قضايا وآراء

الإخوان وجدار الحرية

حسام الوكيل
1300x600
1300x600
حضرت منذ أيام مناقشة لكتاب الدولة المركزية في مصر، للمؤلف الدكتور نزيه نصيف الأيوبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوكسفورد، وذلك بمقر المركز الإعلامي للإخوان المسلمين- جبهة المكتب العام، في إسطنبول. ناقش الكتاب الدكتور محمد عفان، الباحث بالعلوم السياسية ومدير التدريب بمنتدى الشرق، تناول خلالها الكتاب ونظريات الدولة بين الفلاسفة وعلماء السياسية، ووصف الدولة المصرية، بين رؤى ليبرالية ويسارية.

وعقب الندوة، قام الصديق عفان بكتابة تدوينة عن أحد جدران المركز الإعلامي للإخوان، والتي تحتوي 34 صورة لرموز محلية ودولية، أغلبهم في عداد الأموات، ليناقش دلالات الجدارية والرسائل المتوقعة من صور الرموز التي علقت عليها.

الجدارية التي صنعها الإخوان بمركزهم الإعلامي تشمل عددا كبيرا من الرموز من مختلف الأديان والجنسيات ومختلف التيارات، بدءا بصورة متخيلة للعز بن عبد السلام، وصور للشيخ القرضاوي والدكتور سلمان العودة، وعز الدين القسام، ومالك بن نبي، والصحفي جمال خاشقجي، والرئيس التركي أردوغان، والرئيس البوسني الأول علي عزت بيجوفتش، ونيلسون مانديلا، وراشيل كوري، ومحمد على كلاي، وزينب الغزالي، والمرشد العام للإخوان الدكتور محمد بديع، والقيادي محمد البلتاجي، وابنته أسماء البلتاجي، والشيخ أحمد ياسين، والقيادي عبد العزيز الرنتيسي، وخنساء فلسطين أم نضال، مرورا بجيفارا وغاندي، وسليمان خاطر، وهالة أبو شعيشع، ومحمد الدرة، والمجاهد الشيشاني سيف الإسلام خطاب، والمقاوم الشهير عبد الله عزام، وعمر المختار، ومارتن لوثر كينج.. فضلا عن جدارية صغيرة لرموز الجماعة، بدءا بالمؤسس حسن البنا، والمرشد الراحل محمد مهدي عاكف، والرئيس الراحل محمد مرسي، والمفكر سيد قطب، والقيادي وعضو مكتب الإرشاد الراحل محمد كمال.

شكلت تلك الكوكبة من الرموز في جدارية الإخوان انطباعا لدى صديقي الدكتور "عفان"؛ بأن مجموعة تيار المكتب العام في الإخوان المسلمين؛ تعاني من التشوش، كما هو الحال لدى أغلب شباب الثورات العربية، وأن اختيار الصور لم يعبر عن رمزية واضحة، بل ويحمل رسائل متعارضة، معتبرا أن مجموعة الرموز لا تمثل تيارا فكريا أو منهجية محددة، فهم بين الإصلاحيين والثوريين، وبين الإسلاميين والعلمانيين، وبين العلماء وبين المجاهدين والميدانيين، وهو ما اعتبره صديقنا "عفان" تخبطا فكريا وعدم حسم للاختيار والمنهج.

حقيقة الأمر أني أختلف مع صديقي الدكتور "عفان"، ولقد حرصت على التقاط صورة خاصة مع تلك الجدارية والتي أسميتها "جدار الحرية". فبالأساس ما يجمع كل تلك الرموز هو نضالهم من أجل الحرية، وكان لكل منهم منهجه وطريقته وساحته وزمانه واختياراته للنضال، ولكن جميعهم كانوا يبحثون عن الحرية، وبعضهم ما زال يحيا لهذه القضية.

كما أن "جدار الحرية" داخل المركز الإعلامي للإخوان يحمل رسائل واضحة في رأيي، فهم يؤكدون أنهم كتيار تجديدي داخل مدرسة الإخوان؛ تيار يسعى للحرية التي كتب عنها مؤسس الجماعة أنها فريضة من فرائض الإسلام، وأنهم يتشاركون مع رموز الإنسانية على مدار الأجيال في النضال من أجل الحرية كهدف إنساني إسلامي صميم.

"جدار الحرية" هو رسالة واضحة من تيار التجديد بالإخوان بأنه منفتح على الآخر على أرضيات مشتركة، وأنه لا يحتكر الوطنية أو الإنسانية أو حتى الفهم الصحيح للإسلام أو تمثيله. فقد حملت الصور رموزا مخالفة في الدين كمارتن لوثر كينج، ومخالفة في الأيديولوجيا كجيفارا ومانديلا وغاندي، ومخالفة حتى للفهم داخل المدرسة الأيديولوجية الإسلامية، مثل خطاب والعودة، بل وحملت مدارس فكرية مثل مدرسة مالك بن نبي، وشخصيات مستقلة مثل محمد علي كلاي وغيره.

"جدار الحرية" عند الإخوان أستطيع أن أقرأه في سياق واضح بأنهم تيار إسلامي ينتهج الثورة كضرورة للمرحلة، وأنهم يتعاطون مع الثورة كما هي وليس بمفهوم منقوص أو بحمية أيديولوجية. فكما كان بميدان التحرير متسع لغير المسلمين ولغير الإسلاميين وللمستقلين، فيجب أن تكون النظرة للثورة أنها للجميع وبالجميع، وهي رسالة شديدة الوضوح. كما أن السياق العالمي في الصور يوضح تصور الإخوان عن أن الثورة ليست حدث محلي، ولكنها مرتبطة بحركة عالمية يجب أن تستمر وتكتمل، وأن الثورة كالأواني المستطرقة، وأن كل جهد بشري بذل في سبيل الحرية هو إرث للجميع الحق في التعلم منه والبناء عليه.

