كتاب عربي 21

الاحتجاجات في ظلال هيمنة إيرانية

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

تكشفت الحراكات الاحتجاجية المفاجئة التي اجتاحت إيران والأنظمة التي تقع تحت ظلال سيطرتها وهيمنتها من العراق إلى لبنان عن مفارقة لافتة، ففي الوقت الذي كانت تحتفل فيه إبران وحلفاؤها بتحقيق نصر على "الإرهاب" وإحباط "المؤامرة" الدولية، وإفشال "الغزوات" الخارجية، والاحتفاء بتمدد نفوذها وهيمنتها بصورة غير مسبوقة، برزت حراكات احتجاجية داخلية غير مسبوقة على سوء الأوضاع المعيشية وفساد النخبة والطبقة السياسية الحاكمة وتردي الحوكمة، وتكتمل المفارقة بدخول المكون "الشيعي" الذي يشكل عصب الاحتجاجات في إيران والعراق، وأحد مكوناته في لبنان.

 

فقدان الثقة في الطبقة السياسية


إحدى السمات الأساسية للاحتجاجات الواسعة في ظلال نظم الهيمنة الإيرانية، هي فقدان الثقة بالطبقة السياسية بسبب فسادها وعجزها عن تلبية الاحتياجات الأساسية، وقد برهنت هذه الطبقة عن فسادها وعجزها حين لجأت أجهزتها ومليشياتها المسلحة إلى القمع الشديد والعنف المفرط والقتل المجاني، وتمسكت أجهزتها الإيديولوجية الدعائية برواية "الفتنة" الداخلية و"المؤامرة الخارجية"، فلسان حال الطبقة السياسية في ظل الهيمنة الإيرانية تتمثل بالعبارة التي كتبها دانتي على باب جهنم، والتى تقول: "أيها الداخلون اتركوا وراءكم كل أمل فى النجاة". 

 

ما يميز الحراكات الاحتجاجية في ظلال الهيمنة الإيرانية، هو اليأس من أنظمة دكتاتورية فاسدة تمترست حول هوية طائفية لخدمة أغراضها ومصالحها وأهوائها


واجهت السلطات الإيرانية موجة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد في 15 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن رفعت السلطات سعر البنزين بشكل مفاجئ بنسبة تصل إلى 200 بالمئة، بالقمع الشديد، وبحجب شبه كامل لشبكة الإنترنت في البلاد، وقدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي) في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر المنقضي، عدد القتلى بـ 161 شخصا على الأقل، وقال عضو في البرلمان الإيراني إن أكثر من سبعة آلاف شخص اعتُقلوا، ورغم أن الاحتجاجات شاركت فيها الطبقات العاملة والأفقر في المجتمع، إلا أن رواية النظام أصرت على مقولتي "الفتنة" و"المؤامرة"، لكن التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة وتصريحات المسؤولين تقول إن "عناصر خارجية تتلاعب بالمتظاهرين"، وقد أثنى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على قوات الأمن في خطاب عام، لنجاحها في "تحييد مؤامرة شديدة العمق ومتشعبة وخطرة"، وأعلن الرئيس حسن روحاني الانتصار على مؤامرة "من العدو".

 

احتجاجات في العراق ولبنان


كانت الاستجابة للاحتجاجات في العراق التي انطلقت منذ الأول من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، أكثر عنفا وأشد قمعا، فحسب إحصائية للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أسفرت حملة القمع عن مقتل 380 عراقياً وإصابة 17 ألفاً و745 آخرين منذ انطلاق المظاهرات الاحتجاجية في العراق، رغم أن التظاهرات الكبرى التي انطلقت في العاصمة العراقية بغداد وعدة مدن أخرى، اقتصرت مطالبها على القضاء على الفساد وتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل، واتسمت بأن معظم المشاركين فيها شباب من مناطق فقيرة مهمشة ذات غالبية شيعية، وقد استمر المتظاهرين في تحدى الفساد الحكومي المستشري، والنخبة السياسية غير جديرة بالثقة، وانعدام الحقوق الأساسية وتزايد نفوذ القوى الإقليمية، حيث هتف المتظاهرون ورفعوا شعارات مناهضة للفساد وإيران.

أما في لبنان، فقد انطلقت ثورة السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر الماضي ضد الطبقة السياسية الفاسدة بأكملها، ولم يستثنى حزب الله من تهم الفساد المشتري في مفاصل الدولة اللبنانية، وتمكنت الثورة من استقطاب المكون الشيعي، حيث خرج المتظاهرون في المدن والبلدات ذات الوجه الشيعي الغالب، والتي تصنّف على أنها "بيئة" المقاومة الموالية لإيران، الأمر الذي أدى إلأى نهج اللجوء إلى القمع والترهيب، ورغم أن الحراكات الاحتجاجية اللبنانية تشدد على سلميتها وتؤكد على هويتها الوطنية بعيدا عن الطائفية، لا تنفك عمليات القمع والترهيب والتهديد.

 

تكمن المفارقة في حركة الاحتجاجات التي اجتاحت الأنظمة في ظلال إيران، في حجم التناقضات العميقة بين فهم النخب الحاكمة والجمهور لمسألة حرب "الإرهاب" ومنظورات الأمن القومي

 
إن ما يميز الحراكات الاحتجاجية في ظلال الهيمنة الإيرانية، هو اليأس من أنظمة دكتاتورية فاسدة تمترست حول هوية طائفية لخدمة أغراضها ومصالحها وأهوائها، وأخذت تسعى إلى بناء هوية وطنية جامعة، ففي العراق فقد شيعة العراق ثقتهم بحكومتهم لأنها فشلت في تلبية احتياجاتهم الأساسية،  فحسب كارل كالتنثالر ومنقذ داغر كان من المفترض بعد سقوط صدام حسين ونشأة نموذج الحكم الجديد ذي الغالبية الشيعية، أن يتحسن وضع العراقيين الشيعة إلى حد كبير. 

