كتاب عربي 21

السيسي وثورة يناير.. ما الذي يقلق الجنرال؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

لا يكاد يمر شهر دون أن يتحرش عبد الفتاح السيسي بثورة يناير!

وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر فعلها مرتين، وفي لقاءين مختلفين، أحدهما بعد أيام من ذكرى أكتوبر وفي اللقاء الخاص بالندوة التثقيفية التي تنظمها سنوياً القوات المسلحة في هذا التوقيت، وكانت من قبل جزءاً من احتفالات ذكرى النصر، فصار النصر عبئاً على القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي عنده ليست أكثر من خطاب يذكرها فيه بسطرين، ويتحاشى في كل عام أن يذكر الطرف الثاني في هذه الحرب، وكأنها كانت حرباً في سياق الجهاد الأكبر، وقد انتصرنا فيها على النفس الأمّارة بالسوء والحمد لله!

وتأتي كلمة السيسي في الندوة التثقيفية استكمالاً لخطبته في يوم الاحتفال (الذي فقد زخمه منذ أن حكم) بدون السطرين في بدايتها، وهما الخاصان بنصر أكتوبر وباعتبارهما شيئا لزوم الشيء. وفي كلمته المكملة لهذا الخطاب تحرش بثورة يناير، وبعد أسبوعين ومع نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كان في شرم الشيخ فواصل تحرشه، فهي السبب في عدم استقرار البلاد، وضياع الدولة، وتضرر اقتصادها، ونهب آثارها!

في الخطاب السابق عاد إلى تكرار ذات "الأسطوانة المشروخة"، عن أن يناير هي السبب في بناء سد النهضة، "عندما عرت كتفها، وكشفت ظهرها"!

وهذا الكلام هو تنويعات على لحن واحد، فما عاد القوم يتحدثون عن استغلال حركة حماس وحزب الله للانفلات الأمني ليلة الثورة واقتحام الحدود عبر سيارات الدفع الرباعي، حيث فتحوا السجون، وأحدثوا الفوضى، وساعدوا الثورة، لا سيما في "موقعة المقلاع" التي نشرتها جريدة "المصري اليوم"، في إطار الحملة ضد الرئيس محمد مرسي، كما نشرت أنها تقدمت بتفاصيلها في بلاغ رسمي للنائب العام، ونسيت الجريدة متابعة بلاغها بعد الانقلاب العسكري!

 

في كل مرة كنا نرد عليهم بسؤالنا عن دور الجيش؟ فالثورة كسرت الشرطة، وسيناء ضمن الاختصاص الوظيفي للقوات المسلحة، فكيف تسنى دخول من أحدثوا الفوضى حتى وصلوا لقلب العاصمة المصرية؟

التوقف عن هذا الخطاب الخاص بدور حماس وحزب الله في الانفلات الأمني، مرده إلى أننا في كل مرة كنا نرد عليهم بسؤالنا عن دور الجيش؟ فالثورة كسرت الشرطة، وسيناء ضمن الاختصاص الوظيفي للقوات المسلحة، فكيف تسنى دخول من أحدثوا الفوضى حتى وصلوا لقلب العاصمة المصرية؟! وهو الكلام الذي يصلح للرد على "أسطوانة" أن ثورة يناير هي السبب في بناء سد النهضة.

فالحديث عن بناء السد سابق للثورة، وبدا واضحاً أن نظام مبارك يفتقد للحلول، وقد فرّط في الكثير من أوراق القوة لأسباب غير معلومة عندما أغلق مكاتب المعارضة الإثيوبية في مصر، وأعطى ظهره لإريتريا، ملعب القاهرة التاريخي. وعندما استشعر الرأي العام أن نظام مبارك يبدو عاجزاً عن إقناعه بالقدرة على المواجهة، قال وزير الري نصر الدين علام إن ما يطمئنه على مستقبل حصة مصر من المياه أن الرئيس مبارك مهتم بهذا الملف!

وعندما قامت الثورة، فإن عقدة الأمر انتقلت من مبارك ومن الأجهزة الأمنية، إلى وزير الدفاع والمجلس العسكري، والشرطة التي انسحبت ليلة 28 كانون الثاني/ يناير ليست معنية بالحفاظ على حصة مصر من المياه، وكان المجلس العسكري يتصرف في البلاد تصرف المالك في ما يملك، فماذا كان موقف سلطة الحكم الجديد في مواجهة التحديات الإثيوبية؟!

