كتاب عربي 21

عفوا قيس سعيّد.. زمن الوصاية لم ينته!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

لم يعد أمامي غير تقديم الاستقالة بأثر فوري كما فعل صلاح الدين مزوار.

بهذه الكلمات علق مدير الموقع الإلكتروني المغربي "يا بلادي" على بيان أصدرته سفارة روسيا الاتحادية بالرباط، ونشرته على صفحتها على الفايسبوك، مهاجمة الموقع الإلكتروني لتجرؤه على التعليق على بيان آخر صدر، هذه المرة، عن حزب التقدم والاشتراكية بخصوص عملية "نبع السلام" التركية بالشمال السوري. 

 

بيان لا يخلو من دماء شيوعية

في بيان الحزب المغربي إدانة قوية للعملية العسكرية التركية التي اعتبرها "تهديدا حقيقيا لوحدة تراب البلد واستقلاله، وانتهاكا صارخا لسلامة أراضيه وسيادته عليه...". وفي تعليق موقع بلادي تذكير بالوجود الروسي على الأرض السورية منذ سنوات، وهي واقع على الأرض لم يتنبه له بيان التقدم والاشتراكية ولم يحتج منه أي إشارة أو تنديد. يبدو أن الدماء الشيوعية التي كانت تسري في جسد الحزب المغربي لا تسمح لمكتبه السياسي بانتقاد ولي النعمة الروسي وريث الإرث السوفييتي. والأكيد أن سفارات الدول "العظمى" لا تزال حالمة بتأبيد الوصاية الفكرية على مريدي بناياتها بل تسعى للامتداد خارجها ولو كان الاستهداف موجها للإعلام ومؤسساته. السفارة الروسية تعتقد أن لا مجال لمقارنة الوجود الروسي بالشام بتدخل الجيش التركي، ومن يفعل ذلك جاهل لا ريب.

بـ "الجهل العميق بتوجهات الديبلوماسية المغربية التي سطرها الملك محمد السادس، والقائمة على حسن الجوار والتضامن والتعاون مع موريتانيا الشقيقة"، وصفت وزارة الخارجية المغربية، أواخر شهر كانون أول (ديسمبر) 2016، تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال وقتها، حميد شباط، الذي أعلن في تجمع حزبي أن الجارة الجنوبية للمغرب جزء من المملكة التي تمتد حدودها التاريخية لنهر السينغال. 

 

ليس المغرب بحاجة لحكومة "إعادة انتشار" سميت بحكومة الكفاءات، ولا إلى قنابل دخان على شكل قرارات محاسبة أو عناوين رنانة لكسب الوقت وتخدير الرأي العام،


وأضاف بيان الوزارة أنه "بهذا النوع من التصريحات، التي تفتقد بشكل واضح لضبط النفس وللنضج، يساير الأمين العام لحزب الاستقلال نفس منطق أعداء الوحدة الترابية للمملكة الذين يناوئون عودتها المشروعة إلى أسرتها المؤسساتية الإفريقية". انتهى شباط طريدا من حزبه، "منفيا" خارج البلاد وهو الذي كان "صنيعة" الدولة في مشهد تصدره لمواجهة شعبوية بن كيران بمنطق "الجمهور عاوز كده" أو بهدف خلط الأوراق وتمييع الممارسة السياسية وتنفير الناس عنها. 

لم يكن شباط وحده من ذاق من مرارة الكأس بل رئيس الوزراء نفسه، عبد الإله بن كيران، الذي أثار عليه الغضب بتصريحه المنتقد للتدخل الروسي بالشام حين اعتبر الأمر تدميرا لسوريا. احتويت الأزمة بعد احتجاج السفير الروسي بتدخل وزارة الخارجية المغربية أعاد الأمور لنصابها. وقتها كانت الوزارة برئاسة صلاح الدين مزوار.

مرت السنوات وغادر مزوار الخارجية ليحط الرحال، بدعم مباشر من الدولة وأجهزتها، في كرسي رئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهي جمعية مهنية لأرباب المقاولات المغربية مستقلة عن الدولة، تأسست في العام 1947 إبان فترة الاستعمار الفرنسي، وقاده قدره إلى المشاركة في أعمال النسخة الثانية عشرة من مؤتمر السياسة العالمي الذي انعقد قبل أيام بمدينة مراكش ممثلا لاتحاد المقاولات. 

 

حراك الجزائر هو السبب

 
في المؤتمر أدلى الرجل بدوله فيما تشهده الجارة الشرقية الجزائر من حراك اجتماعي وسياسي مستمر منذ أشهر، واعتبر أن الاحتجاجات السلمية في الجزائر باعثة للأمل؛ عكس ما يعتقد الكثير، مؤكداً أن "الجزائر لن تعود إلى الوراء، لذلك يجب على السلطة العسكرية قبول مشاركتها السلطة مع أولئك الذين قادت ضدهم حربا داخلية خلال عشر سنوات، لأنهم يشكلون إحدى القوى القليلة المنظمة المتبقية في الجزائر". 

