هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عاد الجدل مجددا بين مكونات حركة "النهضة" في تونس، حول مصير المؤتمر 11 للحركة، الذي يواجه تحديات كبيرة ليس فقط بسبب الظرف الصحي العام الذي تعيشه البلاد في مواجهة وباء كورونا، وإنما بسبب الخلافات التنظيمية العميقة التي تشق صفوف الحركة ومؤسساتها القيادية.
فبعد أسابيع قليلة من بيانات مجموعة المائة قيادي من حركة "النهضة" التي طالبوا فيها رئيس الحركة بالإعلان مسبقا عن احترامه للقانون الأساسي للحركة، وللمادة 31 تحديدا من هذا القانون التي تحدد رئاسته للحركة بولايتين، أعلن القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون استقالته من مجلس شورى الحركة ومن كل المؤسسات القيادية للحركة احتجاجا على ما وصفه بانشغال الحركة بقضايا تنظيمية بعيدة عن انشغالات الناس.
وقال زيتون في حديث مع "عربي21": "للأسف الشديد وصلت إلى قناعة بعدم إمكانية الإصلاح من داخل النهضة، وبعدم وجود إرادة وجدية ليس فقط للإصلاح وإنما للانشغال بما يواجه البلاد من تحديات، لذلك أعلنت استقالتي من كل المؤسسات القيادية للحركة".
وأكد زيتون، أن "النهضة بخلافاتها التنظيمية التي كشفت عنها تعود سنوات إلى الوراء، وربما إلى ما قبل المؤتمر الخامس".
وقال: "لم أعد معنيا الآن بالخلافات التنظيمية التي تشق حركة النهضة، وبالخلافات العميقة التي تعصف بها، وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى انقسامها أم ستتمكن من المحافظة على وحدتها، هذا كله الآن أصبح خارج اهتماماتي، لأنني أعتقد أن أزمة النهضة أعمق من ذلك بكثير".
وأضاف: "البلاد تعيش أزمة عميقة والنخب السياسية جميعها بما في ذلك النهضة عاجزة عن تقديم حلول لهذه الأزمة".
ونفى زيتون أي ارتباط بين استقالته من النهضة والأنباء التي تتحدث عن قرب عودة حمادي الجبالي إلى الحركة، وقال: "لا علاقة لاستقالتي، وبالمناسبة هذه هي استقالتي الأولى ولم يسبق لي أن استقلت من النهضة، بما يروج عن عودة حمادي الجبالي إلى الحركة، التي أراها عنوانا للفشل فهو رجل تنظيم سري بالأساس".
كما نفى زيتون وجود أي قنوات حوار بينه وبين مؤسسات النهضة بعد إعلانه الاستقالة من مجلس الشورى.
وبينما اكتفى نائب رئيس حركة "النهضة" علي العريض في حديث مع "عربي21"، بتأكيد وجود خلافات عميقة قال بأنهم بصدد السعي لتطويقها وإيجاد حل سريع لها، فقد كشف القيادي في "النهضة" رياض شعيبي النقاب عن مساع جدية يقوم بها رئيس الحركة راشد الغنوشي للتوصل إلى توافقات وصفها بـ "الضرورية لنجاح المؤتمر 11 للحركة".
وقال شعيبي، وهو المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة"، في حديث مع "عربي21": "الخلافات في النهضة اليوم ليست خلافات فكرية أو سياسية ولكنها خلافات تنظيمية.. وكونها خلافات تنظيمية فهذا لا ينقص من خطورتها ولا من أهميتها.. الخلافات التنظيمية خطيرة ويجب معالجتها".
وأضاف: "هناك فرصة نستطيع من خلالها أن نخرج من الأزمة الحالية ونعتقد أن أي حل لا يمكن أن يمر دون حوار داخلي وتوافقات قيادية داخل حركة النهضة، وهذا ما يسعى إليه الأستاذ راشد الغنوشي باعتباره رئيس الحركة خلال هذه المرحلة، وهو إيجاد حلول توافقية للخروج من الأزمة التنظيمية والقيادية الحالية".
ورأى شعيبي أن الخلاف حول التمديد لرئيس الحركة في مهامه من عدمه هو جزء من الخلاف وليس كله، وقال: "قضية استمرار الشيخ راشد من عدمه هي قضية جزئية في ظل جملة من القضايا الأخرى، والخلاف الحاصل داخل حركة النهضة ليس فقط حول استمرار الشيخ راشد من عدمه، وإنما أيضا لأن هناك خلافات تنظيمية بين مجموعات وحساسيات وتيارات داخل الحركة، والشيخ راشد يحاول أن يوفق بين كل هذه الرؤى".
وأكد شعيبي أن الغنوشي هو "من أهم الضمانات التاريخية لوحدة الحركة، وهو لا يزال يقوم بهذا الدور حتى أثناء الأزمة الحالية".
وحول الأسباب التي أعلنها لطفي زيتون لاستقالته، وأنه فقد الأمل في الإصلاح من الداخل، قال شعيبي: "الأستاذ لطفي زيتون من حكماء حركة النهضة ومن الأصوات النقدية الذكية داخل الحركة، وقد ساهم بآرائه في تطوير الرؤى السياسية للحركة خلال المرحلة السابقة. وحديثه عن الوضع الداخلي للحركة ليس بعيدا عن الحقيقة، غير أنه أعتقد باستطاعته أن يستمر في ممارسة دوره النقدي داخل الحركة باعتبارها الآن القوة السياسية الرئيسية في البلد، حيث لا نحتاج لمزيد من التشتت السياسي على الساحة السياسية الوطنية".
