كتاب عربي 21

لماذا على السيسي أن يقلق؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذه الاستجابة لدعوة الخروج على النظام العسكري في مصر، صحيح أن من خرجوا لم يكونوا حشوداً قادرة على الحسم، لكن حتى هذا الخروج الذي شاهدناه لم يكن متوقعاً، ثم إنه بلغ من الإبداع الفطري حداً فاق كل توقع!

لا شك في أن مصر حبلى بالثورة، وقد اتسعت رقعة الغضب لتشمل فئات كانت تكتم غضبها دائما، ولا أظن أنه صار من بين فئات الشعب لهذا النظام بواكي، غير مجموعة من الإعلاميين ارتبط مصيرهم بمصيره، وعدد قليل لا يزال يزايد على أنصاره لعله يجد مكاناً له تحت الشمس. صحيح أن هناك فئات استفادت من وجوده، لكنها استفادة تبخرت قيمتها مع الغلاء. وقد بدا النظام في العام الأخير أكثر حدة، ولم يكن حتى مهتماً بمثله، فلم يرفع رواتب القضاة منذ أكثر من عامين، ولم يعد هو يمثل الخيار الأمثل بالنسبة للشرطة، كما أن الجيش ليس هو هيئة المشروعات الهندسية، أو كامل الوزير، واختزاله في ذلك عظيم الخطر!

صحيح أن ضباط الجيش صاروا الآن أكثر نفوذا عما كان الحال عليه في العهود السابقة التي حكمت فيها الشرطة، لكنه نفوذ أدبي يفقد قيمته مع ضغوط الحياة، واتساع دائرة الإفقار، فلا يمكن أن تعيش غنياً في مجتمع فقير، أو منتصراً وسط شعب مهزوم. واستمرار السيسي قد يعرض كل الامتيازات للخطر، إذا ذهبت البلاد إلى الثورة، أو انزلقت إلى الفوضى لا قدر الله.

العداء المجنون:

لقد دخل عبد الفتاح السيسي في عداء مجنون ضد المجتمع المصري في غالبيته العظمى، عندما أقر قانوناً يلزم به المصريين بشراء بيوتهم، أو إعادة شراء مساكنهم، ثم أقدم على جريمة هدم البيوت، وهدد بنزول الجيش للقرى للقيام بـ"الإبادة". ثم إنه أظهر ضعفا مطاعاً في مواجهة الإثيوبيين، وإذ كنا نشكو دائماً من عدم وصول أزمة بناء سد النهضة للناس لارتباطاتها بالقانون وتقنيات فنية، فقد وصلت الأزمة في هذا العام للمصريين، وليس أخطر على حاكم عربي من شعور شعبه بأنه ضعيف، يستأسد عليه وفي الحروب نعامة!

وإذا كان بعض المواطنين قد استسلموا للهدم غير القانوني لبيوتهم، ولم يملكوا سوى الصراخ والنحيب، ومنهم من قدم شكوى للسيسي من سياساته، فإن هناك مقاومة حدثت في بعض المناطق، كانت سبباً في العدول عن فكرة الهدم والإزالة وتخفيض المبالغ المطلوبة، لكن لدى الناس يقين بأن هذه مناورة ليمر يوم 20 أيلول/ سبتمبر بسلام!

فمصر حبلى بالثورة، لكن القوى السياسية جميعها انسحبت من المشهد، وفقدت قدرتها على الفعل ولو في الحدود الدنيا، فحتى الذين دعوا للانتفاضة ضد التفريط في التراب الوطني، انتهوا الآن بعد أن ذاقوا مرارة السجن، وتجرؤ السيسي، فمن خرج منهم التزم الصمت، والإخوان أخرجوا أنفسهم من المشهد الثوري منذ خمس سنوات مضت. وكنا ندرك تماماً أن الثورة تحتاج إلى شرارة، وإلى طليعة تحشد وتتقدم الصفوف ليأتي لها غير المسيسين في اليوم التالي، إن تمكنت من الاستمرار لليلة واحدة، ضعف الطالب والمطلوب!

