هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصدر الأزهر فتوى بتحريم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين ولم يأت لنا بنص شرعي يدعم فتواه. وواضح أن هذه الفتوى ليست إلا مجرد حكم فقهي ذاتي لا علاقة له بنصوص شرعية. إنها مجرد حكم اجتهادي مزاجي لا علاقة للإسلام بها. وهذه مسألة يعاني منها الإسلام منذ زمن بعيد وهي تجاوز الأحكام الشرعية ونصوص التعاليم الإسلامية لصالح أحكام فقهية لا تتوفر لها أرضية صادقة.
المؤسف أن العديد من الفقهاء تجاوزوا الأسس الإسلامية في الإفتاء وإصدار الأحكام ونصبوا أنفسهم متحدثين نيابة عن رب العالمين جل في علاه وعن الرسول عليه الصلاة والسلام.
أين هو حق الأزهر في إصدار هكذا فتوى وهي تضم بين جنباتها أبعادا سياسية وإصدارها ينطوي على الوقوع في الحرام أو الفسوق. المفهوم من الفتوى أن أنظمة سياسية وعلى رأسها النظام المصري ترغب في فتاوى من هذا القبيل على اعتبار أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وبالتالي فهي خارجة عن الدين الإسلامي.
والفتوى لا تستند إلى حقائق ومعطيات مؤكدة أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، لكن أنظمة سياسية تراها كذلك، وتصفها بأنها إسلام سياسي. وما العيب في إعطاء تعاليم دينية بعدا سياسيا؟ ألا يوجد في أوروبا أحزاب سياسية؟ وألا تترجم أحزاب كثيرة مثل الأحزاب الرأسمالية والديمقراطية والشيوعية والاشتراكية أفكارها وقناعاتها الفلسفية إلى أطروحات سياسية؟ أم أنه حلال على الآخرين وحرام على الجماعات الإسلامية؟
سبق لفقهاء من السعودية أن قدموا قتاوى مشابهة، وسبق لهم أن أفتوا أن إطاعة الحاكم الظالم أفضل من الخروج عليه، وإلى ما غير ذلك من خروج على التعاليم الإسلامية. والآن يتراجع فقهاء خليجيون كثر عن فتاواهم بشأن المرأة والتطبيع مع الكيان الصهيوني. إنهم يتراجعون عن كثير من أحكامهم الفقهية الاجتهادية لصالح بيئات سياسية مستجدة على الساحة. وهم بذلك يجعلون من الإسلام مهزلة فقهية بدون رؤية علمية أو دراية حكيمة لنصوص الشريعة والفكر الإسلاميين.
هناك فتاوى تكفير كثيرة وتبرر قتل الناس وذبحهم وأكل أكبادهم، لكنها فتاوى صادرة عن أناس موتورين لا أفق عندهم ولا يشكلون مرجعية دينية، أما الأزهر فيشكل مرجعية دينية مسموعة، ولذلك تشكل فتواه الأخيرة خطرا كبيرا على رسالة الدين الإسلامي وعلى الأمة ككل.
الدين الإسلامي يسر لكن فقهاء السلاطين عسروه بفتاواهم ضيقة الأفق والتي لا تخرج عن خطوط الغباء. لقد أشبعوا المسلمين أحكاما عقدت الدين الإسلامي وأدخلت المسلمين في تعقيدات حياتية يحتاج الانضباط بها إلى انشغال مستمر في أمور لاهوتية لا يمكن التحقق من صحتها. علما بأن الدين الإسلامي ليس لاهوتيا ولا رهبانيا ولا يغادر الحياة العملية للإنسان. إنه دين مبادئ وأسس عريضة ويترك التفاصيل الحياتية لظروف الزمان والمكان والحدود المعرفية للإنسان.
ما أقوله هنا ليس دفاعا عن جماعة الإخوان المسلمين وإنما دفاع عن الإسلام، إذ ليس من الدين أبدا التلاعب بعقول الناس وتضليلهم دينيا بأحكام لا أساس شرعيا لها. وقد سبق للمفكر الإسلامي محمد شحرور والذي كفره العديد من الفقهاء أن قال إن الدين الإسلامي لا يستقيم إلا إذا انتزعناه من أيدي الفقهاء. لقد أساء العديد منهم للإسلام، وفتاواهم هي التي ولدت الإرهاب والتعصب وضيق الأفق والتمادي في التضييق على الناس ولإبعادهم عن التفكير العلمي والمنطق الإسلامي الصحيح.
هؤلاء حاربوا المفكرين وأصحاب الرأي واستعملوا التكفير لقتل الناس. لقد سبق أن تعرضت أنا شخصيا للإرهاب الفكري من قبل الإخوان المسلمين، لكن هذا لا يعني أبدا تحريم الانضمام إليهم. صحيح أنه مطلوب من الإخوان المسلمين مراجعة العديد من أفكارهم وفتاواهم، والالتزام بروح الدين الإسلامي وتعاليمه والابتعاد عن إقصاء الذين لا يتفقون معهم، لكن دون إخضاع الفتاوى لأمزجة وأهداف سياسية.
والسؤال المطروح على مشيخة الأزهر هو: أيهما أكثر إرهابا الأنظمة العربية أم جماعة الإخوان المسلمين؟ أنظمة العرب أجرمت وما زالت تجرم بحق المواطن العربي، وهي تسببت بالكثير من المآسي والهزائم للأمتين العربية والإسلامية.
هناك فتاوى تكفير كثيرة وتبرر قتل الناس وذبحهم وأكل أكبادهم، لكنها فتاوى صادرة عن أناس موتورين لا أفق عندهم ولا يشكلون مرجعية دينية، أما الأزهر فيشكل مرجعية دينية مسموعة، ولذلك تشكل فتواه الأخيرة خطرا كبيرا على رسالة الدين الإسلامي وعلى الأمة ككل.