هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية تقريرا تناولت فيه تشارك تونس والجزائر نفس المخاوف والضعف الداخلي، واعتمادهما على موقف الحياد لتجنب تداعيات الأزمة الليبية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن سيطرة حفتر على العاصمة طرابلس سيدفع البلدين إلى تغيير استراتيجيتهما، لكن قد يكون ذلك بعد فوات الأوان.
وأفادت الصحيفة بأنه في اللعبة الدبلوماسية الدولية الجارية لإدارة الأزمة الليبية، تواصل جبهة البلدان الأفريقية التحرك بدون خطّة واضحة. ففي القمم الأخيرة للاتحاد الإفريقي في برازافيل وأديس أبابا، حاولت الجزائر تجنّب اتّخاذ موقف فعلي، الشيء الذي يمكن أن يؤثر على المفاوضات.
الحركة الدبلوماسية للجزائر
أوردت الصحيفة أنه بعد إطلاق اقتراح لتفعيل مهمة عسكرية مشتركة في ليبيا تحت إشراف الاتحاد الأفريقي في برازافيل في أواخر كانون الثاني/يناير، واصلت الجزائر العمل في الأسابيع الأخيرة للقيام بدورها كوسيط أفريقي بين رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والجنرال خليفة حفتر.
وعبّر الرئيس عبد المجيد تبون عن هذا الطموح في 20 شباط/ فبراير خلال لقاء مع الصحافة الجزائرية.
وصرح أن الجزائر لا تسعى لتحقيق "أهداف توسعية أو اقتصادية أو تجارية" بل تهدف إلى "مساعدة الشعب الليبي" تقديرا للدعم الذي قدمه الليبيون خلال حرب التحرير الوطنية الجزائرية.
وأكد تبون على العلاقات الطيبة مع جميع القوى الخارجية الناشطة في ليبيا من ناحية، مصر والإمارات وروسيا الراعية لحفتر، ومن ناحية أخرى تركيا التي يتمسك السراج بها. وتهدف استراتيجية الرئيس الجزائري إلى إنهاء النزاع الذي لم يتوقف منذ مقتل العقيد القذافي في سنة 2011.
اقرأ أيضا: FT: كيف يغذي التنافس الإقليمي الحرب الأهلية في ليبيا؟
أوضحت الصحيفة أن الالتزام الدبلوماسي للجزائر لم يكن مجرّد كلام. ففي 18 شباط/ فبراير، التقى وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم بالسراج ونظيره وزير الخارجية الليبي محمد طه سيالة في طرابلس. وكان في السابق قد زار بنغازي للقاء حفتر ورئيس وزراء حكومة طبرق، عبد الله الثني. وفي الأسابيع الأخيرة، سافر إلى الخليج لإجراء محادثات مع قادة الرياض وأبو ظبي.
بالإضافة إلى هذه الاجتماعات رفيعة المستوى، كانت هناك زيارات رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى الجزائر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. في الواقع، لقد ضغطت أنقرة للحصول على الدعم الرسمي من الجزائر للسراج، لكن تبون، الذي يدرك المخاطر التي قد تترتب على وجود دعم واضح لصالح رئيس حكومة الوفاق متزايد العزلة، استخدم ورقة الحياد مع تونس.
المشاكل الداخلية
أكدت الصحيفة أن هناك حاجة لعناصر أخرى للتوصل إلى الأسباب الحقيقية للزخم الذي حققته الجزائر تجاه ليبيا، بعد الأزمة الدبلوماسية التي تميزت بها المرحلة الأخيرة من حكم عبد العزيز بوتفليقة. العنصر الأول يرتبط بلا شك بعامل الأمن الإقليمي.
وفي حالة سقوط طرابلس، تخشى الجزائر، على غرار الدول الأخرى المجاورة لليبيا، من ناحية تعميق النزاع بين شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، مع ما يترتب عن ذلك من انتشار الخلايا الجهادية الأخرى في أراضيها، ومن ناحية أخرى غزو ميدان القتال من قبل القوى الخارجية التي تغمر ليبيا بالأسلحة والمرتزقة والمال.
أما العنصر الثاني فيشير إلى المشاكل الداخلية للجزائر. في محاولة لإستغلال فزاعة الحرب الليبية التي على الأبواب، هناك من يرى ذلك استغلالا من قِبل الحكومة يهدف في المقام الأول إلى تجميد مطالب الإصلاح الدستورية. ومنذ توليه منصبه في كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية، واصل تبون التصادم مع عدم ثقة الرأي العام الجزائري الذي يعتبره انبثاقا مباشرا للمؤسسة القديمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سيحاول تحرير نفسه من هذه الاتهامات، وبالتالي إضفاء الشرعية على رئاسته أمام المجتمعات الدولية من خلال تدخّله كطرف محاور في الأزمة الليبية . لكن أتت هذه الخطّة بنتائج عكسية على الصعيد الداخلي، إذ يشهد الشارع الجزائري احتجاجات حاشدة من قبل مئات آلاف المواطنين المطالبين بتنحيّ تبون عن السلطة نهائيا.
اقرأ أيضا: السراج ينتقد الجامعة العربية.. عاجزة وتنعقد لقضايا أقل حدة
وفيما يتعلق بالسبب الثالث الذي زاد الوضع الاقتصادي في الجزائر تعقيدا هو الخوف من احتمالية تدهور الصراع الليبي، وإعادة حصول هجمات على مصانع النفط والغاز الجزائرية ومن المحتمل أن تنجرّ عنها عواقب وخيمة على خزائن الدولة التي تعاني فعليا بسبب التقلبات الهبوطية في سعر النفط. وخلال الأشهر التسعة الماضية، انخفضت احتياطيات العملة بمقدار 10.6 مليارات دولار، ولا يمكن للحكومة الجزائرية حتى إجراء تخفيضات في الإنفاق العام.
صعوبات تونس
نوّهت الصحيفة بأنّه في هذه اللعبة السياسية، يرتبط استقرار تونس باستقرار الجزائر، بمعنى أنّ أمن تونس يعتمد بشكل مباشر على استقرار أمن البلد الشقيق. ومقارنة بالجزائر، من المحتمل أن تتأثر تونس بسهولة أكبر بالأزمة الليبية، سواء بسبب العلاقات التجارية مع ليبيا أو بسبب وجود أكبر للتونسيين في ليبيا والليبيين في تونس.
إنّ وصول تدفقات هائلة من اللاجئين الليبيين الفارّين من طرابلس، والتسلل المتوازي للخلايا الجهادية، من شأنه أن يخلق نفس الظروف التي أدت سنة 2015 إلى تصاعد الإرهاب بهجومين على متحف باردو في تونس العاصمة وفي المنطقة السياحية بسوسة التي ضرت بالسياحة. كما سيؤثر هذا السيناريو أيضًا على الإطار السياسي التونسي الحساس، حيث يكافح البرلمان المنتخب حديثا لتشكيل حكومة جديدة قادرة على إنجاز ما فشلت فيه الحكومات السابقة وهو توطيد المسار الديمقراطي الجديد.
وذكرت الصحيفة أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون والرئيس التونسي قيس سعيد يشتركان في نفس المخاوف والمشاكل الداخلية، إذ لا يستطيعون التحرك إلا بخطى حكيمة في إدارة الأزمة الليبية. ولكن جميع الأطراف في الحرب الليبية قامت بإزالة أقنعتها من خلال اتخاذ مواقف مؤيّدة لصالح طرف دون الآخر، ما يثبت فشل هذه الأطراف في اتخاذ جانب حيادي.