ولهذا كان المتوقع ألا تجد الدعوة لمظاهرات يوم 20 أيلول/ سبتمبر استجابة، وأنها ستكون دعوة شبيهة بدعوة 25 كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، حيث لم يحضر أحد، مما اضطر صاحب الدعوة إلى الاعتزال، وإغلاق صفحته، ويومئذ كتبت أنه عائد لا محالة، وذكرت أسبابي لذلك وقد عاد فعلا، وليس هذا هو الموضوع!

قسوة التجربة:

لقد كانت تجربة الخروج يوم 20 أيلول/ سبتمبر الماضي قاسية، إذ اعتقل نظام عبد الفتاح السيسي ثمانية آلاف مواطن، وأخلى سبيلهم بقرارات من النيابة بعد ذلك بغرامات باهظة، وتأكد الناس أن السيسي مستعد لإبادة الشعب المصري كله مقابل استمرار حكمه. وها هو يهدد بالجيش بالإبادة على نحو ذكر الناس بما لم يكونوا قد نسوه ومن مجازر في أكثر من ميدان وأكثر من مناسبة، إنه يشهر السلاح في وجه الجميع، لا يرحم ضعيفاً، ولا يستثني امرأة، ولا يوقر كبيراً، ولا يعرف حرمة!

والحال كذلك، فكيف يمكن لأحد أن يتوقع الاستجابة لدعوة بالتظاهر؟!

لكن كانت المفاجأة أن مدناً وقرى شهدت مظاهرات أدهشت الجميع، فشاهدنا أناساً بسطاء في هذه المظاهرات، وشاهدنا صِبية كانوا أطفالاً في زمن ثورة يناير وتداعياتها، كما شاهدنا أطفالاً كانوا في عالم الغيب عندما اشتد ساعد شريحة من المصريين، خرجوا على مبارك، فلما هُزموا صاروا معوقا رئيسا أمام أي حراك. وكانت الدهشة في اشتراك فتيات صغيرات فيها.

وامتدت المظاهرات من الجيزة، إلى مناطق في القاهرة مثل البساتين والمعادي، ومنها إلى كفر الدوار بالبحيرة، والمحلة، وما أدراك ما المحلة؟ عنوان نضال الطبقة العاملة، لتصل إلى الإسكندرية، ومنها إلى الصعيد، في أسوان وطهطا بمحافظة سوهاج، وقبل هذا كله كان حراك مدينة السويس، وقد حالت عملية إضعاف سرعة الإنترنت دون تحميل الكثير من الفيديوهات!

لقد انتظرتهم قوات الأمن في ميدان التحرير والشوارع الرئيسية، فخرجوا في الحواري والأزقة، فأينما يكون الثوار يكون ميدان التحرير!

وكان الجديد في هذه المظاهرات، هي هذه القدرة على المواجهة، وصد عدوان الشرطة. ففي إحدى قرى أطفيح بالجيزة تم اشعال النار في سيارتين للشرطة، وفي مناطق كانت مطاردة سياراتها والاعتداء على رجالها بالحجرة، ولهذا ينبغي على السيسي أن يقلق!

فهذا الحراك، ليس محكوما بمن كان يحكم ثورة يناير، بل وحراك ما بعد الانقلاب العسكري، ففي الأولى كنا نواجه اعتداء الأمن بالهتاف: "سلمية.. سلمية"، وفي الثانية التزم الناس بما حدده مرشد جماعة الإخوان المسلمين "سلميتنا أقوى من الرصاص"، فبدوا كما لو كانوا في كل مرة يخرجون ليعتقل الحاكم العسكري فريقاً ويقتل فريقاً، لكن حراك أمس لم يكن مقيدا بكل هذا، ثم إنه ليس محكوما بالأطر السياسية، أو التعليمات التنظيمية، والسواد الأعظم فيه من الشباب سريع الحركة!

نزول الجيش:

وأزمة الحاكم العسكري محدود الخيال، إنه لن يفكر خارج مهمة إطار المواجهة المسلحة، وقد يفكر جدياً في نزول الجيش للإبادة، فلا توجد لديه حلول سياسية، لأنه يحيط نفسه بغير السياسيين ومعدومي الخبرة في هذا المجال، فضلاً عن أنه يتصرف على أنه أكبر عبقري في تاريخ البشرية، فيتكلم ولا يستمع لأحد، وتقاليد إدارة المعسكر لا تصلح لإدارة الدول لا سيما في وقت الشدة!