شراء الشرعية:


الحقيقة المرة أنه حتى عام 2015، لم يكن التحدي جاداً، ولم تتم شرعنة بناء السد إلا في ظل حكم السيسي، وبعد أن أزال آثار ثورة يناير، وفي وقت كانت فيه الدعاية له بأنه حقق الأمن، فلم تعد مصر كاشفة الظهر أو الكتف، بحسب تعبيراته البلاغية، ولولا توقيعه على اتفاقية المبادئ ما كان هناك تحدٍ، وقد أعطى بهذا "التوقيع المريب" موافقة مصر كتابة على بناء السد بدون قيد أو شرط، وهو ما كان سبباً في إقدام جهات خارجية على الاستثمار في عملية البناء، وليس من بينها قطر أو تركيا، فالمساهم الإقليمي هي دولة الإمارات العربية المتحدة!

 

الحديث عن تضرر الاقتصاد، فماذا فعلت ثورة يناير ليكون هذا التضرر بسببها، ومصر تلقت مساعدات وقروضا خارجية بسخاء في سنوات حكم السيسي، لم تتلقها على مدى نصف قرن حكم فيها العسكر ودمّروا الاقتصاد على حساب نزوات الحاكم الفرد؟

أما الحديث عن تضرر الاقتصاد، فماذا فعلت ثورة يناير ليكون هذا التضرر بسببها، ومصر تلقت مساعدات وقروضا خارجية بسخاء في سنوات حكم السيسي، لم تتلقها على مدى نصف قرن حكم فيها العسكر ودمّروا الاقتصاد على حساب نزوات الحاكم الفرد؟ لكن تضرر الاقتصاد ليس بسبب ثورة يناير، ولكنه بسببه هو، وقد أهدر المليارات في مشروعات الرمال المتحركة، وبتسليمه اقتصاد الدولة المصرية للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وصارت مصر تحكم حكما عسكريا مباشراً، فما هو دور ثورة يناير في هذا؟ وما يحدث هو نتاج الانقلاب على الثورة، حيث جيء به للحكم بدون أن يملك المقومات اللازمة لإدارة الدولة. ثم إنه فرط في الكثير من أدوات القوة من أجل شراء شرعية يضن بها عليه الشعب المصري، وكان التفريط في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، في جانب منه لافتقاده لموهبة الحكم، وفي الجانب الأكبر للحصول على الموافقة الأفريقية عليه، والحصول كذلك على الشرعية الأمريكية عبر بوابة إسرائيل!

نكتة الموسم:

إن الحديث عن نهب الآثار، وإرجاع ذلك إلى ثورة يناير هو "نكتة الموسم"، فإذا كان هناك بعض الأشقياء الذين لا نعرف هويتهم، حاولوا في ليلة الثورة اقتحام المتحف المصري، فإن الثوار هم من تصدوا للغزاة، ووجهوا رسالة للقوات المسلحة للحضور وحماية آثار مصر، وكان هذا النداء عبر قناة الجزيرة. وحضرت قوات الجيش وسيطرت على الموقف، وتم القبض بعدها على مدير مكتب قناة الجزيرة، بواسطة الجيش، وأودع في البداية في المتحف، الذي تحول إلى سجن كبير طيلة أيام الثورة، فمن سرق الآثار؟ وما هي الآثار المسروقة على سبيل الحصر، وما هي الأماكن التي سرقت منها هذه الآثار، وأي البلاد وصلتها الآثار المسروقة؟ ولماذا لم تذهب إلى قطر وتركيا؟!

إن تجارة الآثار وتهريبها للخارج عمل لا يقوم به عوام الأشقياء، لكن ذلك يحدث عبر التاريخ بواسطة "مافيا" لها ارتباطات بزعماء في السلطة. وفي عهد الحكم الحالي شاهدنا ما لم نشاهده من قبل، وهو أن تهريب الآثار ليس بقطع صغيرة، ولكننا شاهدنا حاويات كاملة، وتماثيل ضخمة، لم تكتشف للأسف عن طريق الأمن المصري وعبر المنافذ المصرية، وإنما في البلاد التي مرت بها مثل الكويت وإيطاليا!

والسؤال البليغ هو لماذا لم يفتح تحقيق شفاف بعد عودة ما تمكن من ضبطه من آثار مهربة، والوقوف ولو على صغار المتهمين في المنافذ، ومن اصطحبوا هذه الآثار للخارج، وهم "صبيان المعلمين الكبار" بلغة عالم الجريمة؟ ولماذا التستر عليهم؟ هل هم في حماية قطر وتركيا؟!

