كتاب عربي 21

إخفاق البنك المركزي المصري بتحقيق مستهدفاته

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
منذ تموز/ يوليو 2013، قام البنك المركزي المصري بعدة إجراءات لتقليل الواردات، لتخفيف الطلب على الدولار الأمريكي، بداية من وضع حد أقصى للإيداعات الدولارية اليومية والشهرية، ووضع حد أقصى للتحويلات للخارج، وإلزام المستوردين بتوريد مستندات التحصيل من الخارج إلى البنوك مباشرة، وليس إلى العملاء، وزيادة التأمين النقدي للاعتمادات المستندية التي يتم فتحها لتمويل استيراد السلع إلى نسبة 100 في المئة، ووضع ضوابط على التعامل ببطاقات الائتمان بالعملات الأجنبية داخل البلاد وخارجها. وواكبت ذلك إجراءات أخرى قامت بها وزارة التجارة ووزارة المالية ومصلحة الجمارك؛ تستهدف نفس الغرض.

إلا أن بيانات البنك المركزي الخاصة في العام المالي 2017/2018 والمنتهى آخر حزيران/ يونيو الماضي، أشارت إلى ارتفاع قيمة الواردات السلعية بنحو أربعة مليارات دولار عن العام المالي السابق، وهو العام الذي زادت فيه قيمة الواردات السلعية بحوالي ثلاثة مليارات دولار عن العام الأسبق. وشمل الارتفاع أيضا خلال نفس العامين الماليين؛ قيمة الواردات الخدمية.

كما استهدف البنك المركزي من خلال تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 زيادة الاستثتمار الأجنبي المباشر، في ضوء انخفاض قيمة الأصول المصرية، إلا أن تلك الاستثمارات المباشرة قد انخفضت في العام المالي الأخير عن العام السابق.

ورغم زيادة قيمة الصادرات السلعية بعد تعويم الجنيه كما استهدف البنك المركزي إلى أقل من 26 مليار دولار، فما زال الرقم أقل مما كانت عليه الصادرات السلعية قبل عشر سنوات، حين تخطت 29 مليار دولار. ونفس الحال للإيرادات السياحية التي زادت إلى حوالي 10 مليار دولار، حيث ما زالت أقل مما كانت عليه قبل ثماني سنوات حين اقتربت من 12 مليار دولار.

كما تسبب التوسع في مبيعات أدوات الدين الحكومى للأجانب في بلوغ المدفوعات على تلك الاستثمارات أكثر من سبعة مليارات دولار، أي أكثر من إيرادات قناة السويس التي بلغت أقل من ستة مليارات دولار.

زيادات القروض للحكومة

كما تسببت مبيعات الأجانب لأدوات الدين المصرية مع مشكلة الأسواق الناشئة، في الضغط على الجهات المحلية خاصة المصارف وشركات التأمين الحكومية لزيادة مشترياتها من تلك الأدوات، الأمر الذي توضحه أرصدة أذون الخزانة. فبينما نقصت مشتريات الأجانب ما بين شهري آذار/ مارس وآب/ أغسطس من العام الحالي، فقد زادت أرصدة مشتريات بنوكا لقطاع العام خلال تلك الشهور من 333 مليار جنيه إلى 362 مليار جنيه، وبنك الاستثمار القومي الحكومي من 51 مليار جنيه إلى 143 مليار جنيه، وكذلك مشتريات شركات التأمين الحكومية من 39 مليار جنيه إلى 51 مليار جنيه.

وها هي أرصدة القروض في البنوك المصرية بشهر تموز/ يوليو الماضي تضيف جانبا آخر للصورة، حين زادت بنحو 1964 مليون جنيه خلال الشهر، شاملة القروض للحكومة وغيرها، لكن زيادة القروض للحكومة خلال الشهر كانت بنحو خمسة مليارات جنيه، وبما يعني انخفاض أرصدة قروض الجهات غير الحكومية وأغلبها من القطاع الخاص بنحو ثلاثة مليارات جنيه، مما يشير إلى صعوبات الاقتراض المصرفي التي يواجهها القطاع الخاص، إضافة لارتفاع سعر الفائدة، مع تفضيل البنوك إقراض الحكومة وشراء أدوات الدين التي تطرحها.