كما أن تعليماته لن تكن قابلة للتنفيذ، لأن الواقع هو من سيحدد تعامل الجيش إذ نزل للمواجهة، فهو هنا لا يواجه تيارا سياسيا واحداً جرت شيطنته، واتساع أرض المعارك في القرى والنجوع والمدن، لن يجعل مجموعة واحدة لديها الاستعداد لتنفيذ الأوامر هي من يتم إعدادها للمهمة، وباستدعاء شيوخ يفتون لأعضائها بالضرب "في المليان"!

وقبل هذا وبعده، فإن السيسي 2013 ليس هو السيسي الآن، من حيث الحماس له، ووجود فريق من المؤيدين لنزول الجيش وحماية مصر، وقد حرّض هو الرئيس محمد مرسي على فرض حظر التجول في مدينة بورسعيد، في حملة إضعافه، وعندما لم يلتزم المواطنون بذلك وبدلاً من أن يحثهم أفراد الجيش على الانصياع للقانون، لعب الضباط والجنود كرة مع الشعب على ضوء القمر، فهذا الذي حدث في السابق بتخطيط، قد يحدث في هذه الحالة بدون ذلك!

فلن يغامر ضباط الجيش بمواجهة مع الشعب، ولن أتحدث عن عقيدة عسكرية وما إلى ذلك، لكن هذا الشباب الذي شاهدناه لن يواجه الأمر باستسلام، وعند رد فعل سيكون الجيش المصري كله قد خسر، في معركة غير محسومة، فلا أحد يعلم ماذا سيحدث غداً، ولعل انضباط الشرطة إلى حد كبير في الليلة السابقة، كاشف عن حجم الخوف من المستقبل!

لا بد للسيسي أن يشعر بالقلق.

