مجددا
عادت
الحملة الإعلامية على جماعة الإخوان المسلمين قاسية، كما لو كنا في أجواء ما
قبل عشر سنوات، وعلى نحو يدفع للسؤال: ماذا هناك؟ فهل الجماعة استعادت لياقتها،
ولملمت جراحها، وتقف الآن على أبواب القصور الرئاسية في دول الربيع العربي؟!
الحملة
على الجماعة لم تتوقف خلال السنوات الماضية، لكن ما أعنيه هو هذا الزخم اللافت
خلال الأيام الأخيرة، وإلى حد تجديد الاتهامات، واتهام من ليسوا إخوانا بأنهم
أعضاء في التنظيم، وإلى حد الوصول إلى اتهام الجماعة بالتعاون مع الإثيوبيين ضد
مصر، وعلى نحو يدفع المرء للبحث عن الجديد الذي حصل. وبعد استيعاب للموقف، يكتشف
أنه لا جديد على مستوى الجماعة، غير ما اتصل به علمي من عقد جلسات مراجعات، لم يتم
الإعلان عما يدور فيها، وإن كنت أعتقد أنهم سينتهون إلى الإقرار بخطأ القرار بخوض
الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي جر عليهم ويلات لم تكن على البال أو الخاطر وقت
اتخاذ هذا القرار المعيب!
وسواء
تم الإقرار بذلك أم لا، فإن الواقع يؤكد أن الجماعة، وفي أي بلد من بلاد الثورات
العربية، ليست في ترف التفكير إلى ما هو أبعد من لعق جراحها، إن تمكنت من ذلك،
وعلى مدد الشوف. وفي تونس -مثلا- لم يتوقف أداء الرئيس قيس سعيد عند استهداف
النهضة، وإنما ذهب يضرب في كل مكونات الثورة ولا يبالي، في وقت بدا فيه قادة
الحركة مستسلمين لما آلت إليه الأحوال، كفراشة ظلت تحوم حول مصدر الضوء إلى أن
اقتربت منه، فكانت نهايتها بلا مقاومة، بينما يعز على الأنصار نجاح تجارب إسلامية
أخرى من أفغانستان إلى سوريا، بما يبدد ما استراحت له النفوس، أن هذه النهاية هي
قدر بسبب عداء الغرب المتآمر للإسلام!
السياسة
الأمريكية الجديدة:
عندما لا تنجح الأنظمة في تحقيق آمال الشعوب، فيجدر بها أن تخلق عدوا، ولو وهميا، ليكون هذا التحدي هو ما يدفع للاحتشاد الوطني حولها
الاتجاه
الأمريكي بوضع الجماعة على قوائم
الإرهاب قد يشحن عزيمة أهل الحكم، فلا يريد القوم
أن يبدوا كمن جاءوا يساعدونه في حفر قبر أبيه، فأخذ فأسه ورحل. وهو مثل شعبي نرويه
بتصرف. ولهذا يمكن لنا فهم عودة الموقف الحاد، الذي يذكرنا ببداية الصراع، وقبل
نهايته تماما، لكن هذه السياسة الأمريكية الجديدة لا تمثل لذاتها سببا معقولا في
عودة حرب الإبادة الإعلامية إلى نهايتها!
عندما
لا تنجح الأنظمة في تحقيق آمال الشعوب، فيجدر بها أن تخلق عدوا، ولو وهميا، ليكون
هذا التحدي هو ما يدفع للاحتشاد الوطني حولها. لكن هل لا يزال التجمع الذي تشكل ضد
الإخوان يراهم هم البديل الوحيد، أو أنهم يمثلون تحديا بأنهم أحد البدلاء؟!
لقد
كان واضحا أن السلطة نفسها قد طوت هذا التحدي خلال السنوات الماضية، وذهبت تكسب
الود عن طريق الدعوة للحوار الوطني، ومبادرة تطوير الإعلام، وإعادة الانتخابات في
عدد من الدوائر الانتخابية. وقد تولد صراع جديد داخل بيت النظام نفسه، هو السبب في
هذه الإعادة، التي كشفت عن عزوف جماهيري منقطع النظير، عندما تتراوح أعداد
المشاركين في العملية الانتخابية بين 1 و3 في المئة؛ نعلم جميعا ما دفع بهم
للمشاركة، وليس من بين الدوافع الإيمان بجدية هذا المسار!
وخلال
المرحلة الماضية، وإن لم تتوقف الحملة على الإخوان، فإنها في حدود خلق بعض
الإعلاميين لأنفسهم دورا وظيفيا، بدلا من تسريحهم، لكن ليس للإقرار بوجود جماعة
الإخوان كقوة منافسة للحكم، أو كونها تمثل فزاعة لمن يحلمون بالتغيير، ولو كان
الأمر مجرد أمنية عزيزة!
قوة
الجماعة:
وهناك
معضلة تتشكل من النفخ في الإخوان، تتمثل في أن نقطة ضعف الجماعة في أنها ضعيفة إلى
درجة أنها، في قوتها، لم تستطع الحفاظ على الحكم وإرادة الناس. والزخم الدعائي
الآن يصب في صالحها؛ إنه، وإن كان سببا في تبرير الإبقاء على المعتقلين في سجونهم
إلى الآن، فمن مصلحة الجماعة أن تبدو قوية بعد كل هذه الضربات الأمنية المتلاحقة،
وأنها قادرة على أن تمثل تحديا للنظام إلى الآن، فعن أي ضعف يتحدث الناس؟!