لم ينته مزوار من كلامه حتى خرجت علينا الخارجية المغربية ببيان لاذع وصفت فيه مداخلة رئيسها السابق بـ "التصرف غير المسؤول والأرعن والمتهور" قبل أن تضيف فيما يبدو نوعا من التخوين بالقول إن تدخل رئيس المقاولات المغربية "أثار تساؤلات على مستوى الطبقة السياسية والرأي العام بخصوص توقيته ودوافعه الحقيقية"، وأن "الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يمكنه الحلول محل حكومة جلالة الملك في اتخاذ مواقف حول القضايا الدولية ولاسيما التطورات في هذا البلد الجار".

 

هدر الزمن السياسي ليس في مصلحة أحد، وزمن الوصاية لم ينته بعد في كثير من الأوطان، فهل تأتي الإجابة مرة أخرى من تونس أم أن الربيع لا يزهر حتى يقطف ينعه اللصوص ويدمره الغربان؟


حدة البلاغ الحكومي الأخير لم تكن معهودة في بلاغات الخارجية المغربية التي اختارت، في الغالب، النأي بالنفس عن المواجهات المباشرة واعتماد لغة القنوات السرية لإيصال رسائلها للمعنيين دونما حاجة للخروج بها إلى العلن. الغريب في الأمر أن المعني بالبلاغ مشرف على اتحاد مهني غير مرتبط، نظريا، بالدولة ومؤسساتها، ورئيسه معفي من واجب التحفظ الذي يسري على الموظفين والشخصيات التي يمكن لمواقفها أن تحسب على الرأي الرسمي. صلاح الدين مزوار، ومنذ أن طلق العمل الحزبي والحكومي، لم يعد معنيا بتصريف مواقف السلطة وتوجهاتها بل تمثيل الهيئة التي "انتدبته" للحديث باسمها وهم فئة المقاولين وأرباب الشركات.

تدخل الدولة في توجيه موقف جمعية مهنية، كما كان الأمر سنة 2016 بالنسبة لحزب سياسي، وصاية مباشرة على الشأن العام يعتقد كثيرون أن زمنها قد ولى. وهو بذلك إشارة إلى أن السلطة لا تقبل الخروج عن خط رسمته وحددت مجاله خصوصا في مجال سيادي كالخارجية المرتبطة مباشرة بالقصر. لكن ذلك يرتد في كثير من الأحيان عكس المأمول، إذ تفقد الدولة المغربية إمكانيات التأثير في العلاقات الدولية عبر الديبلوماسية الأهلية التي كثيرا ما تحقق الأهداف المرسومة أو تساعد على تحقيقها. 

في المغرب، لا يزال مفهوم الإجماع الزائف عتبة حقيقية أمام تطور المؤسسات وتحديث القوانين والأنظمة. ولا تزال الوصاية على الفضاء العام حقيقة يعيشها المواطن مسؤولا كان أو كادحا في مواجهة تغول الدولة ومؤسساتها. ورغم كل محاولات الانخراط في سيرورة التحديث، لا تزال الممارسات السلطوية سيفا مسلطا على كل من يجرأ على الخروج عن النص المحفوظ في ألواح الدولة العميقة وممثليها.

ليس المغرب بحاجة لحكومة "إعادة انتشار" سميت بحكومة الكفاءات، ولا إلى قنابل دخان على شكل قرارات محاسبة أو عناوين رنانة لكسب الوقت وتخدير الرأي العام، ولا تسويف في البحث عن نموذج تنموي لا يأخذ بعين الاعتبار الحرية الوسيلة الأوحد للاختيار والمشاركة المجتمعية الطريق الأمثل لتحديد السياسات. 

هدر الزمن السياسي ليس في مصلحة أحد، وزمن الوصاية لم ينته بعد في كثير من الأوطان، فهل تأتي الإجابة مرة أخرى من تونس أم إن الربيع لا يزهر حتى يقطف ينعه اللصوص ويدمره الغربان؟

التعليقات (1)
عدنان القحطاني
الخميس، 14-11-2019 06:54 م
نعم يا اخي سقط الجميع الاحزاب الشيوعية والاشتراكية هي الوحيدة التي ايدت دولة اسرائيل وخرجت بمظاهرات ببغداد مع اليهود تنادي بحق اليهود باقامة دولة بفلسطين والله كنا مبهورين بالديمقراطية الاوروبية والامركية ولكن بعد الثورات ومتابعة السياسة عرفنا انها لعبة ومسخرة وادت بالاخر سيطر اصحاب المال والسلاح والرئيس الامريكي والفرنسي الخ لا يملكون اي قرار القرار للبنوك والشركات العابرة للحدود والدليل البنك الفيدرالي الامريكي لا يخضع للدولة الامريكية والان الاحزاب السياسية المتشكلة بالدول العربية التي ثارت تتبع لسياسة مموليها واغلبهم من الخارج لتحقيق اهدافهم بدول الثورات لضبط الايقاع