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (5)
احمد حسن
الخميس، 24-09-2020 08:44 ص
أما بالنسبة للقوى السياسية على أختلاف توجهاتهم فأتمنى ألا يظهر منهم أحد ولا يتصدر المشهد وإن نجح هذا الحراك وسينجح بعون الله .. لا نريد أن نرى هؤلاء الذين يطلق عليهم النخبة سواء القابعين داخل مصر أو من بعض القابعين خارج مصر وأكررها من جميع التوجهات .. فلا يحاولوا أن يركب موجة الثورة ويخرجوا علينا بأنهم المخططين وجهابزة عصرهم في إدراة الثورة .. الشعب قد كبر ومن يظهر منهم سوف يعامل بما يليق ولا يليق .. نحن مع هؤلاء في الداخل والخارج الذين قبضوا على الجمر يسعون إلى التدبير والتفكير في إصدار شرارة الثورة وكيفية إدارتها هؤلاء الذين عانوا أنضووا بعيدا عن الأضواء ليخططوا ويمهدوا الأرض لهؤلاء الثوار الشجعان البواسل .. عندما أرى هؤلاء الصغار والفتية يشعل داخلي أن مصر لم تموت بل هي ولاده بهؤلاء الأبطال الذين يواجهون الشرطة ببطولة ليست لها مثيل .. أن شاء الله وبعونه سوف ينتصر هؤلاء لسطروا بأحرف من نور في كتاب التاريخ على مر العصور حتى يوم القيامة انهم كانوا ابطال شجعان .. أليس من حقه أن نطلق عليهم رجال حتى ولو كانوا صغار
الشعب المسئول
الثلاثاء، 22-09-2020 12:32 ص
... هل يجب لمن يكتب عن تنظيم الإخوان نقداً أو تأييدأُ، أن يضيف الإقرار المعهود بإنني لم يكن لي يوماُ شرف الانتماء إلى عضوية التنظيم؟ في الدول الديمقراطية التي يتاح فيها الانتماء لتنظيم دون مخاطر قمعية، فإن أعضاء التنظيمات السياسية قد لا يتجاوزون 1% من أعداد مؤيديها، فما بالك في أمثال دولنا، حيث يعتبر إبداء أي رأي سياسي معارض فضلاً عن الانضمام لتنظيم، جريمة أمن دولة عليا، ومدعاة لاتهامات العمالة والخيانة والإرهاب، بل قد يوصف بالهرطقة وتدنيس المقدسات الوطنية، وقد يلحقون بسيرتك تهم الشذوذ والدعارة والإدمان، ويكون نصيبك حكم من قضاء مدع للشموخ والعدل بالسجن المؤبد، وقد يؤدي تهورك في إبداء رأي معارض، أن يرسلوا لشخصكم طائرة خاصة تقل طاقم تابع لرأس الدولة، ليقوموا بتقطيع وإذابة جثمانك الكريم، أو قد يرأفون بك ويدفعوك من نافذة. التنظيمات السياسية المخونة والمطاردة والمقموعة سواء من الإخوان أو غيرهم، لا يستطيعون القيام بثورة أو قيادتها، حتى لو توحدوا جميعاُ على قلب رجل واحد، فهم أقل من 1% من الشعب، والمسئولية تقع على الشعب المقموع بكافة طوائفه، وعلى الذين انتهكت كرامتهم ونهبت أموالهم وهدمت منازلهم وشردت أسرهم وبيعت بلادهم للأجانب، بعد أن سكتوا على تدمير الدجال واتباعه لسيناء على رؤوس أهلها، أن يردوا الكيل كيلين دفاعاً عن أنفسهم، فهو فرض عين وليس فرض كفاية، وهم الأقدر على أخذ ثأرهم على ما نالهم على أيدي الانقلابيين، وهذا هو معنى عبارة "إن الجماعة من الشعب لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه"، وإن غداُ لناظره قريب.
استقالة الإخوان من المشهد
الإثنين، 21-09-2020 08:15 م
عندما قرأت المقال عصر هذا اليوم لم أشأ التعليق لاتفاقي العام مع مجمل ما قاله الكاتب س. عزوز. وكنت أعلق في معظم الأحيان على لمزه للإخوان وطعناته الموجهة إليهم، مثلما فعل الآن "الكاتب المقدم". ولكنني وقد تتبعت مسيرة الإخوان منذ انتفاضة 25 يناير والتطورات المتلاحقة وآخرها حديث نائب المرشد أ. إبراهيم منير، أجد نفسي بلا تردد أقول إن الإخوان، أو بمعنى أصح ما بقي من قياداتهم النافذة خارج المعتقلات ومن غير المطاردين، قد استقالت هي نفسها من المشهد السياسي. ولم أكن أحب أن أصل إلى هذا الاستنتاج وكنت أحاول أن أتلمّس لهم العذر بعد العذر بأن المحنة التي وقعت لهم، وهي في جانب منها