هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت الغارة اللصوصية التي شنها أحد بارونات الإفرنج البارزين، رينو دي شاتيون الشهير بـ"أرناؤوط الفرنجة" أو "أرناط" سببا مباشرا في حشد صلاح الدين الأيوبي لجيوشه لقتال "الفرنجة".
فما أن انتهى صلاح الدين من إعادة إحياء الدولة الإسلامية ووضع أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 عاما، حتى سعى إلى إبرام هدنة مع الصليبيين مدتها أربع سنوات، حتى يتفرغ تماما لتنظيم دولته وترتيب أوضاعها الداخلية.
وكانت مناطق من البلاد الإسلامية والقدس قد احتلت من قبل الصليبيين عام 1099 وكان الإقطاعيون الصليبيون والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوكا على تلك المناطق.
وكادت الأمور أن تسير كما خطط لها غير أن أرناط حاكم الكرك نقض الهدنة بعد أن استولى على قافلة تجارية متجهة من مصر إلى دمشق، وأسر حاميتها ورجالها، وألقى بهم أسرى في حصن الكرك.
كان أرناط مغامرا وقحا وسبق له أن اجتاح قبرص البيزنطية عام 1155 وعمل فيها سلبا ونهبا، وكان قد أسر عند نور الدين زنكي قبل 16 عاما، وبعد إخلاء سبيله استقر في حصن الكرك، وعكف على نهب وسلب قوافل التجار المارة في الجوار، لأن الحصن كان يقطع الطريق من سوريا إلى مصر والحجاز.
حاول صلاح الدين أن يتذرع بالصبر فبعث إلى أرناط مهددا إذا لم يرد أموال القافلة ويطلق سراح الأسرى، لكن أرناط لم يستجب وأساء الرد، واغتر بقوته وأمعن في غيه وقسوته.
ولما حاول ملك بيت المقدس أن يتدارك الموقف أصر أرناط على رأيه، ورفض إعادة أموال القافلة وإطلاق الأسرى، فزاد الأمر تعقيدا، ولم يبق أمام صلاح الدين سوى الحرب والقصاص.
عبأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الجهاد التي بقي يعد لها 10 سنين ويؤجلها في انتظار الفرصة المناسبة لمثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الطائشة والمستفزة سوى ذريعة من صلاح الدين لإعلان الحرب على الصليبيين، وكأنها جاءته على طبق من ذهب.
غادرت قوات صلاح الدين التي تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق في آذار/ مارس عام 1187 واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف.
وفي أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس في مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التي كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.
كان صلاح الدين يرغب في إجبار الصليبيين على المسير إليه ليلقاهم وهم متعبون، ولم يكن من وسيلة لتحقيق هذا سوى مهاجمة طبرية، حيث كانت تحتمي بقلعتها زوجة ريموند الثالث، فثارت ثائرة الصليبيين وعقدوا مجلسا لبحث الأمر، وافترق الحاضرون إلى فريقين: أحدهما يرى ضرورة الزحف إلى طبرية لضرب صلاح الدين، في حين يرى الفريق الآخر خطورة هذا العمل لصعوبة الطريق وقلة الماء، وكان يتزعم هذا الرأي ريموند الثالث الذي كانت زوجته تحت الحصار، لكن أرناط اتهم ريموند بالجبن والخوف من لقاء المسلمين، وحمل الملك على الاقتناع بضرورة الزحف على طبرية.
بدأت القوات الصليبية بالزحف في ظروف بالغة الصعوبة في 1 تموز/ يوليو عام 1187 في ظل حرارة الشمس المرتفعة وقلة الماء ووعورة الطريق في الوقت الذي كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالراحة وتوفر الماء، مدخرين قواهم لساعة الفصل، وعندما سمع صلاح الدين بشروع الصليبيين في الزحف، تقدم بجنده ورابط غربي طبرية بالقرب من سهل حطين في فلسطين وكان المكان طريقا رئيسا تعبره الجيوش والقوافل للمرور لبلاد الشام ومصر والعراق.
أدرك الصليبيون جبل طبرية المشرف على سهل حطين في 3 تموز/ يوليو عام 1187 وهي منطقة على شكل هضبة ترتفع عن سطح البحر أكثر من 300 متر، وقد حرص صلاح الدين على أن يحول بين الصليبيين والوصول إلى الماء في الوقت الذي اشتد فيه ظمؤهم، وأشعل المسلمون النار في الأعشاب والأشواك التي تغطي الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذي يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان.
وعندما أشرقت شمس يوم 4 تموز/ يوليو عام 1187 اكتشف الصليبيون أن صلاح الدين استغل ستر الليل ليضرب نطاقا حولهم، وبدأ صلاح الدين هجومه الكاسح، وعملت سيوف جنوده في الصليبيين، فاختلت صفوفهم، وحاولت البقية الباقية أن تحتمي بجبل حطين، فأحاط بهم المسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقي منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه أرناط صاحب حصن الكرك، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المبرد، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقى منه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني"، ثم قام إليه، قائلا قبل أن يضرب عنقه: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرا".
لم تكن هزيمة الصليبين في حطين كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا أبرز فرسانهم، وقتل منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: "إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل".
وبعد المعركة، سرعان ما دخلت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريبا جنوبي طرابلس، عكا وبيروت وصيدا ويافا وقيساريا وعسقلان. وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوروبا، واستولى على أهم قلاع الصليبيين جنوبي طبرية.
وغدت فلسطين عقب حطين في متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس في 12 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1187.
وضمن سياق آخر تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لبناء بلدة درزية جديدة في نفس المكان الذي شهد أحداث معركة حطين التاريخية، ما أثار غضبا واسعا من السكان الدروز، وقد تعرضت خطة بنيامين نتنياهو للكثير من الانتقادات، خاصة من قبل المزارعين والمؤرخين الذي أكدوا أن بناء بلدة درزية في تلك المنطقة يهدد الكنوز التاريخية والأثرية والمناظر الطبيعية المرشحة للانضمام إلى مواقع التراث العالمي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".
لكن رغم الاعتراضات فقد وافق مجلس التخطيط والبناء الوطني الإسرائيلي على خطة البناء عام 2016، وأكدت الحكومة الإسرائيلية أن الموقع سيشهد أول بلدة درزية يتم بناؤها من أجل طائفة الدروز منذ عام 1948.