لماذا يتم سجن "الأخوين
مبارك" الآن؟!
طرح هذا السؤال نفسه بعد الإجراء المفاجئ للمحكمة التي تنظر في قضية الفساد المرتبطة بالبورصة، وهي قضية قديمة بدأت وقائعها بعد الثورة مباشرة، عندما اضطر المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي للقبض على الرئيس المخلوع ونجليه، لتكون آخر قضية لهم، بعد "أوكازيون البراءات" لسدنة النظام السابق، وهي نهاية عبّر عنها أحد القضاة بقوله: "عودوا إلى مقاعدكم"، فنجاح الانقلاب كان يعني أن أحكام البراءة تحصيل حاصل، لكن مع ذلك صدر حكم بالإدانة ضد مبارك وابنيه في قضية واحدة هي "
القصور الرئاسية"!
من الناحية القانونية، فإنها ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها محكمة قراراً بأخذ متهمين من الدار للنار، ومن قاعة المحكمة للسجن، قبل أن تصدر حكمها، فهذه سلطة تقديرية للقاضي، لكن اللافت أن استخدام هذه السلطة يأتي في وقت بات معلوماً أن النظام الحالي يطوي ملف هذه
المحاكمات، فلماذا "الأخوين مبارك" تم اتهامهما من قبل، وسجنهما من بعد، وليست هناك ثورة مشغولة بسجنهما، أو ثواراً يضغطون من أجل ادخالهما السجن، أو نظاماً يعنيه كسب رضى الثورة والثوار، كما كان المجلس العسكري في الأيام الأولى لتنحي مبارك؟!
عندما نقف على السياق السياسي الذي صدر فيه حكم الإدانة في قضية القصور الرئاسية، يمكننا بالتالي فهم هذا القرار بسجن "الأخوين مبارك" الآن. ففي الأولى كانا قد خرجا من السجن للشارع، وقاما بأعمال لم تُعرف عنهما، بقيامهم بأداء ما يدخل في باب الواجبات الاجتماعية، والذهاب إلى المقاهي في المناطق الشعبية، ووصل الحال إلى قيام "علاء مبارك"
بالعزاء في والد "محمد أبو تريكة"، وهي خطوة لها دلالتها، إذا علمنا أن النظام الحاكم حرم "أبو تريكة" نفسه من المشاركة في تشييع جثمان والده إلى مثواه الأخير، أو تقبل العزاء فيه في القاهرة. وبعض هذا الحضور كان بعد صدور الحكم بالإدانة!
فلماذا حصل نظام مبارك على "البراءات" في قضايا مهمة مثل قتل المتظاهرين، ثم يكون الحرص على هذه الإدانة؟ في ظل نظام حاكم بدا أن من المهام التي كلف بها نفسه هي رد الاعتبار إلى النظام السابق باعتباره يمثل امتداداً له، فمبارك هو من عين
السيسي مديراً للمخابرات الحربية!
بخروج جمال مبارك من السجن، فقد بدا حريصاً على
الظهور في المشهد، وهذه إطلالة لها ما بعدها. وعلمنا أن الحزب الوطني (الحاكم سابقا) بدأ في لملمة نفسه للاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية، والتقى أمين التنظيم السابق أحمد عز بعدد من النواب السابقين لهذا الهدف، بل وخطط هو نفسه لخوض الانتخابات، فحال دون ذلك صدور حكم بإدانته في قضية فساد (أظنه انتهى منها الآن بالمصالحة)، وكان الجميع يعلمون أن جمال مبارك يدير الأمور من وراء حجاب، فجاء حكم الإدانة في قضية "القصور الرئاسية" ليوقف نموه السياسي، وإذا كانت قضايا الفساد المالي يمكن الانتهاء منها بالتصالح، بحسب التعديلات التي أدخلت على القانون. فقد وضع قانون الانتخابات الرئاسية نصاً متعسفا ومعيباً وغير مسبوق ضمن شروط الترشح، فالقوانين السابقة تشترط ألا يكون المرشح قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، "ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره"، فجاء القانون الجديد لينص على "حتى وإن رُد إليه اعتباره"!
