ملفات وتقارير

مؤتمر قريب للنهضة بتونس على وقع "خلافات" أم "انشقاقات"؟

المؤتمر المقبل سيحسم مصير قيادة الغنوشي للحركة- عربي21
المؤتمر المقبل سيحسم مصير قيادة الغنوشي للحركة- عربي21

يقترب موعد المؤتمر العام لحركة النهضة، وسط خلافات بين قيادات بارزة فيها، ومخاوف من حدوث انشقاقات، ما يثير تساؤلات عن طبيعة الصراع داخل الحزب.

 

ويتوقع أن تعقد حركة النهضة التونسية صاحبة أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، مؤتمرها الحادي عشر في أيار/ مايو العام المقبل، وسط صراعات داخلية "قوية" بين شق رئيس الحركة ومكتبها التنفيذي، وشق مجموعة معارضة من رموزها وقيادييها.

وبرزت منذ المؤتمر العاشر للحركة أيار/ مايو 2016، أسماء عديدة تنتقد إدارة راشد الغنوشي، بينها منسق عام الحركة السابق عبد الحميد الجلاصي، ووزير الصحة الأسبق والقيادي الطلابي المعروف خلال الثمانينيات عبد اللطيف المكي.

وأثارت استقالة أمين عام الحركة زياد العذراي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حجم الخلافات والصراعات داخل النهضة.


خلافات لا انشقاقات


من جهته، قال الباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة رياض الشعيبي، إن استقالة العذاري ليست بالحجم الكبير، الذي يمكن أن يتسبب في انشقاق داخل النهضة.

واعتبر أن العذاري ليس له امتداد قوي داخل النهضة، وليس له تأثير أيضا، وإنما استعمل وظيفيا في إدارة مرحلة ودُفِع للاستقالة عندما انتهى دوره، وفق تقديره.

 

اقرأ أيضا: مع اقتراب انتهاء فترة زعامته للنهضة.. ما مصير الغنوشي؟


وأوضح الشعيبي: "في مرحلة التوافق كانت حركة النهضة تحتاج لبعض الوجوه، التي يمكن تسويقها كوجوه منفتحة على المنظومة القديمة، ويمكن أن يقبل بها الغرب".

وتابع: "ولذلك لا عجب أن زياد العذراي صعد بشكل صاروخي من مجرد عضو في الحركة إلى أمين عام؛ باعتباره وجها يمكن تسويقه في إطار الخطة السياسية التي كانت تعمل عليها النهضة".

من جانبه، قلل الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي، من أهمية استقالة العذاري "لأنه دخيل على الحركة وهياكلها ألقى به الغنوشي في غمار الأمانة العامة؛ سعيا وراء التشبيب وخدمة صورة الحركة داخل الحكومة، ولكنه غادر في ظرف جعل الكثيرين يعتبرون استقالته هي رد فعل شخصي، أكثر منه موقفا سياسيا يجْمَع حوله أو ينضم به إلى المجموعة التي تعارض الغنوشي".

كذلك قلل عبد اللطيف المكي، وزير الصحة الأسبق والقيادي المعروف في الحركة، المحسوب على الخط المعارض للغنوشي، من أهمية استقالة العذاري ونفى أي إمكانية أن تقود لانشقاقات.

وقال المكي: "لا تأثير لاستقالة العذراي على وحدة الحركة"، مؤكدا أن الأخير "لا يعكس تيارا داخلها".

صراع على القيادة


وشدّد الشعيبي على أن "للصراع داخل حركة النهضة أوجها أخرى بعيدة عن استقالة العذاري المعلنة حديثا".

وقال: "هناك اليوم صراع داخل النهضة بين تياٍر يسمي نفسه إصلاحيا ويضم مجموعة من القيادات الشبابية، التي تطالب بتغيير قيادي وإداري داخل الحركة، من دون أن ترتقي إلى مستوى الخط السياسي المتمايز عن الخط الرسمي لحركة النهضة".

أما التيار الثاني، فيسمي نفسه بالشرعية، وهو الذي انتصر في المؤتمر العاشر لحركة النهضة (أيار/ مايو 2016) وتمثله رئاسة الحركة ومكتبها التنفيذي ومؤسساتها الرسمية.

واعتبر الشعيبي أن "الصراع هو على تغيير القيادة والإدارة، ولا وجود لرؤية سياسية متمايزة فيما يحدث داخل النهضة".

 

اقرأ أيضا: الغنوشي: تشكيل الحكومة لم يستكمل.. توقع إعلانها قريبا

ويتفق مع المكي، المحلل السياسي رياض الشعيبي في توصيف طبيعة الصراع، قائلا: "هو تعبير عن الملفات المرتبطة بضرورة تطوير هيكلة النهضة ومنظومة اتخاذ القرار والتسيير والحوكمة".