ومن الطبيعي أن يقول أنصار النظام الحاكم: ولكن الميزان الكلي للمدفوعات حقق في العام المالي الأخير فائضا بلغ ما يقرب من 13 مليار دولار، وهو أمر غير صحيح، حيث تضمنت موارد العملات الأجنبية خلال ذلك العام المالي قروضا وودائع أجنبية بنحو 15 مليارا ونصف المليار دولار، بالإضافة إلى مشتريات للأجانب بأدوات الدين المصري بنحو 12 مليار دولار، أي بإجمالي 27 مليار ونصف المليار دولار للنوعين.

فائض وهمي بميزان المدفوعات

وبطرح الفائض المزعوم من تلك الموارد المقترضة يتحول الميزان الكلي للمدفوعات، لتحقيق عجز حقيقي بنحو حوالي 15 مليار دولار، وتؤكد ذلك مبيعات الأجانب لأدوات الدين المصرية، والتي بلغت حوالي ستة مليارات دولار ما بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو من العام الحالي، والتي استمرت خلال شهر تموز/ يوليو بمليار دولار آخر، مما نجم عنه انخفاض صاف في الأصول الأجنبية (العملات الأجنبية) في الجهاز المصرفي منذ شهر نيسان/ أبريل الماضي وخلال الشهور التالية، حتى تموز/ يوليو كآخر بيانات معلنة.

والخطير في الأمر هو عودة صافي أرصدة العملات الأجنبية في البنوك (بخلاف البنك المركزي) إلى تحقيق عجز خلال شهر تموز/ يوليو للمرة الأولى منذ أيار/ مايو 2017. وكان صافي أرصدة البنوك من العملات الجنبية قد حقق عجزا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 استمر حتى نيسان/ أبريل 2017، ثم تحول لتحقيق فائض لمدة 13 شهرا، وها هو يعود للتحول إلى العجز.

ويشير ذلك إلى عدم مصداقية سعر الصرف المعلن وعدم وجود تعويم حقيقي للجنيه، وتدخل البنك المركزي بوضع سقف لتغير سعر الصرف. فبينما تحقق البنوك (بخلاف البنك المركزي) عجزا في صافي العملات الأجنبية، خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، نجد سعر الصرف خلال الشهر يدور حول سعر 17 جنيها و89 قرشا خلال الشهر، بل وينخفض بنحو قرشين بنهاية الشهر!

وربما يقول أنصار النظام أن الاحتياطيات من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، قد زادت خلال شهور العام الحالي لتتخطى 44 مليار دولار، لكن هؤلاء يعرفون أن هذا الاحتياطي غير مملوك للبنك المركزي بشكل حقيقى، وجاء من القروض التي تخطى مقدارها أكثر من ضعف رقم الاحتياطي. وهكذا لم يأت الاحتياطي من الموارد المعتادة، كالتصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي والتحويلات والخدمات.

ولعل أكبر برهان على ذلك يأتي من مقارنة زيادة الاحتياطي، بزيادة القروض الخارجية خلال الربع الثاني العام الحالي، حيث كانت قيمة زيادة الاحتياطي ما بين نهاية شهري آذار/ مارس وحزيران/ يونيو من العام الحالي؛ 1647 مليون دولار، بينما كانت زيادة القروض خلال نفس الفترة بنحو أربعة مليار ونصف المليار دولار، وهو ما يشير من ناحية أخرى إلى زيادة الالتزامات الدولارية عن الموارد الدولارية، بما يعني وجود مخاطر حقيقية على استقرار سعر صرف الجنيه المصري تجاه الدولار الأمريكي.
التعليقات (0)