بأخطاء منهم أنفسهم، لم يحدث لها مثيل من قبل وأنها لو كانت قد حدثت لأي تنظيم آخر لقصمته. ولكن تسيير الأمور داخل الإخوان، ابتداء من الوقف غير المفهوم لمظاهرات التصدي للانقلاب التي استمرت قرابة عامين، ثم إصرار الجانب الأبرز فيها على إبقاء الانقسام وعدم تعلم الدرس وعدم الانصياع إلى نصائح كبار العلماء وقادة الفكر وعلى رأسهم العلامة القرضاوي من أجل رأب الصدع وتحقيق الوحدة والخروج من الأزمة، وإصرارهم على رايهم وقيادتهم الفاشلة للجماعة وإبقاء الانقسام والاستسلام أمام أسوأ انقلاب وأسوأ قادة انقلاب وأسوأ خونة في التاريخ المصري هي أمور تدعم كلها القول بأن الإخوان أنفسهم قد استقالوا من المشهد السياسي بقرار منهم أنفسهم. وقد حزنت أشد الحزن من حديث أ. منير الذي ظهر على عربي-21 اليوم الذي سجلته معه قناة الجزيرة. فرغم عدم انتمائي للإخوان، إلا أنني أجزم أن من بين صفوف الإخوان خارج المعتقلات من هو أقدر منه على إدارة الجماعة وتحقيق الوحدة بين أبنائها والتعبير عنها أفضل تعبير. لا أفهم كثيراً من عباراته إلا أنها تعبر إما عن فقدان الشجاعة أو عن عدم القدرة على صياغة مواقف الإخوان صياغة أفضل أو على التمسك بالأقدمية في إدارة شؤون الجماعة وكأننا أمام جهاز بيروقراطي لا جماعة يُفترض فيها أن تكون جاهزة لحكم مصر. خذ مثلاً عبارته إن الجماعة من الشعب لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه؟ يا الله، ومن ذا الذي يتقدم الصفوف ويعطي المثال ويحدد الهدف والوسائل؟ أنها غيبوبة فعلاً. وإصراره على عدم إفساح الطريق ولو لفظيا أمام التيار الثاني داخل الجماعة المعبر عنه المكتب العام. وعدم قدرته على إدانة التطبيع الخياني من جانب أنظمة الخيانة للقضية الفلسطينية، أي الإمارات والبحرين ومن نسج أو ينوي النسيج على منوالهما. وعدم دقته في التعبير الذي يمكن أن يرتب مسؤوليات جسيمة. وعدم تحديده للتغييرات المعتزم القيام بها لإعطاء الأمل لأفراد الإخوان وللأحرار في مصر بأن إسقاط الانقلاب سيحدث بإذن الله على يد القيادة الجديدة. عليكم أنتم أفراد الإخوان وقياداته أخي العزيز "الكاتب المقدام" أن تطرحوا هذه التساؤلات فيما بينكم ولا تسلموا قيادكم مرة أخرى إلى من يضيع جماعتكم ويضيع الآمال المعلقة عليها لإنقاذ مصر، بل ويضيع مصر بالتالي. اللهم بلغت، اللهم فاشهد.
استقالة الإخوان من المشهد
الإثنين، 21-09-2020 07:42 م
عندما قرأت المقال عصر هذا اليوم لم أشأ التعليق لاتفاقي العام مع مجمل ما قاله الكاتب س. عزوز. وكنت أعلق في معظم الأحيان على لمزه للإخوان وطعناته الموجهة إليهم، مثلما فعل الآن "الكاتب المقدم". ولكنني وقد تتبعت مسيرة الإخوان منذ انتفاضة 25 يناير والتطورات المتلاحقة وآخرها حديث نائب المرشد أ. إبراهيم منير، أجد نفسي بلا تردد أقول إن الإخوان، أو بمعنى أصح ما بقي من قياداتهم النافذة خارج المعتقلات ومن غير المطاردين، قد استقالت هي نفسها من المشهد السياسي. ولم أكن أحب أن أصل إلى هذا الاستنتاج وكنت أحاول أن أتلمّس لهم العذر بعد العذر بأن المحنة التي وقعت لهم، وهي في جانب منها بأخطاء منهم أنفسهم، لم يحدث لها مثيل من قبل وأنها لو كانت قد حدثت لأي تنظيم آخر لقصمته. ولكن تسيير الأمور داخل الإخوان، ابتداء من الوقف غير المفهوم لمظاهرات التصدي للانقلاب التي استمرت قرابة عامين، ثم إصرار الجانب الأبرز فيها على إبقاء الانقسام وعدم تعلم الدرس وعدم الانصياع إلى نصائح كبار العلماء وقادة الفكر وعلى رأسهم العلامة القرضاوي من أجل رأب الصدع وتحقيق الوحدة والخروج من الأزمة، وإصرارهم على رايهم وقيادتهم الفاشلة للجماعة وإبقاء الانقسام والاستسلام أمام