قضايا وآراء

هل تنهي الوساطات الصراع بين إيران والسعودية؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
شهدت الفترة الأخيرة ظهور وساطات وتحركات دبلوماسية بين طهران والرياض بغية إنهاء النزاع المديد بينهما، أطلقها رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، وقام لأجلها بزيارة السعودية في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر، وكان من المقرر بحسب بعض المصادر، أن يزور إيران أيضا بعدها بأيام، لكن شغلته التطورات في العراق إثر اندلاع مظاهرات "مفاجئة"؛ عن متابعة الوساطة، ليستكملها رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، حيث قام بزيارة طهران في الثالث عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، وأخرى للرياض في السادس عشر من الشهر الجاري، علما بأن خان نفسه يواجه أحداثا شبيهة بتلك التي يواجهها عبد المهدي، قد تؤثر لاحقا على جهود الوساطة التي يقوم بها، حيث تهدد أكبر قوى المعارضة الباكستانية بالنزول للشارع اعتراضا على سياسات الحكومة.

لا يخفى على الناظر أن تحركات عبد المهدي وخان لا تأتي من فراغ، بل إنها مدفوعة بعوامل عدة؛ أولا بقلق شديد من تصاعد التوتر بين إيران والسعودية، على خلفية الهجمات "الكبيرة" على منشآت "أرامكو" في الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر، والتي وجهت الرياض أصابع الاتهام لطهران بالوقوف وراءها.

ومن هنا، تكتسب تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني، خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أهمية كبيرة، إذ أكد أن زيارته هي لمنع وقوع حرب بين السعودية وإيران، في إشارة واضحة إلى أن إسلام أباد لديها خشية كبيرة من تطور الأوضاع نحو الانفجار.

وثانيا، أنها تحركات مشفوعة بـ"رغبة لافتة" بعد تلك الهجمات التصعيدية، يبديها كل من الطرفين، لحل الخلافات بينهما عبر الحوار وتفضيلهما الحل السياسي، لكنها تبقى حتى اللحظة "لفظية"، حيث كل طرف يدعو الآخر إلى تغيير السلوك ترجمة لتلك الرغبة التي لا تسندها الوقائع في ساحات الاشتباك كثيرا، رغم وجود مؤشرات خجولة، مثل تجنب إيران توجيه التهمة للسعودية بالضلوع في الهجمات الصاروخية التي استهدفت ناقلتها قبالة مدينة جدة بالبحر الأحمر في الحادي عشر من الشهر الجاري، مع التلميح إلى ضلوع جهات ثالثة في هذه الهجمات لتعكير الأجواء "الإيجابية" التي خلقتها هذه التحركات الدبلوماسية الإقليمية.

وفي السياق، يشار إلى احتمال تنظيم مباراة الصداقة بين المنتخبين الإيراني والسعودي في التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بحسب مصادر إيرانية وإقليمية، وهو حدث رياضي؛ إن تم سيكون "تاريخيا" ذا معان سياسية مهمة، يراد منه تحضير الأجواء وترجمة الرغبة المتبادلة لخفض التوتر.

كما أن هذه التحركات مدفوعة أيضا باعتبارات وحسابات عراقية وباكستانية، ترى بمجملها في إصلاح ذات بين الدولتين الإسلاميتين ضرورة استراتيجية قصوى لصالح المنطقة ودولها المنهكة بالصراعات والأزمات، وأن استمرار الصراع بينهما لم يعد يُحتمل نظرا لتداعياته الكارثية على أمن المنطقة، وخصوصا أن كثيرا من دولها تدفع ثمن هذا الصراع سياسيا وأمنيا واقتصاديا، بما فيها العراق وباكستان، خاصة أن هذه الدول ليست في موقع يخوّلها أن تختار بين طهران أو الرياض، لتشابك مصالحها مع الطرفين، الأمر الذي وضعها في موقف صعب للغاية، يتزايد تأثرها بتبعات هذا الصراع بعد احتدام وتيرته.

وبين تلك الدول، يأتي العراق ضمن الدول الأكثر تأثرا بالصراع الإيراني السعودي، وتأثيراته الجمة على أوضاعه الداخلية معروفة، ولا حاجة لإعادة شرحها، لكن باكستان الجارة الشرقية لإيران، ترى في ظل حكم عمران خان أن وجود علاقات غير متأزمة بين طهران والرياض في مصلحتها أولا، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، قبل أن تكون في مصلحة البلدين الجارين، حيث هي اليوم بحاجة ماسة إلى دعم القوتين الإسلاميتين لها في مواجهة الهند، لا سيما بعدما ألغت نيودلهي الحكم الذاتي الدستوري لإقليم كشمير في أب/ أغسطس الماضي، فضلا عن أنها أصبحت أكثر قلقا من مصير الطاقة التي تستوردها عبر المياه الخليجية على خلفية تصاعد التوتر بين إيران والسعودية أخيرا، حيث أن إسلام أباد تستورد 90 في المئة من حاجتها للطاقة من هذه المنطقة.

