هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافيين سارة دعدوش وآسر خطاب، يتحدثان فيه عن التهديد الذي يواجه رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد سيطرته على معظم أراضي بلاده التي مزقتها الحرب.
ويقول الكاتبان إن التهديد الرئيسي الذي يواجه حكومة الأسد، في الوقت الذي يستعيد فيه، ليس عسكريا بل اقتصاديا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الاستياء الشعبي حول المشكلات الاقتصادية التي تتفاقم بسرعة أصبح واضحا، لافتا إلى أنه إلى الآن هذا العام، فإن العملة السورية تراجعت إلى نصف قيمتها عام 2019، وتضاعفت أسعار بعض السلع، وازداد سعر السلع الضرورية، كاللحمة والخضار بنسبة تصل إلى 50% بحسب التقديرات الرسمية.
ويفيد الكاتبان بأن الحكومة تخطط لتوزيع السكر والأرز والشاي على شكل حصص للناس، باستخدام نظام بطاقة تموين ذكية تم اعتماده العام الماضي لتوزيع الزيت بأسعار مدعومة.
وتنقل الصحيفة عن الخبير الاقتصادي السوري المقيم في باريس، سمير عيطة، قوله إن الانهيار الكبير في العملة السورية هو بشكل أساسي بسبب الأزمة الاقتصادية في الدولة الجارة لبنان، مشيرا إلى أن سعر الليرة اللبنانية تأرجح على مدى الأشهر القليلة الماضية، حيث خسرت ثلثي قيمتها مقابل الدولار الأسبوع الماضي قبل أن تتعافى قليلا، وأضاف عيطة، "إن لبنان كان رئة سوريا الوحيدة".
ويلفت التقرير إلى أن لبنان يعد مركزا للتجار ورجال الأعمال السوريين، وهو مكان يمكنهم فتح حسابات بنكية فيه، والحصول على الدولارات وشراء البضائع الصغيرة لأخذها إلى سوريا التي تعاني من عقوبات مشددة، مشيرا إلى قول عيطة: "التقشف في لبنان سيكون كارثة للظروف المعيشية في سوريا.. فنحن ذاهبون نحو مجاعة بسبب الأزمة اللبنانية".
ويفيد الكاتبان بأن ما يضاعف من المشكلات في سوريا، هو العقوبات الأمريكية على إيران، التي وفرت لسوريا شريان حياة من خلال شحنات النفط، مشيرين إلى أن الأهم من ذلك، هو أن سوريا تعيش في ظل عقوبات من أمريكا وحلفائها بهدف الضغط لإخراج حكومة الأسد من السلطة، ويقول السوريون بأن الحصار لم يفعل سوى أنه حرمهم من حياة عادية.
وتنوه الصحيفة إلى أن هذه الأزمة أدت إلى مؤشرات صغيرة على المعارضة، وهو شيء نادر في دولة بوليسية، مشيرة إلى أن حتى صحيفة "الوطن"، التي هي عبارة عن بوق للحكومة، ألقت بثقلها، ونشرت تقريرا حول تراجع صرف الليرة السورية، تحت عنوان: "وسط صمت حكومي.. وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 1000 ليرة".
ويشير التقرير إلى أن عشرات الأشخاص تجمعوا خارج مقر البلدية في قرية السويداء، في يوم بارد الأسبوع الماضي، وهتفوا قائلين: "بدنا نعيش.. بدنا نعيش".
ويجد الكاتبان أنه مع أن المظاهرات شائعة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا، إلا أن السويداء تحت سيطرة الحكومة، مشيرين إلى أن الشرطة لم تقم باعتقال المتظاهرين، ولم يتم إطلاق أي رصاصة، ولم يطلب أحد من المتظاهرين أن يتوقفوا، بحسب الفيديوهات وناشط شارك فيها، فلم يعدهم أحد أنهم إرهابيون أو وكلاء مدفوع لهم، كما يحصل مع متظاهرين آخرين.
وتذكر الصحيفة أنه بدلا من ذلك قامت وكالة الأخبار السورية "سنا" بنقل الخبر على الإنترنت، قائلة: "اجتمع قليل من الناس في ميدان الرئيس المعروف بساحة السير في وسط مدينة السويداء وبدأوا بالهتاف.. معترضين على واقعهم المعيشي".