وحول الأنباء التي تتحدث عن جهود جارية لإقناع الأمين العام السابق لحركة النهضة حمادي الجبالي بالعودة إلى الحركة، قال شعيبي: "حركة النهضة في الوضع الداخلي الذي تعيشه الآن، والتحديات التي تهدد مسارها تحتاج لكل أبنائها مهما كانت المحطة التي ساهموا فيها من أجل العودة لإنقاذ مشروع النهضة، ولإعادة الجاذبية والبريق للمبادئ والقيم التي دافعت عنها الحركة طوال تاريخها".
وأضاف: "الأستاذ حمادي الجبالي هو أحد العناصر الرئيسية التي رافقت حركة النهضة في تاريخها والتي بإمكانها اليوم أن تقدم الكثير من أجل تأمين انطلاقة جديدة لهذه الحركة.. الحوارات بين الأستاذين راشد الغنوشي وحمادي الجبالي إيجابية ومتقدمة وبناءة، وبالتالي أعتقد أن الأستاذ حمادي الجبالي مستعد للعودة بشكل رسمي إلى الحركة خلال المرحلة القادمة".
واعتبر شعيبي أن خروج الخلافات بين قياديي حركة النهضة إلى الإعلام، تحمل معنيي الاستقواء والشفافية معا، وقال: "على الرغم من أن محاولة الاستقواء بالإعلام لفرض رؤية ما على الوضع الداخلي تفسير معقول، لكن أعتقد أنه في ظل الوضع السياسي والإعلامي المنفتح في البلاد لم يعد هناك شيء اسمه داخلي وآخر خارجي، في ظل الشفافية الإعلامية، كل القضايا داخل حركة النهضة وخارجها أصبحت جزءا من الحوار الوطني العام حول مستقبل تونس وما يهمها، هذا فضلا عن أن حركة النهضة هي التي تقود الانتقال الديمقراطي في هذه المرحلة، وبالتالي كل ما يهمها سيشغل التونسيين بما في ذلك وضعها التنظيمي الداخلي".
وعما إذا كانت الفرصة مواتية لنهاية مشروع الإسلام السياسي في تونس بسبب عجزه عن تجديد نفسه، قال شعيبي: "حركة النهضة تجاوزت بالفعل من خلال التنظير والممارسة الفعلية معوقات الإسلام السياسي، وأصبحت تتطلع لأن تمثل مشروعا جديدا أطلق عليه الأستاذ راشد الغنوشي الإسلام الديمقراطي، وهو صيغة جديدة ومرحلة متطورة من مراحل تطور حركة النهضة، ولذلك فالحديث عن أزمة الإسلام السياسي أو عن المطبات التي تعترضه، استشعرته حركة النهضة مبكرا واستطاعت أن تفكك معضلاته وأن تستعد لدخول طور جديد من أطوار العمل السياسي انطلاقا من أرضية إسلامية".
وأضاف: "بعض المواقف التي تتخذها بعض الأطراف انطلاقا من تقييماتها لحركة النهضة هي مواقف قائمة على صور متخيلة ووهمية عن هذه الحركة، فالحركة دخلت طورا جديدا من أطوار تشكل وعيها السياسي بعد الثورة، وهي تشق طريقها في تجربة جديدة تستطيع من خلالها أن تتعاطى مع أرضيتها ومرجعيتها الإسلامية دون عقد، ولكن أيضا أن تتفاعل إيجابيا مع قيم الحداثة ومع ما بلغه الفكر الإنساني من تطور".
وشدد شعيبي على أن "حركة النهضة تمثل مطلبا سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقعيا في تونس، وقوتها وتماسكها إنما يكمن في قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الواقع، فما دامت تقوم بدور رئيسي في المشهد الحالي، فإن باستطاعتها أن تستمر موحدة وبعيدة عن شبح الانقسامات".
وعن موعد انعقاد المؤتمر 11 لحركة النهضة، قال شعيبي: "بالنسبة للقرار الفني هو بيد لجنتي الإعداد المادي والمضموني، وبالنسبة للقرار الواقعي فإنه يرتبط بعاملين أساسيين: الأول هو الظرف الصحي في البلاد، والثاني هو العامل السياسي، أي الوصول إلى توافقات داخل حركة النهضة تجعل من محطة المؤتمر، مناسبة للمصادقة على هذه التوافقات"، على حد تعبيره.
ويأتي الجدل بين قيادات حركة النهضة في ظل الاستعداد لعقد المؤتمر 11 للحركة، الذي كان من المقرر إجراؤه في أيار (مايو) الماضي، ولكنه تأجل بسبب الظروف الصحية التي تعيشها تونس والعالم مع انتشار وباء كورونا.
وكان مائة قيادي في حركة "النهضة" قد وجهوا رسالة مباشرة إلى رئيس حركة النهضة طالبوه فيها بإعلان عدم نيته التوجه لتعديل القانون الأساسي والترشح لولاية ثالثة على رأس الحركة، وهي رسالة لازالت تداعياتها تؤثر على مجريات الاستعدادات الجارية لعقد المؤتمر.
وتواجه حركة "النهضة" وهي صاحبة الكتلة البرلمانية الأولى، (54 نائبا من أصل 217 نائبا برلمانيا)، علاوة عن خلافاتها التنظيمية الداخلية، تحديات كبيرة من أحزاب المعارضة في البرلمان، وأيضا من غياب الانسجام مع مؤسسة الرئاسة.
إقرأ أيضا: الغنوشي: سأحترم القانون ومؤتمر "النهضة" المقبل سيد نفسه