لا
يخفى على أحد أن إجراء الانتخابات البرلمانية بالطريقة التي أُجريت بها قد ولد
احتقانا داخل معسكر النظام، ممن كانوا طوال التاريخ المصري يحسبون على الأنظمة
المتعاقبة، ويمثلون لحمها الحي، وهم ملح الأرض، ولا يصنفون سياسيا على أي تيار.
وما جرى من حيث العزوف عن الانتخابات، أو حضور من حضر لدوافع أخرى، كاشف عن اليأس،
فهل يعالجه وجود تحد يمكن النفخ فيه من جديد؟!
برأيي
أن هؤلاء الناس لن يدب الحماس فيهم من جديد لمجرد الادعاء بقوة الإخوان، أو أنهم
على أبواب الحكم، بما يعني مبررا لخلق هذا التحدي، والوصول بالدعاية إلى القول
إنهم يتآمرون مع الإثيوبيين، وإلى حد تحريف تصريح القيادي في الجماعة حلمي الجزار،
الذي قال إن هناك إخوانا في الداخل المصري خارج السجون، لكن لا يتحركون حبا منهم
للوطن، فحُذف الجزء الأخير، وأضيف إليه ما يعني أنهم في انتظار الإشارة بالثورة.
نهاية
البديل:
لهذا يأتي النفخ في الصور تحذيرا من خطر الإخوان، فلأن الإعلاميين معنيون بالأمر، ولأنها حملة إعلامية بالأساس، فالخوف من التسريح يذهب بهم بعيدا، هذا فضلا عن أنه إذا زال الخطر الإخواني بشكل تام، فلن يكون هناك خوف من التفكير أبعد من اللحظة الراهنة
من
العبث النظر إلى الإجراء الذي أقدمت عليه الإدارة الأمريكية فيما يختص بالإخوان
على أنه غير مضر بمصالح الجماعة، ومن العبث أن يثبّت بعض المنتسبين للجماعة فؤادهم
بالقول بانتفاء الضرر. لكن المشكلة أن الإخوان، بالحصار الأمريكي والغربي عموما،
قد خرجوا من أي احتمال في المستقبل أن يكونوا بديلا للحكم في أي قطر عربي، إلا
بالحضور المشرف كما حدث من قبل في المغرب، وكما حدث -ولن يتكرر في الأمد المنظور-
في الأردن. بل لا نعتقد بحماسة أي نظام لرعاية جماعة يضعها الغرب، مصدر التحدي،
على قوائم العداء!
ومفاد
ذلك أن الجماعة، مع هذا الحصار الغربي، انتهت كفزاعة في يد الأنظمة، على النحو
الذي كان يستخدمه الرئيس مبارك، وتم استخدامها من جانب النظام الحالي. فهل هناك
إدراك لهذا المعنى، وأن هذا الصراخ هو الخوف من أن يستقر هذا في وجدان الداخل
والإقليم؟!
إن
القوم يعيشون الآن مرحلة "حامي البوابة الشرقية"، بعد وقف الحرب
العراقية الإيرانية، والتأكد من زوال الخطر الإيراني، وهي المهمة التي كلف بها
الرئيس صدام حسين نفسه. لكن مشكلة الرجل أنه أراد أن يستمر في جني الأرباح وقد
ألقت الحرب أوزارها، وعندما استشعر نهاية الدور قام بغزو الكويت، ومهما كانت
الدوافع فلا بد لكل خطوة من دافع، ولو كان متجاوزا لرد الفعل!
ولا
يخفى على لبيب أن الربيع العربي مثّل مصدر قلق لبعض الأنظمة العربية المستقرة، وقد
تم اختزاله بما أنتجه من آثار أخصّها حكم الإخوان، وقد أُطيح بهم بمساعدة إقليمية
تحصلت على الموافقة الغربية، لكن ظل التهديد بعودة الإخوان قائما بدرجة أو بأخرى،
فجاء الإجراء الأمريكي ليمثل شهادة وفاة لهذا الخطر.
وقد
بدا واضحا أن النظام السعودي تجاوز هذه الفزاعة، ولم يعد يكترث بالخطر الإخواني
لسلامة تقديره للموقف، والأمر على العكس من ذلك بالنسبة للإمارات العربية، ربما
لأن الأمر تجاوز عندها الخوف من الخطر إلى الرغبة في الاستئصال من الوجود. وهناك
منابر إعلامية تأسست لهذا الهدف، وبدا واضحا مع أزمة جريدة وموقع "البوابة"
أن هناك اتجاها لتقليص النفقات، لعدم الحاجة لذلك، ولعدم التأثير!
ولهذا
يأتي النفخ في الصور تحذيرا من خطر الإخوان، فلأن الإعلاميين معنيون بالأمر،
ولأنها حملة إعلامية بالأساس، فالخوف من التسريح يذهب بهم بعيدا، هذا فضلا عن أنه
إذا زال الخطر الإخواني بشكل تام، فلن يكون هناك خوف من التفكير أبعد من اللحظة
الراهنة!
لولا
الإخوان لبارت سلع، ولكسدت تجارة!
x.com/selimazouz1