وقد توقع الشيعة باعتبارهم الأغلبية في دولة العراق الحديثة بأن من المنطقي أن يحظوا بكلمة الفصل في الإدارة العراقية، بدلًا من سيطرة المجتمع العربي السني التاريخية على العراق .وقد كان هذا هو الوضع السائد منذ العصر العثماني. وبالتالي عندما سقط حكم صدام حسين، توقع العراقيون الشيعة نهاية منتظرة منذ وقت طويل للهيمنة السنية ورأيًا أكثر في السياسات العراقية. ويضاف إلى هذه التوقعات أن الكثيرين من الشباب الشيعة حاربوا تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما هدد بالسيطرة على بغداد في العام 2014، ولكن بدلًا من تأسيس هذا العراق المنشود، اعتمد النظام السياسي ذو الأغلبية الشيعية الجديد نظامًا سياسيًا ينخره الفساد لا يراعي المواطن العراقي العادي ولا يستطيع تأمين خدمات أساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء، فضلًا عن التعليم والرعاية الصحية.

 

تناقضات عميقة

يضاف إلى هذه الخيبات الواقع الاقتصادي العائم بالفوضى والبطالة المنتشرة في كل مكان وبضمنهم الشباب الشيعة. لكنه لن يحدث على الأرجح لعدة سنوات، وفي المقابل، بنت إيران قوةً من الوكلاء يفوق عددهم 60,000 رجلٍ ميليشياوي داخل العراق، وهم يُحدثون فراغًا في القوى الأمنية العراقية ويتغذّون من الميزانية الاتحادية بقدرٍ بلغ 2.2 مليار دولار في عام 2019.

تكمن المفارقة في حركة الاحتجاجات التي اجتاحت الأنظمة في ظلال إيران، في حجم التناقضات العميقة بين فهم النخب الحاكمة والجمهور لمسألة حرب "الإرهاب" ومنظورات الأمن القومي، إذ لا يمكن تبرير السياسات الداخلية الكارثية الفاشلة بانجازات خارجية مهما بدت نبيلة وناجحة، ولا يمكن مقايضة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية برهاب "الإرهاب"، ففي الوقت الذي انتظرت النخب الحاكمة معانقة الجماهير بالانتصارات الخارجية، استيقظت على مفارقة مذهلة، فالاحتجاجات على ارتفاع أسعار السلع الأساسية وسوء المعيشة والفساد سرعان ما تحولت إلى صيغة سياسية تندد بالانتصارات الخارجية.
 
خلاصة القول أن الحراكات الاحتجاجية في نطاق الأنظمة الواقعة تحت حكم إيران وفي ظلال نفوذها وسيطرتها، كانت متوقعة مع استنفاذ مسألة حرب "الإرهاب" لأغراضها وأهدافها، ذلك أن الأسباب العميقة والجذرية للاحتجاجات من الظلم والفقر، والفساد والاستبداد، وسوء الحكامة لم تختفي، بل تعاظمت وتجذرت وتمأسست، ولم تكن شجرة حرب الإرهاب قادرة على حجب غابة الاستبداد والفساد، وفي حقيقة الأمر فإن الأجهزة القمعية للسلطة لا تملك سوى القمع والقتل والاعتقال، وسوف تذهب بعيدا في عملها ووظيفتها، أما الأجهزة الإيديولوحية فسوف تمضي في سردبات الفتنة الداخلية والمؤامرات الخارجية، لكن الشعوب لا تفنى ولا تستنفذ وسوف تواصل نضالها ضد الظلم والفقر والفساد والاستبداد والهيمنة، وتواصل سعيها حو الحرية والعدالة والكرامة.

التعليقات (2)
مسلم ايراني
الإثنين، 02-12-2019 02:17 م
الشعب الإيراني شعب نشيط و ثائر منذ الثورة الإسلامية. شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة کثير من الإحتجاجات بعضها معروف بين الإخوة العرب و بعضها لا. المهم أن هذاه المظاهرات کانت بصالح التطور و استقرار و إصلاح النظام مثل ما يشاهده العالم الغربي. التدخل الإمريکي- الإسرائيلي الذي يضاف إليه الآن منظمة مجاهدي الخلق الإرهابي المدعوم بالمال السعودي ، برکوب هذه الموجات بالعنف ضد النظام عوضا عن إصلاحها، يوثر في تقليص الشعبية و عدم مشارکة الشعب و من ثم إيقاف الإحتجاج و خمودها. مشکل العقل العربي أنه لايريد قبول الديموقراطية الإسلامية في إيران فلا يفهم رأي أغلبية الشعب الإيراني بالنسبة إلي هذه الإحتجاجات. يا ليت يعترف کاتب المقال بعدد المشارکين في کل الإنتخابات و النشاط الحقيقي و المنافسة الحقيقية تحت سقف الديموقراطية الإسلامية في إيران.
الفتنة
الأحد، 01-12-2019 10:00 ص
بعض حكام إيران أضاعوا مال الشعب في نشر الفتنة بين المسلمين، الكثير من المسلمين و الاروبيين لم يسمعوا قط بكلمة (سني أو شيعي) لكن الآن بعض الاروبيين يسألونني هل أنا سني أم شيعي؟ أما الفاجعة هي قطع الانترنات على شعبنا في إيران ألم يعلم هؤلاء الحكام أن هذا قد يشل الاقتصاد تمامآ، إذن أصحاب الفتنة خسروا مرتين و الثالثة قريبآ أمام الله عز وجل