وقد انتهى أثر ثورة يناير بالانقلاب عليها، فقد تم نشر اختفاء "نجف" أثري من مسجد الإمام الحسين، وتم الاكتفاء بأن الاختفاء كان بواسطة الإخوان، ليكون هذا إشارة لغلق الملف من غير تحقيق جاد، وكأنها كلمة سر الليل، التي تفيد غلق التحقيق بعد الإعلان من أطراف تتصرف بحسن نية!

وحسنو النية هؤلاء هم الذين أوصلوا للنيابة قضية اختفاء "طرابيزة" نابليون بونابرت الأثرية من محكمة الإسكندرية، مع أنهم لم ينسبوها بعد لجماعة الإخوان، ربما لصعوبة هذا، فلم يكن لهم سيطرة على المحاكم أبداً. وبعد ذلك توقف الحديث كلية عن هذه القضية!

ضياع الدولة:

إن السيسي بحديثه الممل عن الدولة، بعد أن خلط بينها وبين شخصه الكريم، صار هو الدولة والدولة هو، يتحدث الآن عن ضياع الدولة بسبب ثورة يناير.. فهل الدولة ضاعت فعلا؟!

إنه يتحدث عن أن انقلابه كان لحماية الدولة، وأنه يعرف عن الدولة ما لم يعرفه من قبل إنس ولا جان، وأنه ظل خمسين سنة يدرس "يعني إيه" دولة؟ أي منذ أن كان طفلاً عمره عشر سنوات، ويرى أن الثورة عليه، أو حتى الترشح الجاد ضده، يعني سقوطا للدولة.. ومن هنا نكون قد وصلنا إلى "بيت القصيد"!

فليس صحيحاً أن السيسي يبحث عن "شماعة" يعلق عليها فشله، لكن السبب في هذا أنه يدرك أن حكمه ليس مستقراً، وتمثل يناير بالنسبة له هاجساً يقلقه، ويمنعه من الشعور بمتعة الحكم، لذا فإنه كلما سيطر عليه هذا الهاجس أنتج الحديث عن ثورة يناير وما أحدثته من فشل، وهو هنا يتصرف كالذي خاف من الموت، فمات من الخوف!

 

لافتقاده للوعي السياسي اللازم للحكم على الأشياء لديه - لهذا - اعتقاد راسخ بأن هامش الحريات في نهاية عهد مبارك كان سبباً في الثورة، لذا فإنه يكمم الأفواه كلية، ويعمل على السيطرة على المجال العام، ولا يعلم أنه هنا يرتكب نفس الأخطاء

ولافتقاده للوعي السياسي اللازم للحكم على الأشياء لديه - لهذا - اعتقاد راسخ بأن هامش الحريات في نهاية عهد مبارك كان سبباً في الثورة، لذا فإنه يكمم الأفواه كلية، ويعمل على السيطرة على المجال العام، ولا يعلم أنه هنا يرتكب نفس الأخطاء التي كانت سبباً في قيام الثورة!

لقد مثل مبارك بعد اغتيال السادات حكم الضرورة لدى كثير من القوى السياسية التي كانت تناكف السادات؛ الذي انتهى به المطاف إلى الدخول في عداء مع جميع هذه القوى، فلم يكن له ظهير شعبي، وانتهى أمره بالاغتيال، واستمتع مبارك على مدى عشرين عاماً بحكم مستقر، وأمكنه هذا الاصطفاف المجتمعي من حصار خصومه الوحيدين وهم جماعات العنف، وليس من بينهم بالمناسبة الإخوان المسلمون، فقد كانوا جزءاً بدرجة أو بأخرى من دولة مبارك.

وفي هذه الفترة تشكلت له حصانة، فلا أحد يهاجمه بالاسم، والمعارضة كانت تنصب على المسؤولين من دونه أو على السياسات، ومن يشذّ عن القاعدة كان يواجه بعنف أمني كبير، وكان المجال السياسي مفتوحاً لمن يريد في حدود بطبيعة الحال!

لكن هذا المجال أغلق، وكان هناك مشروع التوريث، ولم تكن المشكلة في المشروع في حد ذاته، ولكن فيمن يمثله، مع ارتباط هذا الفساد الكبير غير المستتر بالطبقة السياسية الصاعدة مع المشروع، مع أزمات اقتصادية طالت شرائح كبيرة من الشعب، كانت في مجموعها من المولاة ومن الطوائف التي تركن للاستقرار!