في الأولى، فإن إسقاط العقوبة يكون بقانون، يملك البرلمان الحق في إصداره، وفي الثانية، فإن تعديل النص المعيب يكون من قبل البرلمان أيضاً، فتم تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى يتمكن السيسي من هندسة البرلمان، لا سيما بعد تقارير أمنية أفادت أن المنتمين للحزب الوطني سابقا، والذين كانت جماعة السيسي تخطط للدفع بهم لخوض الانتخابات، ولاؤهم للفريق أحمد شفيق، فتأجلت الانتخابات ليكون البرلمان من شخصيات ليس لها حضور، أو سوابق سياسية، فلا هم من وجهاء السياسة أو أعيان القبائل، برلمان خير من يمثله ويعبر عنه هو "علي عبد العال"، الذي لم يضبط متلبساً يوماً بالفعل أو التفكير السياسي، والذي لا يمكنه أن ينتج جملة واحدة مكتملة الأركان، على النحو الذي جعل الأجيال الجديدة تترحم على زمن أحمد فتحي سرور، رئيس البرلمان في عهد مبارك. فهذه الأجيال لم تشاهد من سبقه في رئاسة مجلس الشعب، وهو الدكتور رفعت المحجوب "فاحش الموهبة والقدرات"، وهو ما جعل جيلنا وما سبقه من أجيال، ترى في "سرور" أنه لا يرتقي لمستوى هذه القامة، لكنه مع ذلك صار بجانب "عبد العال" قيمة كبيرة!
وإذ مثل حكم الإدانة السابق "عتبة قانونية" أمام "جمال مبارك" تحول دون تفكيره في الترشيح، ورسالة تهديد واضحة؛ لأن البلاد كانت على أعتاب انتخابات برلمانية. فمصر الآن على أعتاب انتخابات أخرى هي الأهم بالنسبة للسيسي؛ لأن هذا البرلمان سيقوم بتمكينه من الاستمرار في السلطة، إذا فشل في تعديل الدستور، ولجأ إلى خيار "بوتين" باستدعاء محلل فاقد للقدر والمكانة. فالبرلمان هو صاحب قرار الموافقة على تمرير اختياره رئيساً للحكومة. وبنص الدستور، فان الرئيس وحده ليس صاحب سلطة عزله، فلابد من موافقة البرلمان أيضاً، فضلاً عن أن البرلمان يملك سلطة إسقاط العقوبة ورد الاعتبار وتغيير قوانين الرئاسة، كما أن من سلطته تمرير التعديلات الدستورية، إن صدرت الموافقة الأمريكية على ذلك في وقت متأخر، وبعد تشكيل البرلمان الجديد في 2020، والذي يسعى السيسي إلى هندسته كما هندسة البرلمان الحالي بالاستعانة بالأجهزة الأمنية! وهو يستعد لذلك باعتقال كل من له علاقة بالفعل السياسي. وسجن "الأخوين مبارك" له علاقة بذات سياق اعتقال سامي عنان، ومعصوم مرزوق، وعبد المنعم أبو الفتوح، أو بالأحرى استمرار اعتقالهم!
ولا شك أن
شعبية "الأخوين مبارك" تقلق عبد الفتاح السيسي الذي انخفضت شعبيته تماما، ولهذا نقل "ياسر رزق" في مقال له تهديداً واضحاً لجمال، بأن يلزمه بيته، ويتوقف عن جولاته في الحواري والمقاهي والأزقة، وباعتبار أن زمانهم قد ولى. وفهم نجل الرئيس السابق أنها رسالة من السيسي، وما الكاتب إلا وسيط، فوسعته داره بالفعل. وظل الأخ الأكبر يتحرك بمفرده، وهو في تحركاته يلتف الناس حوله، لكن هل انصياع "جمال" للتهديد يعني توقف طموحه السياسي وتوقف خططه لتحقيق هذا الطموح؟ أم أنه لا يزال يفكر ويقدر وينتظر الفرصة؟!.. وهل يمكن قبول التفسير بأن حركة "علاء" تخصه، ولا تمثل إضافة للأخ، ولا تفيد مستقبلاً في أي اتجاه آخر ليس بالضرورة أن يستفيد منه جمال وحده؟!
ليس لي أن أتكهن بمسار القضية، لكني مدرك أن التدخلات الخارجية لها أثرها في هذا، فقد تدخل ترامب لصالح آية حجازي، فكان الحكم بالبراءة، ويقيني أن الدول الخليجية قد تتدخل وتمنع سجنهما، لكن بعد الاتفاق على أن يمتثلا كما امتثل الفريق أحمد شفيق، فلا اشتغال بالسياسة، ولا تفكير فيها، ولا نزول للشوارع، ولا احتكاك بالجماهير، وقد يكون الاتفاق بإقامة شبه جبرية!
فهل يوافق "الأخوين مبارك" على ذلك؟!