وقال المكي: "هذا (اتخاذ القرار والتسيير والحوكمة داخل الحركة)، فيه اختلاف كبير في وجهات النظر".

وتابع: في ظل النظام الرئاسي في حركة النهضة (الصلاحيات التي يمنحها القانون الأساسي للنهضة لرئيسها)، لم يُسمح بحلحلة هذه المشاكل لذلك يبقى المؤتمر هو المحطة المهمة لتناول هذا".

"وحدة الحركة"


ويستبعد الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي، أن يؤدي الصراع داخل حركة النهضة إلى انقسام كبير، موضحا: "إلى الآن، نجحت حركة النهضة في إدارة خلافاتها وتباين مواقفها".

وأضاف: "تقريبا لم يتسرب من هذه الخلافات للإعلام إلا الجزء اليسير والمقبول من الناحية السياسية من قبل أبناء الحركة عمّا يجري داخلها من رؤى وتجاذبات أصبحت متناقضة".

وتابع: "ولكن مقارنة ببقية الأحزاب، نجحت النهضة في المحافظة على أكثر من الحد الأدنى في التماسك التنظيمي، واستطاعت ترحيل الخلافات وهذه الرؤى المتباينة إلى المؤتمر المقبل".

وأكد الحاجي برغماتية شقي النهضة؛ "فالمجموعة الملتفة حول رئيس النهضة والمجموعة التي تلتف حول الشق المعارض له، حافظتا على التماسك وبقيتا براغماتية في المحافظة على الدور الوطني للنهضة، وهو دور مهم لتجنب الخطوة التي لو وقع تخطيها لوقع بالأكيد الانشقاق".

القيادي عبد اللطيف يجيب باقتضاب عن مصير الصراع: "أستبعد انقسام الحركة".

الشعيبي يفسر موقفه بالقول: "أعتقد أن انتصار النهضة في الانتخابات التشريعية، قد فتح لها أفقا جديدا لإعادة ترميم صفّها الداخلي".

وأضاف الشعيبي: "ربما الذين كانوا يراهنون على انقسام الحركة توقعوا هزيمة لها بما يعمق جراحها الداخلية، لكن يبدو أن انتصارها الأخير (أغلبية البرلمان) قد يعطيها أفقا جديدا للملمة شتاتها".

 

المؤتمر المقبل

وحول مخاطر انقسام كبير للحركة جراء الصراع الدائر، أعرب الشعيبي عن اعتقاده بأنه "آن الأوان لتولي رئيس الحركة رئاسة مجلس النواب (البرلمان)، ما سيخفف إلى حد ما هذا الصراع".

وأضاف: "ربما تستطيع أجنحة الحركة أن تجد التسويات المناسبة التي تستطيع من خلالها الإعداد لمؤتمرها المقبل".

وتوقّع الشعيبي أن "يفرز المؤتمر المقبل طاقما قياديا ممثلا لكل هذه الحساسيات المتنافرة داخل النهضة".

إلا أن الحاجي يقول إن المؤتمر سيكون بالنسبة للغنوشي "محطة للحسم، خاصة أن له، أولا، رؤية سياسية قد تختلف مع معارضيه. وثانيا، له اعتبارات وحسابات بعضها يرتبط بشخصه وتاريخه وبعضها يرتبط بالمحيط القريب منه".

ويتابع الحاجي، بالنسبة للتيار المناهض للغنوشي: "يريد من رئيس الحركة احترام القانون ومغادرة رئاسة الحركة".

ويخلص الحاجي إلى أن "كلا الطرفين يمتلك أوراقا مهمة ويمتلك حضورا في هياكل الحركة ومؤسساتها".

وقال المكي: "لا بد من تقديم المؤتمر عوض تأجيله؛ لأن رئيس الحركة أصبح رئيس البرلمان، ولم يعد له إمكانية للتركيز على رئاسة البرلمان ورئاسة الحركة في الوقت نفسه".

وأكد المكي: "وجود فصل في القانون الداخلي يقول إن رئيس الحركة يجب أن يكون متفرغا".

إلا أن الحاجي، قال: "من الصعب التكهن بمصير الغنوشي بعد المؤتمر القادم، معبرا عن عدم اقتناعه بأن "الغنوشي سيقبل المغادرة بسهولة".

ورجّح الحاجي أن "يقر المؤتمر المقبل منح استثناء للغنوشي، هذه الشخصية التي رافقت وتزعمت الحركة في أغلب الفترات منذ تأسيسها".

التعليقات (0)