ويلفت التقرير إلى أن المظاهرات التي امتنعت عن المناداة بسقوط الحكومة استمرت لأيام بحسب ناشطة، التي تحدثت بشرط عدم ذكر اسمها خشية الانتقام، وقالت الناشطة عبر مقابلة هاتفية: "الناس يعبرون عن استيائهم"، مضيفة أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة دفعت بالناس إلى الشارع موحدة مؤيدي الحكومة ومعارضيها، وإن كانت بأعداد صغيرة.
ويورد الكاتبان نقلا عن الناشطة، قولها، "إن الوضع الاقتصادي في السويداء يعتمد على المهاجرين، وكغيرها من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، يعيش كثير من سكان البلدة الأصليين في لبنان، ويرسل هؤلاء نقودا إلى عائلاتهم ويحضرون معهم بعض الحاجيات، لكن كثيرا من الشباب بدأوا بالعودة من لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية هناك".
وتنوه الصحيفة إلى أن حوالي 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب تقديرات الأمم المتحدة في شهر آذار/ مارس، مشيرة إلى أن سعر تصريف الليرة السورية في السوق السوداء، الذي كان يساوي 47 ليرة للدولار الواحد عام 2011 قبل بداية الحرب الأهلية، وصل إلى أكثر من 1000 ليرة للدولار الواحد عام 2020.
وبحسب التقرير، فإن سعر اللحوم والخضار والفواكه والمعلبات زاد بنسبة من 30% إلى 50% في الربع الأخير من عام 2019، بحسب تقرير من لجنة اقتصادية حكومية في محافظة دمشق، لافتا إلى أن تكلفة الرعاية الطبية زادت أيضا.
ويقول الكاتبان إن الحكومة حذرت من تخزين الدولارات في البيوت، وصدر أمر رسمي يحظر استخدام الدولار عملة، وأطلقت الدولة حملة تحث الناس على شراء المنتوجات المحلية لإنعاش الاقتصادية، فيما تم رفع الرواتب الحكومية 10% في محاولة هزيلة لمسايرة التضخم.
وتفيد الصحيفة بأن الاقتصاديين ومديري الشركات والتجار الذين يؤيدون النظام السوري دعوا حكومتهم للتدخل لمنع تردي الأوضاع بشكل أكبر، مشيرة إلى أن نائب رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، عبد الناصر الشيخ فتوح، تحدث حول مقاربة "اقتصاد مقاوم".
وقال الشيخ فتوح لـ"وواشنطن بوست" في بيان مكتوب، "إن سعر صرف الليرة لن يتحسن، وستستمر في التراجع في المستقبل"، ما لم تقم الحكومة بتحفيز الإنتاج من خلال دعم الشركات الصغيرة المتوسطة، وإراحتها من ديونها ومنحها ديونا بمعدلات فوائد مدعومة.
ويورد التقرير نقلا عن عمار يوسف، وهو اقتصادي مقره دمشق، قوله في مقابلة هاتفية: "سعر الصرف يتأرجح دون أو بقليل من التدخل من الحكومة، وكأن البلد لا تمر في أزمة اقتصادية"، وأضاف أن على البنك المركزي أن يتدخل ويعلن حالة طوارئ اقتصادية.
وينقل الكاتبان عن رئيس المكتب الإقليمي لاتحاد المصدرين والمستوردين العرب، حسن جواد، قوله في مقابلة هاتفية بأن الحكومة تفتقر إلى سياسة اقتصادية واضحة، وأضاف: "نجحت سوريا عسكريا، ولذلك فإن البلدان التي تآمرت عليها اضطرت إلى اللجوء إلى الحصار الاقتصادي الذي تستطيع من خلاله الضغط على الناس ليثوروا ضد حكومتهم".
وتشير الصحيفة إلى أنه في واشنطن، وافق الكونغرس مؤخرا على حزمة عقوبات شديدة، فيما أطلق عليه قانون القيصر، الذي يستهدف المسؤولين والعسكريين وأي شخص مسؤول عن جرائم حرب ارتكبت خلال الحرب الأهلية السورية، لافتة إلى أن هذه العقوبات الإضافية تشل التجارة مع سوريا، وتمنع أي كيان من التبرع لإعادة بناء البلد.
ويفيد التقرير بأن الكثيرين أشادوا بالعقوبات التي لم تبدأ بعد -بينهم ضحايا الأسد في السجون والفارون من العنف- مستدركا بأن هذه الحزمة تهدد ما تبقى من استقرار قليل للمواطنين السوريين.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول عيطة: "العقوبات تفيد من هم في السلطة.. ولا تؤذي من هم في السلطة، إلا إذا وصلت إلى حد تدمير الطبقة التي تحمي النظام".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)