 

ثورة يناير كانت بسبب غلق المجال العام، بجانب الفساد والفشل الاقتصادي، واختطاف الدولة لصالح مجموعة بدت أنها من خارج المجتمع، وهي ذات الصيغة التي اعتمدها السيسي في الاختيار، فشاهدنا هذا الأداء المهزلة

وفقد مبارك كثيرا من رجاله الذين يتميزون بالمهارة في التعامل مع الناس، وصار الحكم عصبة، ثم كان الإدراك من الوافدين للمشهد السياسي أن نجاح مشروعهم لا يكون بسياسة الإغلاق كما يفعل السيسي الآن، فكانت انتخابات 2010، ومن هناك كان إحساس الناس بأنه لا أمل. وليست المعارضة فقط التي شعرت بهذا، فقد مسّ القرح الطبقة التقليدية التي لم يفرط فيها أي نظام حكم سابق، بما في ذلك نظام عبد الناصر، مع أنها كانت مرتبطة بنظام ما قبل الثورة، لكن جمال مبارك ومجموعته استأصلوها من الحزب الحاكم، ثم أغلقوا في وجهها البرلمان، فلما قامت ثورة يناير لم تجد نفسها معنية بالدفاع عن مبارك!

فثورة يناير كانت بسبب غلق المجال العام، بجانب الفساد والفشل الاقتصادي، واختطاف الدولة لصالح مجموعة بدت أنها من خارج المجتمع، وهي ذات الصيغة التي اعتمدها السيسي في الاختيار، فشاهدنا هذا الأداء المهزلة من تصريحات وتصرفات لرجالات الدولة الجديدة، الذين يعتبر رجال مبارك الابن بجانبهم عباقرة، لأنهم كانوا حديثي عهد بدولة مبارك الأب، فحرصوا على تصدير الجدية في الشكل وفي التصرف وليس في السياسات!

لا أحد يرتكب نفس الأخطاء وينتظر نتيجة مختلفة!

twitter.com/selimazouz1

التعليقات (3)
Elnashar
الجمعة، 04-12-2020 11:55 م
نكتة الموسم هل هي نكت أم أقوال مأثورة مفروض يتعمل صفحة لأقواله المأثورة
ناصح
الإثنين، 02-11-2020 08:33 م
ما أشبه الليلة بالبارحة
الكاتب المقدام
الإثنين، 02-11-2020 04:52 م
... معركة العبور أو حرب العاشر من رمضان كما كانت تسمى، التي بدأت بصيحة "الله أكبر" التي اطلقها المجندون المصريون الذين كانوا قلب وطليعة جيش العبور وغالبية شهدائه، قبل الارتداد لوصفها بحرب 6 اكتوبر 1973 أو حرب السادات، قد اصبحت في ذمة التاريخ، كما حرب الهكسوس وموقعة حطين، والنصر المزعوم لناصر في 1956م، وهزيمة 1967م التي وصفها اللوذعي المقبور حسنين هيكل بكونها نكسة وليست هزيمة، طالماً بقي رب نعمته ناصر على عرشه يغدق عليه، وقد اكتشف السادات بعد العبور أننا كنا مخطئين وآثمين عندما عادينا أولاد عمومتنا الصهاينة اليهود لعقود، واعتبرناهم جهلاً منا عدو مصر الاستراتيجي، ولذلك فقد سحب قوات العبور، وقبل بالسيادة المنقوصة على سيناء إرضاء لهم، تحت أعين وبقيادة المراقبين الاميركيين في القوات الدولية في سيناء، ثم بعد تنازله في اتفاقية معسكر داود، رهن الجيش المصري لأميركا وربيبتها، مقابل منحة المليار دولار الأميركية السخية التي يتلقاها سنوياُ جنرالات الجيش مقابل تغيير عقيدة الجيش المصري، واصبحت المهمة الأولى لأشاوس ضباطه، التي يدربونهم عليها في اميركا، وعلى الأرض المصرية خلال مناورات النجم الساطع مع الجيش الأميركي، هي محاربة إرهاب المصريين الداعين لرفع راية الجهاد ضد أعداء الوطن. وقمع المصريون الذين يفكرون في الثورة على دولتهم، وكعادة عمنا عزوز فلابد أن يفاجئنا في كل مقالة بسر كنا نجهله، فيزعم بأن الإخوان المسلمون لم يكونوا خصوماً لمبارك، فقد كانوا على حد قوله جزءاً من دولة مبارك، فإن كانوا جزءاً من دولته، فلم كان يزج بالآلاف منهم في السجون على مدي سنوات حكمه الثلاثين (وليست العشرين كما ذكر)، ومن الذي كان يتزعم معارضة نظام حكم مبارك؟ لعله كان حزب الأحرار الذي أنشأه السادات بقرار منه، وجهلنا تاريخه الوطني التليد، وجهاد قياداته ضد ظلم مبارك في السجون والمعتقلات.