بيريز، وتكفينا هنا شهادة الدكتور سيف عبد الفتاح، المستشار برئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، والذي صرح لقناة "الجزيرة" بأن هذه الرسالة كانت جزءا من "مؤامرة ومهزلة قام بها أفراد من الحرس الجمهوري، رغم تنبيه الرئيس مرسي لهم بأن أي رسالة موجهة للولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل يجب أن تعرض عليه منفردة في ملف مستقل"، وأن "المكلف بشؤون البروتوكول كتب هذه الرسالة ودسها في الملف ضمن الخطابات الاعتيادية التي تتعلق بتهاني اعتيادية".

رغم هذا الموقف المشهود والمشهور لجماعة الإخوان، إلا أن البعض استغل توقيع حزب العدالة المغربي على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل لإلصاق ذلك بالجماعة التي تنصل منها ذلك الحزب مرارا وتكرارا. والذين استهدفوا الإخوان باتهاماتهم فريقان؛ أولهما خصوم فكريين قدامى للجماعة، ولا يهمنا الآن التعليق على موقفهم فهذا هو الطبيعي المتوقع منهم، ولكن الفريق الثاني هم ممن انشقوا عن الجماعة، ويستهدفون تصفية ثارات لهم معها، أو بعض الحلفاء السابقين للجماعة الذين يتهمونها الآن بالتسبب فيما وصلت إليه أحوالهم. ورغم معرفة الكثيرين من هؤلاء بحقيقة العلاقة بين الإخوان والحزب المغربي، إلا أنهم يصرون على وصفه بحزب الإخوان في المغرب، ويبدأون بعد ذلك تحليل سر تغيير الإخوان لموقفهم من الكيان الصهيوني، متجاهلين تاريخا حافلا وواقعا معاشا، كان آخره صدور بيان من الجماعة الأم باستنكار هذا التطبيع وكل تطبيع.

من حق البعض أن يختلف مع الإخوان، ومن حق غيرهم نقد فكر أو ممارسات الجماعة، فهي جماعة بشرية تخطئ وتصيب، لكن ليس من المروءة الكذب والتزوير للطعن في الجماعة التي تتعرض في الوقت ذاته لضربات موجعة من النظام المصري ومن الكثير من النظم العربية الحليفة للصهاينة، ولكنها لا تزال صامدة حتى الآن في مواجهة الاستبداد من ناحية، وفي مواجهة التطبيع من ناحية ثانية، ولو أنها تراجعت عن موقفها من التطبيع فإنها قد ترجع غدا للحكم في مصر وغيرها من الدول العربية، ويتم إسنادها بكل الدعم الأمريكي والغربي، لكنها لم ولن تفعل.

twitter.com/kotbelaraby

التعليقات (2)
Reda
الأحد، 27-12-2020 07:58 م
احسنت القول استاذ العربي مقال واضح وصريح
هذه كلمة حق
الأحد، 27-12-2020 02:39 م
جزاك الله خيراً على كلمة الحق هذه التي أوضحت بها الأمور وأن جماعة الإخوان هي التي حملت لواء مقاومة الصهاينة والتصدي لكل تطبيع ظاهر أم باطن. وكما قلت فإن حزب العدالة والتنمية ليس من الإخوان بحال من الأحوال كما أن جماعة الإخوان تصدت لهذا التطبيع كما تصدت لكل تطبيع آخر رغم أنها تعاني من اشد محنة في تاريخها كله بسبب انقلاب الخيانة والعار الذي قادة الخسيسي وخونة العسكر. ويكفي الرئيس الشيهد محمد مرسي كما قلت أنه لم ينطق بكلمة إسرائيل مرة واحدة طوال العام الذي قضاه في الحكم. بل إنه في أثناء عدوان غزة كان كمن عانى شخصياً من العدوان فأجرى أكثر من 200 اتصال دولي لوقف العدوان فضلاً عن إرسال رئيس وزرائه أثناء الضرب على غزة. خسئ المتنطعون الخونة الذين وقفوا مع الانقلاب قلباً وقالباً فلما جفاهم الانقلاب تظاهروا بالبطولة الكاذبة وهم خونة شأنهم شأن قادة الانقلاب والعسكر أنفسهم.