في حقيقة الأمر، إنني أجد في رسالة "جدار الحرية" لدى تيار التجديد بالإخوان المسلمين؛ فرصة جيدة لإتاحة الفرصة لمدرسة الإخوان المسلمين للخروج من قمقمها والانفتاح على الآخر، وأجدها بادرة جيدة على المستوى الفكري يجب على القوى السياسية المختلفة استغلالها لتقريب المسافات ووجهات النظر، والبناء على المساحات المشتركة والتي تبدأ بالحرية. فلم يسبق للإخوان المسلمين من قبل أن احتفظوا بمقراتهم يوما بصور لغير قادتهم التنظيميين أو المؤسس. فلعل هذه الجدارية هي بداية جديدة فعليا لسلوك تيار بمدرسة الإخوان المسلمين، وليس أدل على أن هذا سلوك من موضوع الندوة التي بدأت كل هذا السجال، فكانت تناقش كتابا لأستاذ علوم سياسية، وهو الدكتور نزيه نصيف الأيوبي، وتناقش شكل الدولة في الأفكار الليبرالية واليسارية. فهل وجدنا الإخوان على ذلك من قبل؟ أم أنه سلوك جديد يجب الاتفات إليه وتقييمه في إطاره والبناء عليه؟
التعليقات (1)
مصري جدا
السبت، 23-11-2019 02:06 م
ما لم يستوعبه قيادات الاخوان ان ثورة يناير لم تكن تمردا على سلطة وشخص مبارك ،، بل كانت تمردا على ماضي مهزوز وحاضر مرتبك ومشوش بكل من فيه ،، ثورة يناير كانت ثورة جيل على أجيال ،،، كانت تمردا على كل شى بداية من النفس إلى أعلى سلطة سياسية او دينية ،، بل تمدد البعض في الاتحاه الخاطئ وتمرد على الله سبخانه بالالحاد الذي تجاوزت نسبته 12 % بين قطاعات الشباب ،، والجماعة لم تكن في مناى عن هذه الحالة ،،، فكان التمرد الداخلي ومبكرا ،، على الأفكار والأنماط والأساليب والقيادات ،،، كان مبكرا عندما خرج المهندس ابو العلا ماضي ورفاقه في حزب الوسط ،، لكن الرسالة لم تصل الاخوان واولوها كالعادة بطريقتهم في وصف التارك والخارج بالمتساقط وناكث العهد ومضيع البيعة ،، ثم كانت بعض تصريحات وتصرفات الدكتور عبد المتعم ابو الفتوح وعصام العريان ومحمد البلتاحي وغيرهم من القيادات الوسيطة ،، ثم كان حزب التيار المصري للمهندس محمد القصاص ورفاقه ،وأيضا لم تصل الرسالة للإخوان ،، ارتبكت الجماعة امام حالة التمرد والعصيان الداخلي فأعلنت فصل أي عضو ينتمي لأي حزب غير حزب الجماعة ،، الحزب الذي ولد ميتا او على الأقل غير كامل النمو ،،،، حالة من الارتباك جعلت الجماعة تنحاز لأحد الأعضاء ،، الدكتور سعد الكتاتني ضد أخيه الدكتور عصام العريان في الترشح لرئاسة الحزب بعد الدكتور مرسي رحمه الله وأعلنت الجماعة ان الدكتور الكتاتني هو مرشحها وكان عصام العريان ينتمي لفيصل آخر ،، وكانت نتائج الانتخابات بمثابة الزلزال حين صوت حوالى 40 % لصالح عصام العريان تحديا لقرار الجماعة وخيارها ،،، ثم كانت ورطة الترشح للرياسة بالمخالفة لكل الاستبيانات والاستفتاءات والاراء الداخلية ،،،، ، ثم كانت ازمة التصويت في محلس شورى الجماعة على الترشح للرئاسة والتي كانت بفارق 4 او 5 أصوات في قرار تاريخي لمصر والعالم العربي والجماعة ،،، ثم كانت سلسلة من الفصل والترك والمغادرة ،،، ثم كان الانقلاب العسكري وما ترتب عليه من هول الصدمة وغياب الرؤية في التصرف والمخرج ،، حتى تيقن قطاع من الشباب والرجال انه لا امل في بقايا القيادات الحالية ،،، وكان ما كان من تجربة الدكتور محمد كمال رحمه الله ورفاقه ،،، مشكلة الاخوان هي مشكلة بين القيم والإجراءات ،،، هي مشكلة غياب النظرية النقدية ،، هي مشكلة كونها كيان طارد للإبداع والجديد ،،،، ، هي مشكلة بقايا قيادات تاريخية ومن خلفهم قيادات وسيطة ورثت نمط ادارتهم وطريقة تفكيرهم ، وكانت هذه النوعية من القيادات الوسيطة هي الوريث الشرعي للجماعة وما دونها وصف بالمتسيب او غير الملتزم او المطعون في بيعته ،، بقايا قيادات الجماعة لم تتعلم ولن تتعلم الدرس ،،، لأن التعلم له مقومات مفقودة لديهم ،، هكذا تربوا ونشاوا ،،، هكذا سيبقى حال الجماعة ومواقفها ،، وهو ما يؤكد الحاجة ل منصات قيادة جديدة تكون قادرة على صناعة ادوات اعادة التوازن لمعادلة الصراع ،،، بعيدا عن الارتباك واحتراما لواقع الجماعة والمرحلة ،،،