إلا أن إعلان الطرفين السعودي والإيراني عن رغبتهما في الحل السياسي، ووجاهة الدوافع العراقية والباكستانية، ليسا كافيين لوحدهما لحسم مصير الصراع المديد بين طهران والرياض؛ لأنه بات مرتبطا ارتباطا وثيقا بمصير صراع أكبر يجري راهنا بين طهران وواشنطن، ومن دون حل الثاني من غير الوارد حل الأول. بالتالي، فإن الصراع الأول يبقى رهن تطورات الصراع الثاني، وبالأحرى فإن المتحكم هنا هي الإرادة الأمريكية. فالسعودية التي تنظر إلى علاقاتها مع أمريكا في إطار موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، من المستبعد جدا إن لم يكن مستحيلا أن تتجه بمعزل عن واشنطن نحو بناء مرحلة جديدة في العلاقات مع إيران، كما لا يُتوقع أيضا أن تقدم الأخيرة على تنازلات على ضوء المعطيات والموازنات الإقليمية الراهنة التي تميل لصالحها؛ إما لأن الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية يشهد هذه الأيام هدوءا حذرا ما في حدود ممارسة اللعبة أطراف الهاوية، تستدعيه أسباب أمريكية بالدرجة الأولى، على ضوء انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأزمته الداخلية والاستحقاق الانتخابي، وعدم استعداده للذهاب أبعد في ممارسة الضغوط القصوى على إيران، فتبقى احتمالات نجاح الوساطات بين طهران والرياض في خفض التوتر بين الطرفين واردة، وهو أمر إن حدث سيكون لاعتبارات أمريكية أولا، وذلك في سياق سياسة الإدارة الأمريكية لإدارة الأزمة مع إيران في الوقت الراهن.

كما أن ثمة اعتبارات سعودية أيضا لها دور فرعي هنا، على رأسها أن السعودية التي ترى أن إدارة ترامب تركتها وحيدة أمام إيران وحلفائها، وهي باتت تدفع الثمن غاليا في هذه المواجهة، وهي قد تكون أكثر استعدادا للتوصل إلى تفاهمات معينة مع إيران عبر باكستان أو غيرها لدفع "التهديدات الفورية" عن نفسها.

ولدفع هذه التهديدات، على الأغلب تبدي الرياض استعدادا لتسوية معينة لكنها مؤقتة، أو لوقف لإطلاق النار في الملف اليمني، لحاجتها الكبيرة لذلك بسبب التبعات الكارثية للحرب على اليمن والولوج في هذا المستنقع من جهة، ولإبطال مفاعيل الورقة اليمنية وسحبها من يد إيران من جهة أخرى.

أما بالنسبة لإيران، فرغم أنها تشترط إنهاء السعودية حربها على اليمن لخفض التوتر في المنطقة، لكنها ترى في الوقت نفسه أن جذور التوترات تعود إلى العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي تتهم الرياض بالمشاركة الفعلية فيها عبر تعويض النقص الناتج عن النفط الإيراني المحظور وبطرق أخرى أيضا، بالتالي فإن أي تطورات إيجابية على الصعيد اليمني، سواء وقف إطلاق النار أو وقف الحرب ستبقى آثاره قصيرة المدة ومحدودة، ما لم يعقبها تخفيف العقوبات على إيران، وهو أمر مستبعد، ولا تسمح به الإدارة الأمريكية.

وأخيرا، على ضوء المعطيات آنفة الذكر، فاذا أفضت الوساطات بين إيران والسعودية إلى نجاحات، ولو من بوابة الرياضة، فإنها ستبقى في إطار خفض التوتر تحت سقف محدد ليس مفتوحا، من دون أن تترتب عليها آثار استراتيجية لتنهي حقبة الصراع المرير بينهما خلال هذه المرحلة، طالما لا تطاول عملية المعالجة أسباب هذا التوتر، وهي قائمة بقوة ومن دون تراجع. كما أن مسارات هذا الصراع الثنائي ومصيرها بات رهن تطورات الصراع الأكبر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ومن دون انتهاء الثاني لا ينتهي الأول.
التعليقات (1)
محمد قذيفه
الأربعاء، 30-10-2019 10:22 ص
يمكن أن ينجح ذلك اذا غاب شيطانا الانس ، الخناس الذي يوسوس في صدور آل سعود أمريكا وبني صهيون