أسوأ انقلاب وأسوأ قادة انقلاب وأسوأ خونة في التاريخ المصري هي أمور تدعم كلها القول بأن الإخوان أنفسهم قد استقالوا من المشهد السياسي بقرار منهم أنفسهم. وقد حزنت أشد الحزن من حديث أ. منير الذي ظهر على عربي-21 اليوم الذي سجلته معه قناة الجزيرة. فرغم عدم انتمائي للإخوان، إلا أنني أجزم أن من بين صفوف الإخوان خارج المعتقلات من هو أقدر منه على إدارة الجماعة وتحقيق الوحدة بين أبنائها والتعبير عنها أفضل تعبير. لا أفهم كثيراً من عباراته إلا أنها تعبر إما عن فقدان الشجاعة أو عن عدم القدرة على صياغة مواقف الإخوان صياغة أفضل أو على التمسك بالأقدمية في إدارة شؤون الجماعة وكأننا أمام جهاز بيروقراطي لا جماعة يُفترض فيها أن تكون جاهزة لحكم مصر. خذ مثلاً عبارته إن الجماعة من الشعب لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه؟ يا الله، ومن ذا الذي يتقدم الصفوف ويعطي المثال ويحدد الهدف والوسائل؟ أنها غيبوبة فعلاً. وإصراره على عدم إفساح الطريق ولو لفظيا أمام التيار الثاني داخل الجماعة المعبر عنه المكتب العام. وعدم قدرته على إدانة التطبيع الخياني من جانب أنظمة الخيانة للقضية الفلسطينية، أي الإمارات والبحرين ومن نسج أو ينوي النسيج على منوالهما. وعدم دقته في التعبير الذي يمكن أن يرتب مسؤوليات جسيمة. وعدم تحديده للتغييرات المعتزم القيام بها لإعطاء الأمل لأفراد الإخوان وللأحرار في مصر بأن إسقاط الانقلاب سيحدث بإذن الله على يد القيادة الجديدة. عليكم أنتم أفراد الإخوان وقياداته أخي العزيز "الكاتب المقدام" أن تطرحوا هذه التساؤلات فيما بينكم ولا تسلموا قيادكم مرة أخرى إلى من يضيع جماعتكم ويضيع الآمال المعلقة عليها لإنقاذ مصر، بل ويضيع مصر بالتالي. اللهم بلغت، اللهم فاشهد.
الكاتب المقدام
الإثنين، 21-09-2020 05:29 م
... أستاذنا عزوز كعادته ينظر إلى الموضوع من كافة جوانبه، ويلملم اطرافه المتعددة، فتبدوا الصورة واضحة جلية، عدا عندما يتعلق الأمر بالإخوان، فإنه يبدوا ما زال متأثراُ بذكريات ماض بعيد لمواقف انتخابية ونقابية ارتأى أن الإخوان لم يقفوا فيها بجانبه كما يجب، ولذلك فعندما يقول أن "الإخوان أخرجوا أنفسهم من المشهد الثوري منذ خمس سنوات" فنتساءل ماهو هذا المشهد الثوري الذي خرج منه الإخوان، ومن هم الباقون في مشهد عزوز؟، أتراه حزب الأحرار وقد قام من بين الأموات وعاد من جديد بصحفه لقيادة جماهير الأمة؟، أو قد يكون حزب الوفد وقد استعاد تألقه القديم وعاد للصدارة بأعلامه التي يتصدرها الصليب؟ أم لعلهم ورثة الاتحاد الاشتراكي العربي تنظيم المقبور ناصر من الأحزاب الناصرية والاشتراكية والشيوعية بقيادة زعيم الأمة حمدين؟ أم يجوز أنهم فلول العلمانيين من جبهة الإنقاذ، وقد تحلقوا من جديد حول مجاهدهم الكبير البرادعي؟ ومن المؤكد أنهم ليسوا أنصار حزب مبارك الوطنين الديمقراطيين الذين قادوا ثورة 30 يونيو!!، وقد يكون غالبية المصريين من المتمسكين بهويتهم الإسلامية، قد اقتنعوا أخيراً بما سبق للسفير الأميركي أن دعاهم إليه من الاصطفاف خلف دراويش الطرق الصوفية (الكيوت)، الذي لم يكن يفوت لهم مولداً أو حضرة، ووثقوا أن هؤلاء الدراويش هم أفضل من يمثلهم، خاصة بعد أن زكاهم شفيق، وكرمهم السيسي بتعيين كبيرهم وكيلاُ لمجلسه. وقد يكون عزوز لا يرى في قلب مشهده الثوري غير وائل غنيم أيقونة الثورة، خاصة بعد أن خلع قميصه على غرار غاندي، أم ترى أنه قد اكتشف أن الأحق بالمشهد الثوري هم أبناء تمرد الذي هرول ورائهم ملايين من شباب الثورة، ولكن كفانا تخميناُ ولنترك عزوز يحدثنا بخبرته وعمق نظرته عن مشهده الثوري ومن الذي خرج منه ومن الذي بقي فيه.